الرئيس السنغالي: الاستقرار والتنمية في أفريقيا سينتصران على الإرهاب

أكد لـ «الشرق الأوسط» أن السعودية لها دور كبير في نشر ثقافة السلام في العالم

الرئيس ماكي صال
الرئيس ماكي صال
TT

الرئيس السنغالي: الاستقرار والتنمية في أفريقيا سينتصران على الإرهاب

الرئيس ماكي صال
الرئيس ماكي صال

بعد احتضان العاصمة السنغالية دكار قمة أفريقية اقتصادية ناجحة نهاية الأسبوع الماضي، بدا الرئيس ماكي صال أكثر انشراحا وحماسة. فقبل أسابيع قليلة خرج الرئيس الشاب (53 سنة) منتصرا أمام غريمه الرئيس السابق عبد الله واد، الذي خرق اتفاقا غير مكتوب درج عليه رؤساء البلاد السابقون، بدءا من أبي الدولة الحديثة، الرئيس الشاعر ليوبولد سيدار سنغور، وصولا إلى خلفه عبدو ضيوف، وهو عرف يتعلق بالبقاء خارج البلاد، واعتزال السياسة بشكل كامل.
حاول واد خرق مناخ الاستقرار في بلاده بالتلويح بثورة دينية عمادها بعض مشايخ الطرق الصوفية، متحدثا في بعض لحظات النشوة عن استلهام دور زعيم الثورة الإيرانية الراحل آية الله الخميني للضغط على سلطات دكار من أجل الإفراج عن ابنه كريم، المسجون منذ عدة أشهر بتهمة الفساد، ولم لا استعادة الحكم، كما نقلت عنه بعض الصحف السنغالية.
بيد أن الرئيس صال واجه محاولات واد بهدوء جليدي، إذ يبدو أن دراسته للجيولوجيا علمته الصبر والتريث والتأني، معتمدا أيضا على شعبيته المتزايدة، وميل السنغاليين بطبيعتهم إلى الاستقرار، ورفض كل ما يعكر الصفو والهدوء والسلم الأهلي في بلادهم، مما جعل منها أحد الاستثناءات القليلة في أفريقيا من حيث الديمقراطية والاستقرار السياسي.
يبتسم الرئيس صال حين يُسأل عن محاولات واد التدخل لزعزعة الاستقرار، مشيرا إلى أن الشعب السنغالي هو من رفض كل تلك المحاولات، مؤكدا تحبيذه التفرغ لمشروع السنغال الناهض، الذي وجد استجابة كبيرة من لدن الشركاء الاقتصاديين لبلاده، من بينهم دول عربية عديدة. فهناك مشاريع إنجاز الطرق والسكك الحديدية التي ستجعل من ميناء العاصمة دكار خيارا حيويا لدول مجاورة مثل مالي، التي لا تتوفر على منفذ بحري، وهناك أيضا الطاقة التي ستجعل التصنيع هوية لسوق نامية، والسياحة للاستفادة من عزوف السياح وهروبهم من منطقة الساحل، وجعلهم ييممون نظرهم نحو شواطئ السنغال ومياهها الدافئة.
إلا أن أفريقيا تظل الهم الأكبر لساكن قصر روم في دكار، الذي يرأس مبادرة الشراكة من أجل أفريقيا (نيباد)، ذلك أنه يطرح على المستثمرين الدخول في شراكة لتمويل مشاريع كبرى على مستوى القارة والاستفادة من أكبر نسبة نمو في الأسواق الناشئة.
الرئيس صال استقبل «الشرق الأوسط» لإجراء حوار معه، في قاعة الموسيقى بالقصر الجمهوري، الذي عاش به الحاكم العام الفرنسي، أيام نير الاستعمار، ولا يزال يحافظ حتى اليوم على طرازه الكولونيالي بقاعاته الفسيحة ولوحاته التشكيلية التي رسمها معظم مشاهير الفن السنغالي. فمن قاعات هذا القصر وشرفاته أيضا كتب سنغور أحلى قصائده التي تتغنى بالخلاسية والجمال الأبنوسي الأسود.
وفي ما يلي نص الحوار..

* نحن نعرف أن السنغال هي أكثر البلدان الأفريقية قربا من العالم العربي.. هل بادلكم العرب حبا بحب، وهل تجدون في العالم العربي ما تأملونه منه؟
- أولا، أريد أن أقول إن السنغال هي أقرب البلدان الأفريقية إلى العالم العربي، ففيها نخبة كبيرة من المتعلمين باللغة العربية، كما أننا نسجنا علاقات ممتازة مع العرب، ولن أنسى هنا أن أشيد بالدور الكبير الذي تقوم به المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في نشر ثقافة السلام في العالم، كما أثمن دور ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز، الذي سبق له أن زار السنغال، وأبدى اهتمامه وتقديره لبلادنا، ولا يفوتني أيضا أن أحيي الأمير مقرن بن عبد العزيز ولي ولي العهد، وأشيد كذلك برعاية السعودية للأماكن المقدسة وخدمتها لزوار بيت الله ومرقد نبيه عليه الصلاة والسلام.
وكما تعرفون فإن الدبلوماسية السنغالية ظلت نشيطة في القضايا العربية والإسلامية، وكانت لنا علاقات جيدة مع البلدان العربية خصوصا مع دول الخليج حيث تسهم صناديقها السيادية مساهمة مهمة في تمويل مشاريع تنموية، لكننا نتطلع إلى جهد أكبر ومساعدة حقيقية لردم الهوة وتحقيق مشاريع التنمية بخلق شراكة مربحة للجميع.
* قمتم قبل شهور قليلة بجولة في بعض الدول الخليجية، فما نتائجها؟
- نعم، قمت قبل عدة أشهر بجولة في دول الخليج، وتأثيرات أي مهمة تقاس حسب الوقت.. أولا، هنالك نتائج آنية، لكن النتائج الأهم تأخذ بعض الوقت لأنه لا بد من وضع إطار تعاون حتى تتحقق هذه النتائج. ويمكنني القول إن تعاوننا مع الدول العربية يوجد في وضعية جيدة، خاصة في مجال الطرق والطاقة والتنمية والمساعدات الغذائية. في هذه القطاعات لدينا تعاون كبير جدا، واليوم نعمل على تنويعه ليشمل القطاع الخاص الذي يحظى بأهمية كبرى بالنسبة لنا، والذي سيزيد، بكل تأكيد، من مستوى النمو لدينا هنا في السنغال.
* استضافت بلادكم أخيرا قمة لتمويل مشاريع البنية التحتية في أفريقيا. هل يمكن اعتبار هذه القمة نواة استراتيجية جديدة لتنمية القارة الأفريقية؟
- هذه القمة التي استضفناها في دكار والمخصصة لتمويل البنى التحتية في أفريقيا، والمنظمة من طرف «نيباد»، تدخل في إطار خطة «نيباد» للبحث عن موارد ضرورية لتنمية البنى التحتية في القارة. فمنذ أكثر من عشر سنوات أدركنا أن تنمية القارة الأفريقية تمر عبر تنمية بنيتها التحتية والربط البيني، وأيضا الاندماج بين اقتصاداتنا من أجل تقوية التجارة البينية في أفريقيا وضمان توفير قدرة على التنافس في الاقتصاد الأفريقي، وذلك يعني تغيير بنيتنا الاقتصادية ونظام الإنتاج عندنا.
وإذا كان العائق الكبير أمامنا هو كيف سنوفر هذه الموارد، وكيف نجعل من أفريقيا قارة جاذبة للمستثمرين الأجانب، فان الاقتصادات الأفريقية، لحسن الحظ، عرفت في السنوات الأخيرة مستوى قويا ومتواصلا من النمو، وذلك في سوق أصبحت تعد رئيسة في العالم لأن أفريقيا يقطنها 800 مليون مستهلك من بينهم 300 مليون ينتمون للطبقة الوسطى، ولديهم القدرة على الاستهلاك. لذا أصبحت هذه السوق تجلب اهتمام بقية العالم، ولعلكم تلاحظون تزايد القمم المخصصة لأفريقيا من أجل تحديد آلية لتنمية الاستثمارات فيها.
إن قمة دكار كان هدفها الرئيس هو جمع كل الفاعلين العموميين والخصوصيين والمؤسسات المتعددة الأطراف، من أجل البحث عن الوسيلة المالية التي يجب علينا أن نمر عبرها لتمويل مشاريع البنى التحتية، على شكل شراكة بين القطاعين العام والخاص، لأنه إذا كنا قد اخترنا مشروع إنجاز سكة حديدية في بعض مناطق القارة، وتشييد طرق سريعة كالتي أنجزناها هنا في السنغال ومناطق أخرى، فيجب أن يعمل القطاع العام والخاص معا. ولقاء دكار، الذي جمع كل هؤلاء الفاعلين سمح بوضع أجندة للعمل، وأعلنا مبادرة دكار، واتخذنا إجراءات قوية على شكل «أجندة دكار للعمل»، والتي سنقدمها للقمة الأفريقية التي ستنعقد نهاية الشهر الحالي في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية.
* دعا بعض رؤساء الدول خاصة رئيس نيجيريا غودلاك جوناثان، خلال القمة، إلى تحقيق الاندماج الإقليمي كوسيلة لتسهيل تمويل المشاريع. كيف ترون هذه الآلية؟
- الرئيس غودلاك جوناثان على حق لأن البلدان الأفريقية لا يمكنها أن تتقدم بشكل انفرادي، لأن أغلبها ذات حجم صغير بسبب تقسيم القارة، لكن نحن لدينا رؤية للاندماج الإقليمي وشبه الإقليمي، من خلال بعض المشاريع التي تشمل بلدين أو ثلاثة أو حتى أربعة أو خمسة.
إذن، هذا النوع من المشاريع هو أكثر قدرة على النجاح خاصة أنه سيكون ذا مردودية أكبر من مشروع محلي ويستهدف سوقا أصغر؛ لذا فإن مشاريع «نيباد» هي مشاريع اندماج وليست مشاريع وطنية. إنها مشاريع تستهدف على الأقل بلدين أو ثلاثة، وفي أقصى الأحوال قد يصل عدد الدول المستهدفة إلى عشر، وهذه هي فائدة الاندماج لضمان المردودية وتحصيل الموارد.
* أفريقيا الآن تواجه تحديين.. تحدي التنمية وتحدي الإرهاب. كيف سيعمل رؤساء دول القارة على مواجهة هذين التحديين، والانتصار لتحدي التنمية؟
- بالفعل نواجه للأسف في أفريقيا منذ سنوات تحدي الإرهاب الذي يهدد طريق التنمية فيها، لكن هذا الخطر عالمي حيث لاحق أوروبا وآسيا وأميركا، والآن وصل إلى أفريقيا؛ لذا فعندما يصل إلينا يجب أن نواجهه ونسيره، لكن لا شك أن الاستقرار والتنمية سينتصران. بيد أننا الآن في قلب العاصفة، ويجب أن نواجه هذه التحديات، وننتظم في إطار التضامن وتبادل الموارد، وبالتالي فإن التحدي الأكبر هو معركة التنمية، ومهمتنا هي أن نكون في خدمة الشعوب ومنحهم الموارد الضرورية للتنمية.
* هل بحثتم الوضعية الحالية في نيجيريا مع الرئيس غودلاك جوناثان، خاصة بعد عمليات «بوكو حرام»، وهل هنالك استراتيجية أو خريطة طريق مستقبلية للحد من خطر الجماعات الإرهابية؟
- نعم، لقد ناقشنا ذلك بشكل دائم أولا على مستوى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، حيث عقدنا أخيرا قمة استثنائية في أكرا بغانا خصصت للوضع في شمال نيجيريا وشمال مالي.. وبالطبع هذان موضوعان ساخنان تعمل عليهما جميع الدول وحتى شركاؤنا الدوليين؛ إذن هذه مواضيع محل بحث الجميع.
* القارة الأفريقية هي قارة خصبة ولا تزال بكرا. كيف تسيرون العلاقات مع الشركاء الجدد كالصين والهند والبرازيل دون الإضرار بالعلاقات مع الشركاء التقليديين؟
- أفريقيا دائما لديها شركاء تقليديون تبعا للعلاقات التاريخية مع أوروبا على وجه الخصوص، ثم الولايات المتحدة؛ واليوم هنالك شركاء جدد ذكرتهم في السؤال، الصين والهند والبرازيل، وهم شركاء أصبحوا مهمين وأقوياء ولديهم الإمكانيات، وبالتالي، يجب على أفريقيا أن تنخرط في هذه الشراكة بنفس الروح التي لديها مع الأوروبيين والأميركيين، أي شراكة يستفيد منها الطرفان، تقوم على أساس شراكة رابح - رابح، وتصب في مصلحة الطرفين.
لذا لا يمكننا توجيه تعاوننا بشأن هذا أو ذاك الاتجاه، وإنما يجب أولا أن نكون أوفياء ونحترم العلاقات التاريخية التي كانت دائما قائمة، وندعمها ونقويها؛ ولكن يجب أيضا أن ننفتح على العالم الجديد الذي يبدي اهتمامه بالآفاق والفرص التي تمنحها القارة الأفريقية.
* كيف ترون الوضعية في منطقة الساحل حاليا، هل أنتم متفائلون بوصولها إلى بر الأمان؟
- الساحل منطقة تثير الأطماع اليوم، لأنه منذ مدة قام الكثيرون بالتجمع في الساحل لأنه منطقة ذات مساحة شاسعة وصحراوية في بعض الأحيان، وتمنح الفرصة لمن يرغب في ممارسة أنشطة إجرامية، واليوم هذه الجرائم بدأت تهدد بشكل جدي وجود الدول، وهذه القضية تتولاها الدول والمجموعات الإقليمية والاتحاد الأفريقي، وحتى الأمم المتحدة. إذن، قضية الساحل أصبحت قضية دولية، وكل الإجراءات مطروحة لعودة قوة القانون والحفاظ على الوحدة الترابية للدول، ويعم السلام في كل هذه المنطقة.
* في السنتين الأخيرتين تدخلت فرنسا في مالي وأفريقيا الوسطى، ودعمت مواقعها في المنطقة.. هل هذا يطمئنكم؟
- لقد حييت التدخل الفرنسي في مالي وأفريقيا الوسطى، ومن حسن الحظ أن فرنسا تدخلت في مالي، ولو لم تتدخل لكانت مالي ستختفي، وتكون مختطفة بالكامل من طرف بعض الإرهابيين. وفي أفريقيا الوسطى، لو لم تتدخل فرنسا لحدثت إبادة جماعية.
إن عمليات التدخل هذه يجب النظر إليها بإيجابية من دون التطبيل لها، ومن جهة أخرى فإن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بالصورة التي أعطتها فرنسا للمجموعة الدولية من أجل أن تواكب هذين البلدين، لأن أفريقيا بحاجة ماسة لهذه المواكبة في المناخ السائد اليوم، ذلك أن الحركات الإرهابية لديها وسائل معتبرة، والدول ليست دائما مجهزة لمواجهتها. نحن بحاجة لتضامن دولي وتضامن أفريقي لتسيير هذه الوضعية المرحلية الصعبة، وفي الوقت نفسه نهتم بالتنمية الاقتصادية ورفاهية شعوبنا.
* عرفت مصر أخيرا تنظيم انتخابات رئاسية حملت المشير عبد الفتاح السيسي إلى رئاسة الجمهورية.. كيف ترون الوضعية في مصر الآن، وهل يمكننا القول إن عودة مصر إلى الاتحاد الأفريقي أصبحت وشيكة (الحوار أجري قبل الإعلان عن عودة مصر إلى الاتحاد الأفريقي بإجماع مجلس السلم والأمن فيه)؟
- نعم بكل تأكيد. خلال القمة المقبلة في مالابو سيكون الرئيس عبد الفتاح السيسي حاضرا من أجل عودة مصر إلى الساحة الأفريقية والدولية، بعد عودة البلد إلى الوضعية الدستورية الطبيعية؛ وبكل تأكيد ستعود مصر وغينيا بيساو إلى حضن الاتحاد الأفريقي، فمصر عضو كبير في الاتحاد الأفريقي.
* أشرتم في بداية الحوار إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس).. هل أنتم راضون عن عمل هذه المنظمة الإقليمية؟
- بكل تأكيد.. فـ«الإيكواس» واحدة من أنجح المنظمات الأفريقية الإقليمية، وأكثرها تقدما من ناحية التنظيم، ليس فقط لأننا نجحنا في تحقيق الاندماج الاقتصادي الإقليمي. فلدينا حرية تنقل الأشخاص والبضائع، ولدينا نفس جواز السفر على مستوى 15 بلدا، وفي داخل الـ15 بلدا يتنقل المواطنون من دون تأشيرة ولا وثيقة سماح بالتنقل، ولدينا أيضا قوانين قوية، ووقعنا أخيرا مع الاتحاد الأوروبي اتفاقيات تعاون اقتصادي مع وجود تعريفة خارجية للجمارك موحدة في جميع دول المنظمة؛ لذا أعتقد أن «الإيكواس» مثال جيد للاندماج الاقتصادي، وهي منظمة رائعة.



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.