«ثلاثة... اثنان... واحد، نحن الآن على الهواء مباشرة»، هذه هي الجملة التي سمعتها كثيرا على مدى الأشهر القليلة الماضية بسبب خطواتي الأولى في عالم التحليل الرياضي. ويجب أن أعترف أنني كلاعب لم أكن أعرف شيئا عن المجهود الشاق الذي يبذله العاملون والمعدون والمخرجون باستمرار من أجل منحك التعليمات من خلال سماعة الأذن الخاصة بك، ومقدمو البرامج الرياضية الذين لديهم قدر هائل من المعرفة والوعي لتقديم كل المعلومات المتاحة لديهم في الوقت المحدد للبرنامج.
ولم أكن أعرف أيضا مدى صعوبة الوقوف أمام الأضواء والكاميرات، في الوقت الذي يُقيم فيه الجمهور كل كلمة تقولها وأنت تعمل جاهدا على أن تقدم شيئا مثيرا للاهتمام وغنيا بالمعلومات وتعرف جيدا أن أي زلة لسان سوف يسمعها الملايين ولن يمكنك الرجوع فيها مرة أخرى لأنك تتحدث على الهواء مباشرة. وفي ظل تنامي شعبية الدوري الإنجليزي الممتاز في جميع أنحاء العالم والمعركة الشرسة على حقوق البث التلفزيوني ونسب المشاهدة، أصبح فن تحليل المباريات جزءا هاما للغاية من لعبة كرة القدم، حيث لم يعد الملايين من عشاق كرة القدم حول العالم ينتظرون الاستمتاع بمباريات مثيرة فحسب، لكنهم ينتظرون أيضا تحليلا مثيرا وشيقا وغنيا بالمعلومات خلال وبعد المباريات، وذلك بسبب المقابل المادي المرتفع الذي يدفعونه مقابل ذلك.
وبعد فوز مانشستر سيتي بثلاثية نظيفة على آرسنال في المباراة النهائية لكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة، لم تحدث ضجة بسبب هيمنة المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا ولاعبيه على المباراة أو حتى بسبب الأداء المتواضع للغاية من جانب آرسنال، لكن كانت هناك ضجة بسبب تحليل غاري نيفيل أثناء المباراة وتقييمه لأداء فريق آرسنال بقيادة المدير الفني الفرنسي آرسين فينغر. وكما قال نيفيل من قبل، أصبح هناك الآن «تحليل التحليل»، وهي الطريقة المثلى لتلخيص ما حدث.
ومن وجهة نظري كلاعب في الوقت الحالي، وقبل أن يكون لدي أي فكرة عن صعوبة العمل كمحلل تلفزيوني للمباريات على الهواء مباشرة، كان من الممكن أن أقول إن ما صرح به نيفيل خلال المباراة والطريقة التي أدلى بها بهذه التصريحات لم يكن من الملائم أن تخرج من لاعب كرة قدم سابق قد وُضع كثيرا في نفس الموقف الذي وُضع فيه لاعبو آرسنال في تلك المباراة. إن الظهور بشكل سيئ في المباراة النهائية هو شيء مؤلم بما فيه الكفاية، لكن أن يتم التركيز على اسمك من قبل محلل ما ويقول إنك لم تبذل الجهد الكافي ولم تكن لديك الرغبة في تحقيق الفوز خلال المباراة فهذا شيء غير متوقع تماما من زميل - حتى لو كان زميلا سابقا.
ومع ذلك، فكوني محظوظا بما فيه الكفاية لكي أكون في نفس موقف نيفيل وأحلل المباريات على الهواء مباشرة جعلني أدرك أنه يحصل على مقابل مادي نظير الإعلان عن رأيه في ظل الخبرات الكبيرة التي لديه وتحليل المباريات بالطريقة التي يراها هو، ويكون ذلك على الهواء مباشرة من دون أن تكون لديه رفاهية الوقت للتفكير، وهو الشيء الذي يود أن يستمع إليه الجمهور الذي يدفع أموالا مقابل مشاهدة المباريات والاستمتاع بالفقرات التحليلية. ويجب أن ندرك أن الحقيقة الآن هي أن نيفيل لم يعد لاعبا، ونظرا لأنه يتقاضى أموالا الآن لكي يكون محللا للمباريات على الهواء مباشرة، فإنه يقول وجهة نظره الخاصة ويتحمل تبعات كل كلمة يقولها في وظيفته الجديدة.
ومنذ أن بدأ العمل في شبكة «سكاي» الرياضية، نجح نيفيل في وضع آفاق جديدة للتحليل التكتيكي والخططي للمباريات، فلم يعد الأمر مقتصرا على الحديث عما يحدث داخل الملعب، لكنه يتحدث عن أسباب ما يحدث ومهام وواجبات كل لاعب داخل الملعب ونتائج كل فريق في الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي يجري تقييمه الآن بطريقة أكثر ذكاء وعمقا وموضوعية لعشاق كرة القدم في كل مكان.
وفي الحقيقة، يعد هذا شيئا جيدا للغاية للعبة كرة القدم ككل، حتى لو كان الأمر بالنسبة للاعب مثلي يعني أن أي خطأ دفاعي قد أرتكبه سوف يتم تحليله بشكل نقدي أمام ملايين المشاهدين. لكن الشيء المؤكد أيضا هو أن تحليل الخطط التكتيكية وأداء اللاعبين وقرارات المديرين الفنيين بطريقة نزيهة ومحايدة يضع ضغوطا هائلة على اللاعبين والمديرين الفنيين، وبالتالي يجب علينا تحمل مسؤولية ما نقوم به داخل الملعب.
وقد اتجه عدد من اللاعبين الكبار في السابق إلى تحليل المباريات، مثل غاري نيفيل وجيمي كاراغر وستيفن جيرارد وفرنك لامبارد، والذين يمتلكون خبرات هائلة في عالم كرة القدم اكتسبوها على مدار سنوات من اللعب في أعلى المستويات وأقوى البطولات، وهو ما يعني أنهم لا يثقفون ويعلمون الجمهور فحسب، لكنهم يعلمون أيضا اللاعبين الصغار الذين يتعين عليهم الاستماع لكل كلمة يتفوهون بها، لأن هؤلاء المحللين يرفعون معايير كرة القدم، من حيث التحليل الموضوعي والمحايد للمباريات، ويقولون وجهة نظرهم الخاصة من دون أن تكون لديهم النية لأن يجعلوا اللاعبين كبش فداء لأي خسارة أو جعلهم هدفا سهلا لأي هجوم أو إساءة في الملاعب أو على وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد رأينا مرارا وتكرارا لاعبين ومديرين فنيين يشكون من أنه من السهل الحديث عن كرة القدم بعيدا عن ضغوط المباريات وأنت تجلس مسترخيا في استديوهات التحليل، وأنا أتفهم وجهة النظر هذه تماما، لكن من خلال تجربتي الشخصية يمكنني القول بأن تحليل المباريات ليس سهلا كما يعتقد البعض. إنني أؤمن تماما بأنه لو تم تحليل المباريات بشكل صحيح وبنفس القدر من النزاهة والمهنية والاجتهاد الذي يتمتع به نيفيل، فإنه يمكن أن يعود بفائدة كبيرة على لعبة كرة القدم ويزيد تثقيف المشاهدين الذين يفهمون كرة القدم بشكل أفضل مما كانت تصوره وسائل الإعلام في السابق. أما بالنسبة لنا كلاعبين ومديرين فنيين نعيش في عصر نتعرض فيه للتحليل أكثر من أي وقت مضى، فيتعين علينا أن نتذكر أنه يجب تحليل أداء المحللين أيضا، لأن هذه هي طبيعة اللعبة.
هل اللاعبون السابقون محللون جيدون لكرة القدم؟
تحفظات على أداء البعض وانتقادات لآخرين
هل اللاعبون السابقون محللون جيدون لكرة القدم؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة