الصدفة شاءت أن يدشن الرئيس الفرنسي، مساء أمس، معرض الكتاب الدولي في باريس، حيث روسيا «ضيف الشرف» هذا العام، في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الغربية ــ الروسية توتراً بالغاً بعد عملية التسميم التي تعرض لها العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا في بريطانيا. وككل الأطراف الغربية (وتحديداً ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية) أعربت باريس عن «تضامنها» مع لندن وعمد الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الاتصال مرتين برئيسة الوزراء تيريزا ماي. كذلك، فإن الأجهزة الفرنسية على تواصل دائم مع نظيرتها البريطانية للتعرف شيئاً فشيئاً على تقدم التحقيق. وسيكون هذا الملف موضع تباحث اليوم في قصر الإليزيه بين ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في أول زيارة لها خارج بلدها منذ أن تم تنصيبها لولاية رابعة. وكان رؤساء دول وحكومات القوى الأربع (الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا) قد أصدروا بياناً مشتركاً أهم ما جاء فيه، إلى جانب إعادة التأكيد على التضامن مع لندن والتنديد بعملية استخدام غاز الأعصاب على الأراضي البريطانية باعتباره «انتهاكا لسيادة» هذا البلد، التعبير عن تبنيهم الرؤية البريطانية حول مسؤولية روسيا التي يرونها «معقولة». وأمس، عاد ماكرون ليؤكد أن «كل المؤشرات» تفضي إلى اعتبار أن روسيا «مسؤولة» عن هذه العملية التي وصفها بأنها «لا يمكن القبول بها».
وفي البيان الذي صدر أمس عن قصر الإليزيه عقب الاتصال الهاتفي مع تيريزا ماي، جاء أن الطرف البريطاني أطلع باريس على «الدلائل» التي توفرت للمحققين البريطانيين والتي «تظهر جميعها مسؤولية روسيا عن الهجوم». وأضاف البيان: إن فرنسا تتبنى الخلاصة التي توصلت إليها لندن وقوامها أنه «ليس هناك من تفسير مقنع» (للعملية) سوى تحميل روسيا المسؤولية عنها.
حقيقة الأمر، أن الموقف الفرنسي جاء «متدرجاً». فبينما تبنت واشنطن منذ البداية تأكيدات لندن حول المسؤولية الروسية، التزمت باريس إلى حد كبير جانب الحذر. فأول من أمس، أعلن الناطق باسم الحكومة بنجامين غريفو أن فرنسا تنتظر «النتائج النهائية» للتحقيق البريطاني، وأنها لا تريد الدخول في سيناريوهات «توهمية» حول ردها على ما حصل. لكن الرئيس الفرنسي، وفق ما يفهم من تصريحاته أمس، حزم أمره وأدان «بكل قوة» العملية. لكن الأهم فيما جاء على لسانه أمس، أن باريس ستعلن «في الأيام المقبلة» التدابير التي تنوي اتخاذها. ولم تكن قد رشحت أي معلومات حتى مساء أمس عما تنوي باريس القيام به وعما إذا كانت التدابير التي تنوي اتخذها ستستهدف روسيا.
وتأتي هذه العملية لتزيد من تعكير نوعية العلاقات الفرنسية ــ الروسية التي أضرت بها السياسة الروسية في سوريا التي تقع على طرفي نقيض مع السياسة والتوجهات الفرنسية. والحال، أن الرئيس ماكرون كان يعول على إقامة علاقات وثيقة مع نظيره فلاديمير بوتين الذي دعاه قبل عام إلى قصر فرسا، وسعى إلى نسج روابط مباشرة معه. لكن التطورات الحاصلة بين موسكو والعواصم الغربية سيكون لها أثرها على العلاقات الثنائية الفرنسية ــ الروسية، وربما ستدفع ماكرون إلى إعادة النظر في خطته لزيارة روسيا أواخر شهر مايو (أيار) المقبل. وتجدر الإشارة إلى أن باريس كانت الوحيدة حتى الآن التي تحدثت عن اتخاذ «تدابير» للرد على العملية، بينما اكتفى الاتحاد الأوروبي بالإدانة والتعبير عن التضامن.
الموقف الفرنسي جاء متدرجاً «بانتظار» الرؤية البريطانية
الموقف الفرنسي جاء متدرجاً «بانتظار» الرؤية البريطانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة