«شريان حلب»... موت للمارة وثراء لقوات النظام

«الشرق الأوسط» ترصد الطريق البديلة بين دمشق وحماة وشمال سوريا

عناصر من الجيش الروسي أثناء عملهم في عملية ابطال الألغام في حلب (غيتي)
عناصر من الجيش الروسي أثناء عملهم في عملية ابطال الألغام في حلب (غيتي)
TT

«شريان حلب»... موت للمارة وثراء لقوات النظام

عناصر من الجيش الروسي أثناء عملهم في عملية ابطال الألغام في حلب (غيتي)
عناصر من الجيش الروسي أثناء عملهم في عملية ابطال الألغام في حلب (غيتي)

في عام 2014 تمكنت قوات النظام السوري من فتح طريق برية بديلة إلى مدينة حلب أطلق موالون لدمشق عليها حينها اسم «شريان حلب»، بعد قطع فصائل المعارضة في 2012 طريق حلب - دمشق الدولية ومحاصرة قواته في القسم الغربي من المدينة، لكن الطريق الجديدة تشكل إضافة إلى ذلك مورد ثراء لقواته وميليشياته من «الإتاوات» وأموال عمليات الخطف مقابل الفدية، إضافة إلى مخاطر تصل إلى حد الموت.
وكانت الطريق الدولية تبدأ من دمشق إلى حمص ثم حماة مروراً ببعض مدن وقرى محافظة إدلب وصولاً إلى حلب عبر ريفها الجنوبي الغربي، ويبلغ طولها نحو 400 كيلومتر، ويستغرق قطعها نحو أربع ساعات، لكن الطريق الجديدة تبدأ من العاصمة السورية إلى ريف حمص الشرقي، من ثم ريف مدينة سلمية الواقعة بريف حماة الشرقي، وصولاً إلى بلدة أثريا، ومن ثم بلدة خناصر بريف حلب الجنوبي الشرقي، ومنها إلى بلدة السفيرة فمدينة حلب، ويصل طولها إلى ما يقارب 600 كيلومتر، وتستغرق نحو ست ساعات لقطعها.
وإن كان قطع المسافة بين دمشق ومركز مدينة حمص سلسلاً بالنسبة للمارة؛ نظراً لكثافة السيارات العبّارة، واقتصار الأمر على رشى تدفع على حواجز النظام للمرور، فإن حالة من الرعب الكبير تدب في قلوب المسافرين مع الاقتراب من ريف سلمية الشرقي الذي يبعد عن مدينة حلب ما يقارب 200 كيلومتر. حالة الرعب تزداد أكثر في ذلك الريف، خصوصاً في المنطقة الواقعة بين الشيخ هلال وأثريا؛ ذلك أنها صحراء قاحلة، وتنتشر على جانبيها السيارات المدمرة بسبب المعارك التي كانت تدور هناك بين النظام وتنظيم داعش.
وأكثر ما يثير الرعب على الطريق الرئيسية والطرق الفرعية المتفرعة عنه في بتلك المنطقة كثرة الحواجز «الطيارة» في وضح النهار التي غالباً ما تكون عناصرها من أهالي المنطقة ومنتمين لموالين للنظام، وإيقافهم لأغلب السيارات المارة وخصوصاً الفارهة وفرض مبلغ مالي للسماح لها بالمرور بحجة تأمين الطريق. واللافت في تلك المنطقة سرعة السيارات الجنونية لتجاوزها، لكن ذلك وفق ما يروي أحد سكان المنطقة لـ«الشرق الأوسط»، لا يمكن أي منها عدم الوقوف عند تلك الحواجز؛ لأن سيارات عناصر الميليشيات جميعها من الطراز الحديث ويمكنها اللاحق بها واعتراضها؛ الأمر الذي يجدون فيه مبرراً لمضاعفة «الإتاوة» مرات عدة على من يقدم على ذلك، بعد توجيه أنواع شتى من الشتائم له، وربما احتجازه لساعات، والاعتداء بالضرب عليه، ومن ثم السماح له بالمرور، بحسب قول سكان المنطقة لـ«الشرق الأوسط». وقال أحدهم إنه مع حلول الظلام، تندر السيارات المارة من هذه المنطقة، بسبب حالات الاختفاء التي كثراً ما حصلت، والناجمة عن عمليات الخطف مقابل الفدية التي أثرت عناصر الميليشيات، لدرجة أن غالبية الأهالي باتوا يصفونه بطريق «اللاعودة».
مع الوصول إلى مفرق أثريا المؤدي إلى خناصر يلفت النظر وجود مئات الصهاريج الناقلة للنفط مركونة في منطقة غير بعيدة على يسار الطريق والقادمة من مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية والمدعومة من التحالف الدولي ضد تنظيم الذي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، التي سيطرت مؤخراً على أهم آبار النفط والغاز في شمال البلاد ودير الزور والرقة والطبقة.
ويفسر اقتصاديون ذلك، بأن النظام يشتري النفط من الأكراد كون سعره أقل بكثير مما هو عليه في السوق العالمية، ويقول هؤلاء لـ«الشرق الأوسط»: «كان يشتري النفط من (داعش)، لماذا لا يشتريه الآن من الكرد».
طريق أثريا - خناصر، البالغ طولها نحو أكثر من 50 كيلومتراً، بدت سيئة للغاية، بسبب وعورة المنطقة وازدواجية الطريق (ذهاب – إياب)، رغم أن عرضها لا يتجاوز ستة أمتار؛ الأمر الذي يضفي كثيراً من القلق في نفوس المسافرين بسبب احتمال حصول حوادث مرورية مع السرعات الزائدة للسيارات نتيجة الخوف من المعارك التي كثراً ما تحصل على الطريق بين فصائل المعارضة وقوات النظام.
أكثر ما يلفت الانتباه على جانبي الطريق، الدمار شبه الكامل الذي طال معظم قراها ومنازلها التي بدت في معظمها بدائية ذات قباب مكسوة بالطين، إضافة إلى خلوها من السكان بشكل شبه كامل، إلا من عدد قليل من رعاة الأغنام.
المشهد في تلك القرى ينسحب أيضاً على بلدة خناصر الخاوية على عروشها، والخالية تماماً، إلا من عشرات من عناصر جيش النظام المتمركزين على حواجز في وسطها ويدققون بالسيارات القادمة إلى البلدة من دون اكتراث كبير.
بعد مسافة 50 كيلومتراً يبدو المشهد مختلفاً نوعاً ما في وسط بلدة السفيرة، حيث كانت هناك حركة خجولة لقلة من الأهالي، مع انتشار واسع لعناصر جيش النظام ورموزه، لكن الدمار يعود ويعم والحياة تنعدم في القرى المحيطة بالبلدة.
وتفيد مصادر مطلعة على كواليس صفقة تسليم النظام السوري لمخزونه من الأسلحة الكيماوية التي جرت بين الرئيسين الأميركي السابق باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين عام 2014 مقابل عدم توجيه واشنطن ضربة للنظام في دمشق، بأن فتح طريق أثريا – خاصر – حلب كان من ضمن بنود الصفقة لإخراج مخزونات من المواد الكيماوية كان النظام يكدسها في معامل وزارة الدفاع في بلدة السفيرة، بحسب اعتقاد نشطاء معارضين.
بعد نحو 30 كيلومتراً من السفيرة تظهر مشارف مدينة حلب من الجهة الجنوبية الشرقية وأول ما تبدو معامل وقد دمرت أجزاء كبيرة منها ونهبت محتوياتها ومعدتها وتراكمت الأوساخ من حولها، لتظهر بعد ذلك الأجزاء الجنوبية الشرقية من المدينة شبه خالية من السكان، ومنازلها كأنها قيد الإنشاء بسبب عمليات النهب التي قام بها عناصر جيش النظام وميليشياته بعد سيطرتهم عليها.
ورغم مرور أكثر من عام على سيطرة النظام على مناطق المعارضة في مدينة حلب، فإن عناصره وميليشياته لا يزالون حتى اليوم ينهبون بيوت المعارضة، وقد بدا ذلك واضحاً من قوافل الشاحنات المحملة بتلك المسروقات من أدوات منزلية وأثاث، والمتجهة من حلب إلى سلمية وحماة وريفهما في طريق العودة.



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.