في الوقت الذي كانت قذائف النابلم والفوسفور تنهمر على الغوطة الشرقية لتحولها إلى «جحيم على الأرض»، كان اتحاد الكتاب العرب بدمشق منغمسا مع المركز الثقافي الإيراني بدمشق في مباريات شعرية، بدأت من الساعة الواحدة ظهرا ولغاية الخامسة مساءً على مدى يومين (7 - 8 مارس (آذار) الحالي) ألقى خلالها نحو عشرين شاعراً؛ عشرة منهم من سوريا وأربعة من إيران وشعراء من العراق واليمن ولبنان وفلسطين، نصوص شعرية مستلهمة من «ثقافة المقاومة»، لأنه «اليوم جاء دور الشعراء كي يعبروا عن الانتصار» وفق ما قاله عضو الهيئة التنظيمية للمهرجان وممثل المركز الثقافي الإيراني في دمشق مرتضى حيدري، وذلك بينما يواجه النظام السوري مدعوما من حليفيه الإيراني والروسي اتهامات من قبل المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بالتخطيط لما يشبه «نهاية العالم»، في إشارة لتصعيد العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية، مطالبا بتحويل «ملف سوريا على محكمة الجنايات الدولية».
فمنذ أسبوعين، لم تهدأ الغارات الجوية، لطيران النظام السوري مدعوما من روسيا وإيران، على مدن وبلدات الغوطة الشرقية المحاصرة التي يعيش فيها أكثر من أربعمائة ألف نسمة، ليحصد هذا الهجوم الشرس ما لا يقل عن أرواح 900 مدني بينهم نحو 200 طفل، على الرغم من «الهدنة» التي أعلنتها روسيا منذ أكثر من أسبوع مدتها خمس ساعات.
خمس ساعات من مباريات شعرية في «واحة» اتحاد الكتاب العرب، البعيدة عن مرمى النيران وصرخات الأطفال المنتشلين من تحت الأنقاض، قصائد فصلت لتتغنى «بالشام والياسمين والصمود ومقاومة العدو الصهيوني». ففي قصيدة بعنوان «أطلق جناحيك» للشاعر اللبناني إبراهيم البريدي يقول: «أطلق جناحيك وأسبق رتل من ضربا.. والماخرات بحور المعتلى سربا». وفي قصيدته «تفاحة النور» يقول الشاعر الفلسطيني محمد معتوق باسترخاء: / جلس الصباح على الأريكة باسطا ظل اليمام..على مناديل السماء.. نادى لعشب لن يموت على الرصيف.. وفي الأزقة لو توارى الغيم في أخدود ماء».
يصح على ما قيل من «الشعر» في هذا المهرجان بأن أبلغ الشعر أكذبه، إذ لم يعد في الواقع أثر لسوريا الواردة في قصائدهم سوى البوط العسكر الموغل بالدماء، ولا أثر لدمشق تلك، سوى مدينة منتهكة كتمت أنفاسها روائح الصرف الصحي المتدفق إلى نهر بردى شريانها الرئيسي، ويعمي بصيرتها دخان البارود والحرائق وأصوات طيران تحيل غوطتها إلى صحراء من رماد، حين تتساءل سيدة دمشقية متحسرة: كنا في الأمس نغني «عالغوطة يالله عالغوطة عروسة الشام الحلوة بدها زلغوطة» اليوم ماذا سنغني بعد أن أحرقت الغوطة؟
سؤال لا يلهم شعراء اتحاد الكتاب إنشاء قصائد صالحة للاستهلاك في مهرجان «المقاومة» فاتحاد الكتاب ومنذ اليوم الأول لاندلاع الثورة ضد النظام وحتى قبل حمل السلاح مضى مسابقا مؤسسات النظام في تبرير سياساته الأمنية ومن ثم معاركه الحربية الشرسة والقتل والتدمير والتهجير، تحت يافطة «المقاومة» ومواجهة «المؤامرة الكونية» إذ يتسع طموح رئيس اتحاد الكتاب العرب متجاوزا حدود الحرب في سوريا ليشمل الكرة الأرضية جمعاء، فهو بحسب تعبيره اختار «ثقافة المقاومة» لأنها الأجدى كي «يستعيد كوكب الأرض صفاءه وبهاءه»!! نافيا أن يكون موقفهم هذا دفاعا عن النظام ورأس النظام قائلا في مؤتمر صحافي قبل إطلاق المهرجان: «لا ندافع عن إنسان بعينه، كما قد يتقول أحد أو يتوهم أحد، إنما ندافع عن الإنسان عامة وننتصر للإنسانية عامة»!.
شعراء سوريون وإيرانيون يحتفلون بـ«الانتصار»
وسط جحيم غوطة دمشق
شعراء سوريون وإيرانيون يحتفلون بـ«الانتصار»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة