شهد البرلمان التونسي أمس فوضى عارمة خلال الجلسة العامة، التي خصصت للمصادقة على قرار تمديد عمل هيئة الحقيقة والكرامة لمدة سنة إضافية، وذلك في إطار منظومة العدالة الانتقالية، التي تنص على المساءلة والمحاسبة وتعويض ضحايا التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان من سنة 1955 إلى نهاية 2013.
وتبادل ممثل الائتلاف الحاكم (النهضة والنداء) من ناحية، وتحالف الجبهة الشعبية اليساري من جهة أخرى، التهم بتعطيل مسار العدالة الانتقالية، سواء تعلق الأمر بالطرف الذي يدعم التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، التي تترأسها الحقوقية سهام بن سدرين، أو من يعارض التمديد لهذه الهيئة، التي أقرها الدستور التونسي الجديد.
وارتفعت حدة النقاشات، التي عرفها البرلمان، أمس لدرجة وصلت حدّ التشابك بالأيدي بين بعض نواب المعارضة ونواب نداء تونس.
وانقسمت المواقف بين من يطالب برفع الجلسة البرلمانية العامة لعدم قانونيتها، ومن يدعو إلى مواصلة أشغالها لحسم الخلاف المشتعل بين الائتلاف الحاكم وأحزاب المعارضة.
وكان عدد من أعضاء البرلمان (المعارضة) قد تقدموا بطلب لوقف عقد جلسة عامة في البرلمان مخصصة للتصويت على التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة لمدة سنة إضافية. لكن المحكمة الإدارية (القضاء الإداري)، التي كان يفترض أن تحسم هذا الخلاف، رفضت الإدلاء برأيها، وقالت إنها غير مخولة لاتخاذ مثل هذه القرارات، وهو ما جعل ملف التمديد في عمل هيئة الحقيقة والكرامة يتعقد أكثر فأكثر.
وبعد أربع ساعات من انطلاق الجلسة البرلمانية أمس، غادرت بن سدرين الجلسة بعد أن استحال الاستماع لكلمتها، التي ستدافع فيها عن قرار التمديد لفائدة هيئة الحقيقة والكرامة، وهو ما خلق مزيداً من الفوضى داخل قبة البرلمان.
وكان مجلس هيئة الحقيقة والكرامة قد قرر من تلقاء نفسه، خلال جلساته في فبراير (شباط) الماضي، التمديد لعمل الهيئة لسنة إضافية، حسب ما يمنحه الفصل 18 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية، على أن تنهي الهيئة أعمالها في 31 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وهو ما خلف نقاشات حادة حول قانونية اتخاذ المجلس بنفسه هذا القرار دون الرجوع إلى البرلمان.
وينص الفصل 18 المذكور على أن مدة عمل الهيئة تتحدد بأربع سنوات، بداية من تاريخ تسمية أعضائها، تنتهي خلال شهر مايو (أيار) المقبل، وهي قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة سنة بقرار مبرر من الهيئة، ثم يرفع الأمر إلى المجلس المكلف بالتشريع قبل ثلاثة أشهر من نهاية مدة عملها، وهو ما ارتكزت عليه رئيسة الهيئة سهام بن سدرين، فيما دعا معارضوها إلى ضرورة المرور بالبرلمان حتى لا تكون سلطة خارج السلطة، على حد تعبيرهم.
وفي هذا الشأن، قال حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لحركة نداء تونس، إن العدالة الانتقالية «ليست هي سهام بن سدرين، ولن نصوت لبقائها»، وهو ما يعني تخلي حزب النداء عن دعم قرار التمديد لها.
وفي السياق ذاته، قالت يمينة الزغلامي، القيادية في حركة النهضة، إن الجلسة البرلمانية المخصصة للتصويت «غير قانونية»، على حد تعبيرها.
لكن أحزاب المعارضة، التي تقودها الجبهة الشعبية اليسارية لا تتفق مع هذا الموقف، إذ تتهم الائتلاف الحاكم بتعطيل مسار العدالة الانتقالية لأنه سيمس شخصيات سياسية وأمنية تنتمي إلى منظومة الحكم الحالي. وفي هذا الشأن، قال الجيلاني الهمامي، القيادي في تحالف الجبهة الشعبية لـ«الشرق الأوسط» إن «أطرافا سياسية في الحكم تسعى إلى طمس جريمة الاستبداد، وألا يتم التعامل مع شهادات ضحايا الاستبداد، وألا يقع جبر أضرارهم... والجبهة الشعبية من أكثر الأحزاب التي سجلت مؤاخذات على هيئة الحقيقة والكرامة ورئيستها سهام بن سدرين. لكنها تحترم القانون، وترى أنه لا موجب لعقد جلسة برلمانية عامة».
اشتباكات داخل البرلمان التونسي بسبب ملف انتهاكات حقوق الإنسان
خلال جلسة المصادقة على قرار تمديد عمل هيئة الحقيقة والكرامة
اشتباكات داخل البرلمان التونسي بسبب ملف انتهاكات حقوق الإنسان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة