النظام يسيطر على ربع الغوطة... والأمم المتحدة تندد بـ «العقاب الجماعي»

«جيش الإسلام» يعزو تراجعه إلى اتباع قوات الأسد {سياسة الأرض المحروقة}

طفل في مشفى بدوما في الغوطة الشرقية أمس تلقى علاجاً بعد إصابته بقصف مدفعي (إ.ب.أ)
طفل في مشفى بدوما في الغوطة الشرقية أمس تلقى علاجاً بعد إصابته بقصف مدفعي (إ.ب.أ)
TT

النظام يسيطر على ربع الغوطة... والأمم المتحدة تندد بـ «العقاب الجماعي»

طفل في مشفى بدوما في الغوطة الشرقية أمس تلقى علاجاً بعد إصابته بقصف مدفعي (إ.ب.أ)
طفل في مشفى بدوما في الغوطة الشرقية أمس تلقى علاجاً بعد إصابته بقصف مدفعي (إ.ب.أ)

أعلنت الأمم المتحدة أنها تنوي إرسال مساعدات اليوم (الاثنين) إلى الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق والتي تتعرض منذ أسبوعين لحملة عسكرية من قبل قوات النظام، بعدما كانت قد صرحت صباح أمس بأن قافلة إغاثة من الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى لن تدخل الغوطة الشرقية السورية المحاصرة أمس الأحد، كما كان مقررا.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية، عن بيان صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، أن القافلة المرتقبة إلى دوما، أبرز مدن الغوطة الشرقية، تتألف من «46 شاحنة تقل حاجات طبية وغذائية، فضلاً عن طعام لـ27500 شخص ممن هم بحاجة إليه»، على أن يتم إرسال قافلة أخرى بعد أيام قليلة.
ووصفت الأمم المتحدة ما يحدث لهذه المنطقة بـ«العقاب الجماعي»، في وقت باتت فيه قوات النظام تسيطر على أكثر من 25 في المائة من الغوطة المحاصرة. وقال «جيش الإسلام» إن تراجعه أتى بعدما اتبع النظام سياسة الأرض المحروقة.
وقالت الأمم المتحدة إن العنف تصاعد في «الغوطة» رغم النداء الذي وجهته قبل أسبوع لوقف إطلاق النار، واصفة قصف الجيب السوري المحاصر بأنه عقاب جماعي للمدنيين «غير مقبول بتاتا».
وقال بانوس مومسيس، منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا، إن تقارير أفادت بمقتل قرابة 600 شخص وإصابة ما يربو على 2000 آخرين في هجمات جوية وبرية منذ 18 فبراير (شباط) الماضي.
وأضاف أن قذائف الـ«مورتر» التي انطلقت من الجيب الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة، على دمشق أسفرت عن سقوط عشرات المدنيين بين قتيل وجريح. وتابع في بيان: «بدلا من توقف للقصف، ما زلنا نرى مزيدا من القتال ومزيدا من الموت ومزيدا من التقارير المزعجة عن الجوع وقصف المستشفيات».
وكان مسؤول بالأمم المتحدة في سوريا، قد صرح لوكالة «رويترز»، بأن «قافلة إغاثة من الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى لن تدخل الغوطة الشرقية السورية المحاصرة اليوم (أمس) الأحد كما كان مقررا». وأضاف: «لن تتمكن القافلة المتجهة إلى الغوطة الشرقية من التحرك، لكن الأمم المتحدة وشركاءها في مجال الإغاثة ما زالوا على أهبة الاستعداد لتوصيل المساعدات المطلوبة بشدة بمجرد أن تسمح الظروف».
وكان من المقرر أن تتجه القافلة التي تضم نحو 40 شاحنة إلى بلدة دوما في الجيب الذي تحاصره قوات النظام قرب دمشق. وأمس، أعلنت قوات النظام تقدمها على جبهات عدة في الغوطة الشرقية المحاصرة بالتزامن مع قصف عنيف دفع مئات المدنيين للنزوح إلى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»»، بينما قال «جيش الإسلام»، أحد فصائل الغوطة، إن قوات المعارضة اضطرت للتقهقر «بعد اتباع النظام سياسة الأرض المحروقة».
وتعهد المتحدث باسمه حمزة بيرقدار في رسالة صوتية، بطرد قوات النظام من الأرض التي سيطرت عليها في الغوطة، مشيرا إلى أن المعارضة قامت «بإعادة الصفوف وترتيبها وتحصين المواقع من جديد للمواجهة».
وتُعد الغوطة الشرقية إحدى بوابات دمشق، ولطالما شكلت هدفاً لقوات النظام التي تفرض عليها حصاراً منذ عام 2013.
وفي أول تعليق رسمي لجيش النظام السوري، نقلت وكالة أنباء النظام الرسمية (سانا) عن مصدر عسكري أن «وحدات الجيش تقدمت على أكثر من اتجاه، وطهرت كثيرا من المزارع والبلدات باتجاه حرستا (غرب) ودوما».
وأفاد «المرصد السوري» باستعادة قوات النظام السيطرة على 25 في المائة من مناطق سيطرة الفصائل المعارضة. وقال مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «قوات النظام تتقدم من الجهة الشرقية ووصلت إلى وسط الغوطة، وهي تبعد حالياً نحو 3 كيلومترات عن دوما» أبرز مدن المنطقة. وأوضح أن «التقدم السريع يعود إلى كون العمليات العسكرية تجري بشكل أساسي في مناطق زراعية، فضلاً عن التمهيد الجوي العنيف».
وتبلغ المساحة التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة في الغوطة نحو مائة كيلومتر مربع وتشكل نحو ثلث المساحة الكلية للغوطة الشرقية.
ويأتي تقدم قوات النظام بالتزامن مع هدنة أعلنت عنها روسيا، وتسري منذ الثلاثاء يومياً بين التاسعة صباحاً والثانية بعد الظهر، يُفتح خلالها «ممر إنساني» عند معبر الوافدين، الواقع شمال شرقي مدينة دوما لخروج المدنيين.
وتراجعت وتيرة القصف منذ بدء الهدنة، لكنه لم يتوقف، خصوصاً خارج أوقات سريانها. كما لم يُسجل خروج أي مدني عبر المعبر، وفق «المرصد». وأوضح عبد الرحمن أن «القصف الجوي يتركز على مناطق تسعى قوات النظام للتقدم فيها مثل بلدتي بيت سوى ومسرابا»، مشيراً إلى أنها «الاستراتيجية ذاتها التي جرى اتبعاها في البلدات الأخرى، مثل الشيفونية التي طال الدمار نحو 80 في المائة منها».
ونفى ناشطون أن يكون المعارضون يمنعون السكان من المغادرة؛ إذ أكد الناشط عبد الملك عبود في الغوطة أن السكان «يرفضون رحلة التهجير»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الخروج إلى إدلب يعني الاستعداد لرحلة تهجير أخرى في وقت لاحق، كما أن الخروج إلى مناطق النظام سيعرضهم لإجراءات أمنية، وهم يتخوفون من ثأر النظام منهم كونهم يسكنون مناطق معارضة منذ 6 سنوات». وأشار إلى أن بعض السكان يعدون خروجهم «خسارة لممتلكاتهم، لذلك يفضلون الموت تحت أنقاضها على الرحيل من الغوطة».
كذلك قال الناشط يوسف البستاني لـ«الشرق الأوسط»، إن السكان لا يثقون بالنظام، ويتخوف الشباب منهم من اقتيادهم إلى جبهات القتال، فيما يتخوف آخرون من المعاناة في مناطق سيطرة النظام «حيث لم تعد تتسع دمشق للنازحين الذين ينامون في حدائق العاصمة منذ 4 سنوات».
وقال البستاني: «إذا كان هناك واحد بالألف من السكان المحاصرين وصل به الإحباط للخروج، فإن الآخرين يرفضون ذلك لأنهم يعدّون أن النظام جهة لا يمكن الوثوق بها».
وفي دوما، أبرز مدن الغوطة الشرقية، التي لجأ إليها نازحون من مسرابا القريبة، قال بشير (25 عاماً) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «الملاجئ لم تعد تتسع، لا يمكنها أن تسع الناس الذين نزحوا من مساحات شاسعة سيطر عليها النظام (...) بل أحرقها لتصبح غير مؤهلة للسكن». وأعرب عن خشيته «من كارثة إنسانية مع تقدم قوات النظام».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».