العام الدراسي في جنوب السودان بدأ... نظرياً

أطفال يجلسون على الأرض في مدرسة بجوبا (رويترز)
أطفال يجلسون على الأرض في مدرسة بجوبا (رويترز)
TT

العام الدراسي في جنوب السودان بدأ... نظرياً

أطفال يجلسون على الأرض في مدرسة بجوبا (رويترز)
أطفال يجلسون على الأرض في مدرسة بجوبا (رويترز)

فتحت بعض من مدارس جنوب السودان البالغ عددها نحو ستة آلاف مدرسة أبوابها في مستهل عام دراسي جديد هذا الشهر، لكن الحكومة لا تعرف عدد هذه المدارس على وجه الدقة. ولم يصرف المعلمون رواتبهم، والكثير منهم ومن تلاميذهم هاربون بعد أربع سنوات من القتال، في تقرير لوكالة «رويترز».
في العاصمة جوبا، تمتلئ الفصول الدراسية بأسر جائعة ومشردة. وقدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في ديسمبر (كانون الأول)، أن ثلاثة أرباع الأطفال لا يذهبون إلى المدارس؛ وهو ما يهدد بإنتاج «جيل ضائع» ثانٍ من البالغين غير المتعلمين في البلاد التي تواجه خطر التحول إلى دولة فاشلة.
بعض هؤلاء الأطفال من أبناء «الصبية الضائعين»، وهو المصطلح الذي يطلق على الجيل الذي نجا من الصراع الذي استمر 22 عاماً حتى ينال الجنوب استقلاله عن السودان عام 2011، ووجد هذا الجيل نفسه في خضم صراع جديد بعد عامين فقط من الاستقلال. كان الرجال من أمثال لورانس صامويل يأملون في توفير الطعام والسلام والتعليم لأبنائهم. لكن هذه الأحلام تحطمت على صخرة الحرب الأهلية. ولا يستطيع صامويل توفير نفقات تعليم أي من أطفاله. وأغلب جيرانه لا يستطيعون حتى شراء الطعام. وقال: «إذا وجّهت أسئلة لطفل في مدرسة ابتدائية، فلن يجيبك لأنه شارد الذهن... يفكر في الطعام».
العام الماضي، قال وزير التعليم دينق دينق هوج: إن نصف مدارس البلاد فقط فتحت أبوابها. لكن لا يزال مسؤولو الوزارة يحاولون حصر المدارس التي استأنفت نشاطها هذا العام بعد ثلاثة أسابيع من بدء الفصل الدراسي. وقُتل عشرات الآلاف وترك نحو 4.5 مليون ديارهم في جنوب السودان الغني بالنفط منذ اندلاع الاشتباكات بين القوات الموالية للرئيس سلفا كير ونائبه السابق ريك مشار عام 2013.
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)، فإن ثلاثة أرباع السكان البالغين غير متعلمين، وهو واحد من أعلى معدلات الأمية في العالم. ونُسفت آخر محاولة لإنهاء القتال عندما انتهك اتفاق لوقف إطلاق النار بعد ساعات من توقيعه في ديسمبر. والكثير من المدارس مهجورة في بلدات وقرى هجرها أهلها في أنحاء مختلفة من البلاد.
وقالت الأمم المتحدة: إن الجماعات المسلحة جنّدت ما يقرب من 19 ألف طفل، لكن أُفرج عن مئات عدة منهم هذا الشهر. وتجتذب الميليشيات الأطفال بسهولة بإغرائهم بالطعام والحماية. وذكرت المنظمة يوم الاثنين الماضي، أن أكثر من سبعة ملايين شخص أو ما يقرب من ثلثي سكان البلاد سيواجهون صعوبة في إيجاد الطعام هذا العام. وتعاني مناطق في البلاد نقصاً في إمدادات الغذاء يكاد يتقرب من مجاعة العام الماضي.
وإذا حالفهن الحظ، فربما تتمكن الأمهات من الاختيار بين إطعام أطفالهن وإرسالهم إلى المدارس.
وكان اثنان من أبناء سالاو آدم الخمسة يذهبان إلى المدرسة العام الماضي. وقالت إنها لن ترسل أياً منهم إلى المدرسة هذا العام بعدما تضاعفت المصروفات المدرسية من ألف جنيه جنوب سوداني إلى ألفين في الفصل الدراسي الواحد. ويعادل هذا المبلغ تسعة دولارات، حسب السعر المتداول في السوق السوداء هذا الأسبوع. وقالت الأم في هدوء «بالطبع، الغياب عن المدرسة سيؤثر عليهم... لكن ماذا بوسعي أن أفعل؟».

المدرسون يتركون مهنتهم
أجبر القتال شركات النفط على وقف معظم إنتاج البلاد؛ مما أثر بشدة على عائدات الحكومة. وقال دانيال سواكا نجوانكي، المدير العام لوزارة التعليم: إن السلطات لم تدفع رواتب الشهور الثلاثة الأخيرة من العام الدراسي السابق الذي انتهى في ديسمبر. وخصصت الحكومة 3 في المائة من ميزانية 2017 - 2018 للتعليم. وذهب أكثر من 50 في المائة إلى الأمن والهيئات الإدارية، بما في ذلك مكتب الرئيس كير. وأنفقت كينيا المجاورة 7.3 في المائة من ميزانيتها الوطنية على التعليم هذا العام.
وقال أتني ويك أتني، المتحدث باسم كير: إن الرئاسة تحتاج إلى ميزانية كبيرة لأن الوزراء الذين لا يجدون الأموال التي يحتاجون إليها دائماً ما يطلبون من الرئاسة التدخل لمساعدتهم. وقال: «عندما يفترض أن تنفق إدارات أخرى ولا تتمكن من إيجاد أي (أموال)... سيأتون إلى مكتب الرئيس ليطلبوا التدخل».
وحتى لو دفعت الحكومة رواتب المعلمين، يقول نجوانكي: إن التضخم الهائل يعني أن راتب المعلم الشهري وقدره 1500 جنيه جنوب سوداني لم يعد يكفي لشراء كيس من فحم الطهي. وقال: «الكثير من المدرسين تركوا المهنة».
وتقدر الأمم المتحدة، أن نحو ثلث المدرسين تركوا وظائفهم. وكان المعلم السابق قرنق مابيور دينق أحد هؤلاء. وترك الوظيفة في فبراير (شباط) الماضي. واتجه دينق للعمل في شركة خاصة وفرت له ضعف راتبه بصفته معلماً.
وقال: «قررت التدريس لأنني كنت سعيداً بمساعدة بلدي، لكن بعد عامين، كان من المستحيل رعاية أسرتي». وأحد التلاميذ الذين فقدوا الأمل في إكمال تعليمهم هو لادو الذي يبلغ من العمر عشر سنوات.
وكان لادو تلميذاً في الصف الرابع الابتدائي عندما فصله مسؤولو المدرسة لأنه لا يرتدي ملابس لائقة. وقال وهو يجلس القرفصاء بلا حذاء في مطعم مفتوح في جوبا: «أود العودة إذا استطعت الحصول على الزي المدرسي وحذاء». وأقصى ما كان يتمناه لادو في هذه الليلة هو الحصول على بقايا طعام من شخص عطوف من رواد المطعم.



إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)

عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وساطة بلاده لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة على غرار ما قامت به لتسوية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا حول اتفاق الأخيرة مع إقليم أرض الصومال على استخدام ساحلها على البحر الأحمر.

وقال إردوغان، في اتصال هاتفي، الجمعة، مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إن «بإمكان تركيا التوسط لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة». وبحسب بيان للرئاسة التركية، تناول إردوغان مع البرهان، خلال الاتصال الهاتفي، العلاقات بين تركيا والسودان، وقضايا إقليمية وعالمية، وأكد أن تحقيق السلام والاستقرار في السودان والحفاظ على وحدة أراضيه وسيادته ومنع تحوله إلى ساحة للتدخلات الخارجية، من المبادئ الأساسية لتركيا.

ولفت إردوغان، بحسب البيان، إلى أن تركيا توسطت لحل الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، وأن الاتفاق بين البلدين سيساهم في السلام بالمنطقة.

اتهامات متبادلة

ودأب قادة الجيش السوداني على اتهام دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم قوات «الدعم السريع» وتزويدها بالأسلحة والمعدات. وتقدم مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، بشكوى رسمية ضدها، واتهمها بالتخطيط لإشعال الحرب ودعم «قوات الدعم السريع» بمساعدة من تشاد، طالباً إدانتها، بيد أن أبوظبي فندت تلك الاتهامات ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر للأدلة الموثوقة.

وفي المقابل وجهت دولة الإمارات رسالة إلى مجلس الأمن في 21 أبريل (نيسان)، شددت خلالها على أن نشر المعلومات المضللة والروايات الزائفة، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان بعد عام من الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع». وأكدت أنها «ستظل ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، ودعم أي عملية تهدف إلى وضع السودان على المسار السياسي للتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة بقيادة مدنية».

الشيخ محمد بن زايد وعبد الفتاح البرهان في أبو ظبي 14 فبراير (أ.ف.ب)

وفي يوليو (تموز) الماضي، بحث رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في اتصال هاتفي، مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، «سبل دعم السودان للخروج من الأزمة التي يمر بها»، وأكد حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان.

تعهدات تركية للبرهان

ووفقاً لنشرة صحافية صادرة عن مجلس السيادة السوداني، فإن الرئيس إردوغان تعهد للبرهان باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية التركية للسودان، وباستئناف عمل الخطوط الجوية التركية قريباً، وباستعداد بلاده لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتعاون في الزراعة والتعدين.

وذكر السيادي أن البرهان أشاد بمواقف تركيا «الداعمة للسودان»، وجهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم، ودورها في معالجة الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، ودورها في الملف السوري، مبدياً ترحيبه بأي دور تركي لوقف الحرب «التي تسببت فيها ميليشيا الدعم السريع المتمردة». ودعا البرهان لتعزيز الاستثمارات التركية في مختلف المجالات، مؤكداً ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراته.

ويرى مراقبون أن الاتصال الهاتفي بين إردوغان والبرهان في هذا التوقيت يأتي في ظل متغيرات وترتيبات جديدة في المنطقة تشمل السودان، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

ومنذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حرباً خلفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.

حضور تركي في القرن الأفريقي

وقطعت تركيا، الأربعاء الماضي، خطوة كبيرة على طريق حل النزاع بين الصومال وإثيوبيا، بعد جولات من المباحثات بين الطرفين في إطار ما عرف بـ«عملية أنقرة»، يراها مراقبون ترسيخاً للحضور التركي القوي في منطقة القرن الأفريقي.

إردوغان يتوسط الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال مؤتمر صحافي في أنقرة مساء الأربعاء الماضي (الرئاسة التركية)

وأعلن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الصومالي، آبي أحمد، في مؤتمر صحافي مع إردوغان مساء الأربعاء، أعقب 8 ساعات من المفاوضات الماراثونية سبقتها جولتان من المفاوضات في أنقرة في الأشهر الماضية، أنهما قررا بدء المفاوضات الفنية بحسن نية بحلول نهاية فبراير (شباط) 2025 على أبعد تقدير، والتوصل إلى نتيجة منها والتوقيع على اتفاق في غضون 4 أشهر، بحسب ما ورد في «إعلان أنقرة». وقبل الطرفان العمل معاً على حل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي تسببت في زيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وقال إردوغان إن البلدين الجارين توصلا، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة، إلى اتفاق «تاريخي» ينهي التوترات بينهما.

وبحسب نص إعلان أنقرة، الذي نشرته تركيا، اتفق البلدان على «التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك، والعمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولاً إلى البحر «موثوقاً به وآمناً ومستداماً تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفيدرالية».

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر، قائلاً: «أعتقد أنه من خلال الاجتماع الذي عقدناه سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر لإثيوبيا».

إردوغان مع الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي عقب توقيع إعلان أنقرة (الرئاسة التركية)

وتدخلت تركيا في النزاع بطلب من إثيوبيا، التي وقعت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي اتفاقية مع منطقة «أرض الصومال»، التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991، لكن لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي، وتشمل النقل البحري واستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر، واستغلال 20 كيلومتراً من ساحل أرض الصومال لمدة 50 عاماً مقابل الاعتراف باستقلالها عن الصومال، مع منحها حصة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية.

ترحيب دولي

ورحب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال لقائه إردوغان في أنقرة، ليل الخميس – الجمعة، بنجاح تركيا في التوصل إلى اتفاق بين الصومال وإثيوبيا. كما رحب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق، وأشاد بدور الوساطة الذي لعبته تركيا بهذا الخصوص.

وترتبط تركيا بعلاقات قوية بإثيوبيا، كما أصبحت حليفاً وثيقاً للحكومة الصومالية في السنوات القليلة الماضية. وافتتحت عام 2017 أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في مقديشو، وتقدم تدريباً للجيش والشرطة الصوماليين.

وبدأت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة في الصومال تمثل كل منها مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع، بموجب مذكرة تفاهم وقعت بين البلدين في مارس (آذار) الماضي، لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي.

وجاء توقيع المذكرة بعد شهر واحد من توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، تقدم تركيا بمقتضاها دعماً أمنياً بحرياً للصومال، لمساعدته في الدفاع عن مياهه الإقليمية لمدة 10 سنوات.