قالت مصادر دبلوماسية أوروبية إن إقالة ريكس تيلرسون من وزارة الخارجية الأميركية سوف «تعقّد» المساعي الأوروبية لإيجاد مخرج لأزمة الاتفاق النووي مع إيران وتزيد من احتمال أن يقرر الرئيس دونالد ترمب الخروج منه بحلول منتصف مايو (أيار) المقبل.
واعتبرت هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس، أن إبعاد تيلرسون عن وزارة الخارجية «ستكون له تداعيات سلبية جداً في المستقبل القريب» على الجهود المشتركة التي تبذلها اللجنة الأوروبية - الأميركية التي تشكلت بعد قرار ترمب الأخير بإمهال الكونغرس والأطراف الأوروبية الثلاث «بريطانيا وألمانيا وفرنسا» 3 أشهر لـ«تحسين» شروط الاتفاق.
وهدد ترمب، في حال فشلت هذه المساعي، بتمزيق الاتفاق والعودة إلى فرض عقوبات على إيران خصوصاً على قطاعيها النفطي والغازي. وبعد ذلك بوقت قصير، أصدرت الخارجية الأميركية تعليمات لسفاراتها في عواصم البلدان الثلاثة المذكورة لتوضيح مطالب البيت الأبيض.
وكان عمل اللجنة يقوم على البحث عما هو مقبول في واشنطن من تعديلات وما هو غير مقبول. إلا أن رحيل تيلرسون، وفق المصادر المشار إليها، من شأنه إعادة الجهود «المشتركة» الأوروبية - الأميركية إلى المربع الأول.
وتتساءل هذه المصادر عما إذا كان خروج تيلرسون من المشهد السياسي يعني أيضاً تغيير المطالب الأميركية التي لخصتها البرقية الأميركية كالتالي: معالجة عدد من المهل الزمنية المنصوص عليها في الاتفاق النووي، والمطالبة بعمليات تفتيش غير محدودة للمواقع الإيرانية النووية والعسكرية، وتحجيم برنامج إيران «الصاروخي - الباليستي»، وأخيراً لجم سياسة طهران الإقليمية.
بيد أن الصعوبات الأوروبية ليست محصورة فقط في الجانب الأميركي، بل إن الطرف الإيراني لا يبدو حتى اليوم «جاهزاً» لتسهيل المهمة الأوروبية «والفرنسية على وجه الخصوص»، الأمر الذي كشفت عنه الزيارة الفاشلة لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان إلى طهران. ورغم أن باريس لم تكن تتوقع أن تتوصل إلى «تفاهم سريع» مع طهران حول المطالب الأميركية، فإن لو دريان أو أياً من الذين شاركوا في محادثاته في طهران، لم يلحظ أي «انفتاح» من طرف إيران حول ما جاء من أجله. ولم تقتصر الانتقادات الإيرانية لطروحات الوزير الفرنسي على الجناح الإيراني المتشدد وعلى رأسه المرشد الأعلى خامنئي، بل إن الرئيس روحاني ومعه وزير خارجيته محمد جواد ظريف انتقدا بدورهما المطالب «الغربية». وذهب ظريف إلى مطالبة لو دريان بـ«الضغط على أميركا التي لا تحترم الاتفاق النووي بدل الضغط على إيران».
من بين مهمات لو دريان في طهران كان التحضير لزيارة ماكرون المرتقبة مبدئياً العام الجاري. بيد أن مصادر الوفد الفرنسي أفادت بأن المحادثات «لم تتناول» ملف الزيارة. وفي أي حال، فإن مصادر قصر الإليزيه أشارت أكثر من مرة إلى أن ماكرون «لن يذهب إلى طهران ما لم يحدث تقدم» في الملفات قيد التباحث.
وليس سراً أن ماكرون كان راغباً في لعب دور «الوسيط» بين واشنطن وطهران، وأن الملف النووي سيكون أحد الملفات الرئيسية التي سيثيرها مع ترمب خلال زيارته الرسمية للولايات المتحدة الأميركية الشهر القادم، وكذلك مع الرئيس الروسي بوتين في الشهر الذي يليه. لكن تسارع الأحداث في العاصمة الأميركية واتجاهها نحو التصعيد سيجعل أمراً كهذا على الأرجح «عديم الجدوى».
ترى الأوساط الأوروبية أن تيلرسون، رغم كونه بعيداً عن الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس الأميركي، كان إلى حد كبير، يمثل «صوت العقل» وما يسمى «الدولة العميقة». وكشفت هذه المصادر أن الوزير المقال كان «يشكو» لدى نظرائه الأوروبيين من «التباعد» في الرؤية السياسية بينه وبين ترمب. وهذا ما أوجد العديد من الصعوبات للدبلوماسية الأوروبية التي لم تكن تفهم ما إذا كانت مواقف تيلرسون هي مواقف الإدارة الأميركية أم مواقفه الشخصية.
وبما أن «رب ضارة نافعة»، فإن هذه المصادر ترى أن الفائدة «ربما الوحيدة» في الملف الإيراني بوصول وزير خارجية جديد بشخص مايك بومبيو أن ما سيقوله «سيكون مطابقاً أو قريباً جداً على الأقل مما يعتقده ترمب» وبالتالي سيتصرف الأوروبيون على هذا الأساس. هذا من حيث الشكل.
أما من حيث المضمون، فإن الطرف الأوروبي سيبقى ثابتاً على مواقفه من الملفات الإيرانية الرئيسية الثلاثة: فهو من جهة، سيبقى متمسكاً بالدفاع عن الاتفاق النووي باعتباره «الأفضل» لمعاهدة منع انتشار السلاح النووي ولمنع قيام سباق نووي في الخليج ومناطق أخرى. ومن جهة ثانية، يتقارب مع المواقف الأميركية في الموضوع الصاروخي - الباليستي الذي ذهب لو دريان إلى حد التلويح بفرض عقوبات على إيران بشأنه. وما تقوله فرنسا «ما حاجة إيران إلى صواريخ يصل مداها إلى 5 آلاف كلم؟» تتبناه المفوضية الأوروبية وكذلك لندن وبرلين. يضاف إلى ذلك أن ثمة تفاهماً أوروبياً عاماً للحاجة إلى أن تغير إيران «سلوكها» الإقليمي بما في ذلك تسريب صواريخ بعيدة المدى «مثلاً إلى الحوثيين في اليمن» مخالفةً بذلك قرارات مجلس الأمن الدولي، ما يدل عليه مشروع القرار الذي قدمته باريس ولندن مؤخراً في مجلس الأمن ولم يمر بسبب معارضة روسية. لكن رغم هذه العناصر، فإن الأوروبيين حريصون على استمرار «تطبيع» علاقاتهم مع إيران وتعزيز المبادلات التجارية والشراكات الاقتصادية معها.
اليوم وبعد إبعاد تيلرسون، يرى الطرف الإيراني أن واشنطن سائرة إلى وأد الاتفاق النووي، ولذا فإن المواقف في طهران أخذت تميل أكثر فأكثر إلى التصلب وهي كانت متشددة أصلاً. والقول السائد في طهران اليوم هو أنه «إذا انسحبت واشنطن من الاتفاق، فسنتخلى عنه نحن أيضاً». وأخذ الطرف الإيراني يحمّل «الوسيط» الأوروبي مسؤولية بقاء الاتفاق من زاوية نجاحه في إقناع واشنطن بعدم التخلي عنه. وهكذا تجد أوروبا نفسها بين المطرقة الأميركية والسندان الإيراني. ولكن رغم الصعوبات، ما زالت الجهود تُبذل للتوصل إلى صيغة تفاهم «وسطية». وكان مقرراً قبل إبعاد تيلرسون أن يجيء مسؤول الاستراتيجية في الخارجية الأميركية إلى برلين، اليوم، للقاء ممثلين عن فرنسا وبريطانيا وألمانيا لمواصلة البحث في ما يمكن التفاهم عليه وما من شأنه أن يُرضي ترمب من غير أن يُرفض إيرانياً. ويبدو أن أمراً كهذا ليس سهل المنال نظراً إلى رفض الرئيس الأميركي اتفاقاً «تجميلياً» مقابل رفض إيراني بإعادة التفاوض على الاتفاق. لكن للدبلوماسية أسرارها وخباياها وربما أن إحداها قد تنجح حيث النجاح بالغ الصعوبة.
إزاحة تيلرسون {تعقّد} وساطة أوروبا في الاتفاق النووي الإيراني
ماكرون لن يزور طهران إذا لم يحدث تقدم في الملفات الخلافية
إزاحة تيلرسون {تعقّد} وساطة أوروبا في الاتفاق النووي الإيراني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة