في رثاء الكتابة والكتاب

صار عدد القراء وليس النقاد هو المحدد لقيمة العمل

في رثاء الكتابة والكتاب
TT

في رثاء الكتابة والكتاب

في رثاء الكتابة والكتاب

أجل، لقد ابتذل الكِتَابُ اليوم؛ زالت عنه تلك الهالة التي ظلت تحيطه منذ العصور الدينية الأولى حيث ارتبط بالمقدس، بالخارق. كانت للكلمة المكتوبة قوة خفية. كل تلك الكتابات المقدسة والتعاويذ التي نلقاها على جدران المعابد الفرعونية، وفي المدافن والقبور في الكثير من الثقافات القديمة، شاهدة على اعتقاد الإنسان في تلك القوة الخارقة والخفية والسحرية للحرف المكتوب وكذلك للكلمة المنطوقة، ففي «ألف ليلة وليلة» يخاطب الفتى الحجر: افتح يا سمسم، فيتحرك الحجر، والمعنى رمزي، والمقصود أن قوة الكلمة من الممكن أن تحرك الحجر.
ولا تزال إلى اليوم بقايا هذه الممارسات الطقسية، وذاك الاعتقاد في مدى قوة الكتابة وتأثيرها الخارق؛ نجد ذلك في التعاويذ والحروز التي تضعها الأمهات على صدور أبنائهن حماية لهم من الأذى ومن العين الشريرة.
واستمر تبجيل الكتابة والنظر إلى قوة تأثيرها الغامضة في الأدب، ففي الحديث الشريف الذي رواه البخاري قال النبي «إن من البيان لسحرا».
في معنى قريب غير ديني، نجد الرومانسيين يربطون بين الكتابة والرؤية، وأن الشاعر صاحب نبوءة وباحث عن سحر الكلمة... وتيوفيل غوتييه الشاعر الفرنسي الرومانسي هو الذي أوجد أواسط القرن التاسع عشر هذا التعبير: سحر الكلمة. وتبعه بودلير الذي يعتبر الكتابة الشعرية وسيطاً بين الشاعر وذاك العالم الأفلاطوني المخفي المستتر الذي لن يتجلى إلا من خلال سحر الكلمة.
ويأتي من بعده رامبو وفي «فصل في الجحيم» يقرر أن خيمياء الكلمة، أي الخلطة السحرية للكلمة، قادرة على تغيير العالم بفعل قوتها السحرية، كتب في افتتاح قصيدته النثرية الطويلة «فصل في الجحيم»:
«أحلم بحروب صليبية... برحلات اكتشاف غير مدونة... بإزاحة الشعوب والقارات عن مواقعها فأنا أعتقد في كل أشكال السحر».
وربط السرياليون بين الكتابة والتعبير عن الأعماق الخفية في لا وعي الإنسان، تلك الأصقاع النائية المظلمة من ذاته التي لن تتجلى سوى من خلال الكلمة المكتوبة بشكل أوتوماتيكي مكتوبة عفواً وبلا قصد وتفكير مسبق.
ورأى بورخيس أن الكتابة تتماهى مع المطلق، لأنها لا نهائية مثل الرمل، لذلك وضع كتاباً سماه «كتاب الرمل».
ولدى هيدغير، الشاعرُ هو من يقول المقدس، ففي كتابه الذي بعنوان «ما الميتافيزيقا» كتب: «الفيلسوف يعبر عن الكينونة أما الشاعر فيقول المقدس»... وهو لا يقصد المقدس بالمعنى الديني.
اليوم بدأ هذا العالم في الخبو، وظل الشعر آخر معاقل الكلمة، ولكن من سوى الشعراء يهتم بالشعر اليوم. نسي العالم الشعر بنسيانه الكينونة، وأشاحت دور النشر عن الشعر، وأنت نادراً ما تجد مكتبة تضع الشعر في مقدمة العرض، بل أكاد أقول لا توجد هذه المكتبة باستثناء المكتبات المتخصصة في الشعر، وهي نادرة جداً سوى واحدة في كل مدينة أمستردام اسمها «الشعر الذي ضاع»، وهي تسمية ذات دلالة. أشاح العالم عن الكلمة الشعرية آخر معقل للمقدس وحل محلها النص الروائي التجاري، والكتاب اليوم وبفعل التطور المهول لوسائل الطباعة وسرعة التدوين تحول إلى بضاعة، وتحول النشر إلى صناعة. صار الناشرون الكبار مثل رجال الصناعة، وبتحول الكتاب إلى بضاعة من بين البضائع الأخرى لم تعد له تلك الهالة، بل كثيراً ما ابتذل، غادر عالم النخبة، واستولى عليه التجار والمقاولون والمتعهدون ومروجو البضاعة، باختصار سقط الكتاب في شبكة السوق. قال لي الشاعر الفرنسي أندريه فالتير الذي قدم على امتداد سنوات طويلة عروضاً للكتب في إذاعة «فرانس كولتور» وفي ملحق كتب بجريدة «لوموند» الفرنسية: «إن كثيراً من الكتب ليس لها من الكتاب سوى شكله».
ولم يعد الكتاب يستمد قيمته مما بين دفتيه، بل صار بضاعة يتحكم في نشرها التسويق (الماركيتنغ)، وأوجدوا ظاهرة رديئة هي ظاهرة الكتاب الأكثر قراءة، وأوجدوا لذلك مواقع «الغود ريدز»، وهي مواقع دعائية أكثر منها مواقع معرفة بالكتاب الجيد، يعني صار عدد القراء، وليس النقاد، هو المحدد لقيمة الكتاب، ويضعون لذلك نجوم تقييم بالضبط كنجوم الفنادق الجيدة، مما أزاح وظيفة الناقد الكلاسيكية عن عرشها، والحقيقة هي على النقيض من ذلك، لأن عدد القراء لا يعني أن الكتاب جيد، بل الكتب الأكثر شعبية هي الكتب الأكثر رداءة، فالثقافة الراقية كانت وظلت عبر التاريخ نخبوية، فأنت تستطيع أن تصدر كتاب هيدغير «الكينونة والزمن» في مليون نسخة، ولكن عدد القراء لن يتغير، سيظل عدداً قليلاً، وكأنّي بالسموأل الشاعر الجاهلي القديم يقصد النخبة المبدعة إذ أنشد:
«تعيرنا أنَّا قليل عديدنا فقلت لها إن الكرام قليل»
ولأن هذه المواقع تجارية، قامت أخيراً شركة «أمازون» العملاقة بشراء أكبرها، وهو موقع «غود ريدز»، لأنه وفي حقيقته العميقة هو موقع تسويق... ومن النتائج السلبية لتحويل الكتاب إلى سلعة، تلك الحرب التي تقوم كل سنة بين دور النشر حول جائزة «غنكور»، لأن الكتاب الذي يحصل على الجائزة يتحول إلى «بسيت سيللر»، ويرفع مبيعات الدار، وهكذا تجد لكل دار «لوبي» داخل لجان الجوائز.
* كاتب تونسي



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.