لا يفوت زائر إسطنبول هذه الأيام ملاحظة شارات «رابعة» في زواريب المدينة وأحيائها الشعبية، فيما تتصدر هذه الشارة صفحات مؤيدي أردوغان على موقع «فيس بوك» للتواصل الاجتماعي بوصفها دليلا على التضامن مع الرئيس المصري المعزول محمد مرسي. ويحتاج متابع وسائل الإعلام الرسمية التركية بعض الوقت ليدرك أنه ليس في مصر، بسبب الكم الهائل من الأخبار المتعلقة بالوضع المصري فيها.
وتمر العلاقات بين مصر وتركيا بفترة حرجة حاليا، بسبب مواقف رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان المؤيدة للرئيس المصري المعزول التي وصلت إلى حد استدعاء السفراء، لكن بعض الساسة في القاهرة، يقولون إن تركيا ومصر «مثل تفاحة مشطورة نصفين على جانبي البحر المتوسط». وأعاد بعض كبار السياسيين المعتدلين في تركيا ذكر المثل نفسه عقب توتر العلاقة بين البلدين التي انتهت الأسبوع الماضي بطرد كل منهما سفير الدولة الأخرى في إجراء نادر.
تكره الغالبية العظمى من أنصار قائد الجيش المصري، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الطريقة التي رفع بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أصابعه الأربعة لتتحول تلك «الإشارة» إلى رمز لمظاهرات صاخبة في شوارع القاهرة قادتها جماعة الإخوان المسلمين.. وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي.
رفع أردوغان أصابعه الأربعة، للتعبير عن غضبه من فض السلطات المصرية اعتصامين لأنصار الرئيس السابق. وقال مبررا موقفه إنه لن يحترم من وصلوا للسلطة بانقلاب، في إشارة إلى الثورة الشعبية على حكم مرسي في 30 يونيو (حزيران) الماضي، مما أدى إلى زيادة التوتر في العلاقة مع مصر. ومع ذلك يبدو موقف أردوغان المنحاز للإسلاميين مختلفا عن مواقف رئيس تلك الدولة التي تعد واحدة من الدول الكبرى في المنطقة إلى جانب كل من مصر وإيران ودول معتبرة أخرى.. فماذا يريد أردوغان؟
هكذا يسأل النائب البرلماني المصري عاطف مغاوري، المختص في الشؤون الدولية، ويجيب قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن الرجل يُظهر نفسه في عباءة الخليفة العثماني حين يتعامل مع العرب، وفي بدلة الأوروبي حين يتعامل مع الغرب، سعيا لتحقيق الأهداف الأساسية لحزبه، وعلى رأسها الانضمام للاتحاد الأوروبي وشغل دور عراب المنطقة أمام العالم.
يقول محللون أتراك معارضون لسياسات أردوغان إنه يتحدث عن مصر في كل خطاباته، لكنه لا يتحدث إلى المصريين، بل إلى الأتراك الذين يتوقع منهم أن يصوتوا مع حزبه في الانتخابات البلدية المقبلة، التي تعد «بروفة» للانتخابات النيابية والرئاسية التي ستليها. ولهذا، لا يبدو أن أردوغان ينصت لنصائح من يطالبه بتهدئة «الجو» مع المصريين. فالعلاقات مع مصر - كما يقول أحد المقربين منه - ستتحسن لاحقا مهما كانت نتائج المخاض المصري، «فأردوغان سيفوز إذا فاز (الإخوان)، لكنه لن يخسر إذا ما خسروا، وسيعود إلى واقعيته».
ولا يأبه رئيس الحكومة التركية للتطورات السلبية التي أحاطت بالعلاقات التركية - المصرية في الآونة الأخيرة، فهو يتوقع أن يقبض الثمن في الانتخابات المحلية والنيابية والرئاسية المقبلة. ويعترف المحلل السياسي التركي محمد زاهد غل المقرب من حزب العدالة والتنمية، بأن قسما من كلام أردوغان هو «للاستهلاك الداخلي»، مشيرا إلى أن شارات رابعة أصبحت عنوانا يفاخر برفعه كثيرون ممن يتعاطون الشأن العام في تركيا.
وبدأ رئيس الحكومة التركية القادم من حزب إسلامي، انتقاد سياسات القاهرة بشكل متصاعد منذ الإطاحة بمرسي، على الرغم من أن جماعة «الإخوان» التي ينتمي إليها الرئيس السابق هاجمت أردوغان حين زار العاصمة المصرية الخريف الماضي، وذلك حين تحدث الزعيم التركي عن أفضلية الحكم العلماني للمصريين، قائلا في كلمات لم تعجب قيادات «الإخوان» حينها إنه رئيس حكومة مسلم لدولة علمانية، وإن العلمانية لا تعني اللادينية.
ويقول علاء فاروق، رئيس وحدة دراسات آسيا الوسطى بمركز القاهرة للدراسات التركية، لـ«الشرق الأوسط» إن الرأي العام يتحدث في الوقت الراهن عن أزمة في العلاقات التركية - المصرية، معربا عن اعتقاده أن الأزمة ليست وليدة اليوم، ولكنها بدأت منذ الإطاحة بمرسي.
وارتفعت وتيرة الانتقادات التركية لمصر بعد فض اعتصامي أنصار مرسي في ميداني رابعة والنهضة بالقاهرة والجيزة، في 14 أغسطس (آب) الماضي. وعقب انتقاده موقف الأزهر بسبب انحيازه لثورة 30 يونيو (حزيران)، زاد أردوغان من حدة تصريحاته التي طالت القضاء المصري أيضا حين قال مع بدء إجراءات محاكمة الرئيس السابق إنه لا يكن «أي احترام لهؤلاء الذين اقتادوا مرسي أمام القضاء». ويضيف فاروق لـ«الشرق الأوسط» إن العلاقات تكاد تكون منعدمة منذ 30 يونيو الماضي، «كون السيد أردوغان يرى أنه كان معارضا، ثم وصل إلى السلطة في بلاده.. ويرى أن عزل الرئيس (السابق) مرسي انقلاب عسكري، كونه، أي أردوغان، اكتوى بنار الانقلابات العسكرية في تركيا منذ فترة.. بالإضافة إلى الاقتراب الآيديولوجي بين أردوغان ومرسي من حيث تبني كل منهما ما يسمى (المشروع الإسلامي) في المنطقة».
ويزيد فاروق قائلا إن التقارب الآيديولوجي بين الرئيس المصري السابق ورئيس الوزراء التركي، يفسر تعامل أردوغان بتشدد مع ملف القاهرة، وضد الحكام الجدد، وذلك من خلال التصريحات شبه اليومية «التي لا تليق بمسؤول ربما يسعى للتقارب بين منطقة الشرق الأوسط وتركيا». وفي ما بدا تحديا جديدا أغاظ المصريين الذين ثار الملايين منهم ضد حكم «الإخوان»، ورغم تخفيض العلاقة بين البلدين أخيرا، فإن أردوغان عاود تحديه القاهرة ورفع مجددا أربعة من أصابع يده إلى أعلى، مؤكدا تضامنه مع أنصار مرسي أثناء حضوره مؤتمرا جماهيريا لحزبه في شمال تركيا.
ويلقي معارضو أردوغان عليه باللائمة في تردي العلاقات مع مصر، إلى حد يقارب ترديها خلال مرحلة الوحدة بين سوريا ومصر أيام الرئيس المصري عبد الناصر. ويرى هؤلاء أن تصريحات أردوغان تأتي دائما في سياق «صب الزيت على النار»، آخذين عليه عدم ترويه في هذا الملف والتعامل معه على أنه «شخصي».
وإذ يشير زاهد غل، إلى أن أحزاب المعارضة التركية تنتقد عموما الحكومة في سياستها الخارجية وطريقة تعاطيها مع الدول العربية، لا سيما مصر وسوريا، فإنه يؤكد أن «ثمة جزئية لا يمكن أن نغفل عنها، وهي أن تركيا عموما لا تختلف في توصيف ما حصل في مصر؛ إذ إن المعارضة والموالاة على السواء تعدان ما حصل انقلابا وليس ثورة». ويرى غل أنه «لا يوجد أي حزب سياسي يمكن أن يجرؤ على أن يمتدح وجود العسكري في السلطة، ذلك أن تركيا عانت كثيرا من الانقلابات ومن حكم العسكر، وهي تسعى لإبعاد أي شبح عسكري عن السلطة». ويؤكد أن أردوغان يكون «مرتاحا جدا عندما يتحدث في الشأن المصري لأنه يقف مع المظلوم ضد سطوة الجيش، والشعب البسيط (في تركيا) يدرك أن الانقلابات تأتي دائما بالدماء».
وعن التباين في مواقف رئيس الجمهورية عبد الله غل وأردوغان في الشأن المصري، يقول زاهد غل إن «رئيس الجمهورية ليس سلطة تنفيذية ولا يملك الصلاحيات»، جازما في الوقت نفسه بأنه «لا توجد وجهات نظر مختلفة، بقدر ما أن رئيس الجمهورية لديه أسلوب دبلوماسي».
لكن حسن بوغون، مدير الأخبار الخارجية في صحيفة «إيدنلك» يرى أنه «على الرغم من عدم وجود موقف معاد من غل تجاه الإخوان، فإنه يمكن أن نقول إنه يوجد الآن موقفان تركيان رسميان بالنسبة للتطورات في مصر؛ موقف يمثله غل ونائب رئيس الوزراء بولند أرينج والجماعات الدينية، وموقف تمثله حكومة العدالة التي يترأسها أردوغان».
وكقادة الأحزاب المعارضة، يحمل نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض فاروق لو أوغلو، أردوغان «جزءا كبيرا من مسؤولية ما آلت إليه العلاقات بين تركيا ومصر أخيرا.. أمر محزن للغاية». وانتقد تقييم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للقضاء المصري في تصريحات لصحيفة «حرييت»، متهكما «كما لو أن القضاء في تركيا مستقل ويعمل بشكل جيد، فأردوغان الذي لديه مثل هذا النظام القضائي ينتقد القضاء في مصر».
ويرى زاهد غل أن العلاقات المصرية - التركية لن تتدهور أكثر مما هي عليه الآن، مستبعدا أن تصل الأمور إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية وإقفال السفارات، لكنه يرى أن الوضع الحالي سيبقى قائما لفترة طويلة.
ويشير إلى أنها ليست المرة الأولى التي تتدهور فيها العلاقات، لكنها الأكبر منذ نهاية عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، و«مع ذلك بقى التبادل الدبلوماسي قائما».
بدوره، يقول حسن بوغون إن طرد السفير التركي من القاهرة وفي المقابل طرد السفير المصري، لم يكن مفاجئا «على اعتبار أن العلاقات المصرية - التركية بدأت في التدهور بعد الحركة الشعبية التي خاضها الشعب المصري في ميدان التحرير والتي انتهت بإسقاط حكومة الإخوان واعتقال المسؤولين وعلى رأسهم محمد مرسي ووضعهم في السجن»، مشيرا إلى أن «حكومة العدالة والتنمية منذ بداية اعتصامات التحرير اتخذت موقفا مؤيدا لـ«الإخوان» ولم توفر أي طاقة لدعمهم، بل فتحت أبواب تركيا للهاربين من قادة وكوادر «الإخوان» واحتضنتهم وأمنت لهم جميع احتياجاتهم».
وأشار بوغون إلى ما تداولته وسائل الإعلام التركية أخيرا من أن «(الإخوان) أعلنوا عن تأسيس حزب لهم في إسطنبول، واعتقد الجميع أن (الإخوان السوريين) هم الذين أسسوا حزبهم، ولكن في الحقيقة هم (إخوان مصر) الذين يرعاهم أردوغان هم الذين أسسوا حزبهم في إسطنبول بالتعاون مع (الإخوان السوريين)، ويعقدون اجتماعاتهم السرية في العديد من فنادق إسطنبول البعيدة عن أعين الإعلاميين، وبما أن إخوان سوريا لم ينجحوا ولن ينجحوا في تحقيق أي مأرب لهم في سوريا، فإن الهدف الحقيقي من وراء هذا الحزب هو تفعيل دور (الإخوان المصريين) في مصر والاعتماد عليهم بعد فشل (إخوان سوريا)».
ويعتقد كثير من المهتمين بالعلاقات بين البلدين أن القطيعة بدأت بالفعل بعد الإطاحة بمرسي في 3 يوليو (تموز) الماضي، وأن مسألة طرد السفيرين كانت مجرد عملية «تحصيل حاصل» لما كان يدور بالفعل تحت السطح. ويقول فاروق إن «العلاقات لم تنقطع بطرد السفيرين، بل كانت أساسا في حالة جمود منذ 30 يونيو الماضي، ولم يكن أي من الطرفين يعلن عن ذلك».
وتوجد على ما يبدو إجراءات تقوم باتخاذها كل من مصر وتركيا للتضييق على الرجال المحسوبين على النظامين هنا وهناك، سواء كانوا من الشخصيات الرسمية أو غير الرسمية. ويشير علاء فاروق إلى أن بعض المصادر التركية ذكرت في الفترة الأخيرة أن «مصر تحجم هنا من وجود الأتراك حتى بالنسبة لغير الرسميين، وكذلك كانت تركيا تفعل الأمر نفسه»، وذلك قبل أن يتفجر الخلاف ويظهر بقوة على السطح «خاصة بعد تصاعد تصريحات أردوغان أخيرا تجاه مصر».
ويتخوف البعض من تدخلات تركيا الدولية تجاه القاهرة، ومحاولاتها تحريض بعض الأطراف ضد مصر.. «كما أنه توجد مصادر تقول إن أردوغان يسعى للحيلولة دون التقارب الروسي مع السلطات الجديدة في مصر»، وفقا لفاروق الذي يجيب عما إذا كانت العلاقات بين البلدين يمكن أن تعود لسيرتها الأولى في حال استقرت الأوضاع تحت مظلة خارطة الطريق المصرية، قائلا إن تركيا في نهاية المطاف لا تستطيع الاستغناء عن مصر.
ويضيف قائلا: «لكن أرى أن تركيا الآن ربما تسعى إلى تجييش المجتمع الدولي ضد القاهرة خاصة أوروبا، لمحاولة عزل مصر دوليا والضغط عليها والاستعانة ببعض الدول الأخرى، مثل البرازيل وغيرها».
وتوجد للأتراك استثمارات ضخمة في عدة مدن مصرية خاصة في مدينة الإسكندرية، منذ سنوات. وكانت خارطة الاستثمارات التركية تتضمن، منذ عام 2010، توسعات في مجالات شتى منها صناعة الغزل والنسيج والكيماويات والسيارات، وغيرها.
ويرى فاروق أن مصر ما زالت في حاجة إلى تركيا، وأنه لم يكن ضروريا التسرع في الرد على كل ما يصدر من أنقرة، مشيرا إلى أن البلدين سيعود كل منهما للآخر، «لكن الخطوة الأولى أرى أنها ينبغي أن تأتي من جانب مصر.. الحكومة المصرية في ظل التراجع الأمني والاقتصادي وغيره، ليست في حاجة إلى عداءات مع دول مثل تركيا. ولم يكن يصح أن تكون ردود الفعل المصرية بالطريقة التي ظهرت بها وهي في مرحلة عدم ثبات في هذه المرحلة. التقارب سيأتي، لكن ربما يطول الوقت نوعا ما».
ومن السهل أن تجد في أحاديث المصريين عن الأتراك محاولات للتفرقة بين رئيس الوزراء وحزبه الأقرب إلى تيار الإسلام السياسي في بلدان كمصر وليبيا وتونس وسوريا، من جانب، ورئيس الدولة عبد الله غل، وعموم الشعب التركي من الجانب الآخر. وهنا يسأل البعض قائلا: ما مدى استفادة الدولة التركية من توجهات رئيس الحكومة أردوغان ضد مصر؟ ويجيب فاروق موضحا: «نستطيع أن نقول إن الحكومة التركية ربما لن تستفيد شيئا من تصريحات أردوغان، لكن أردوغان يركز على بعض الأشياء في السياسة».
ويضيف رئيس وحدة دراسات آسيا الوسطى بمركز القاهرة للدراسات التركية، إن من بين تلك الأشياء التي يركز عليها أردوغان هي أنه «ربما يرى، مع حزبه، أنهما يحققان المكسب الأكبر؛ حيث إنه يقول دائما إنه ينتصر للحريات والديمقراطية والدولة المدنية».
لكن النائب المصري، مغاوري، له وجهة نظر أخرى يفسر بها موقف أردوغان. ويشير مغاوري أولا إلى كثير مما يتردد من لغط حول ما يقال عن أن لـ«أردوغان» أطماعا في استعادة الهيمنة القديمة للإمبراطورية العثمانية أو أنه يستخدم ملف الدول العربية والإسلامية لتحقيق مصالح له مع الغرب خاصة أميركا وأوروبا.
ويجيب النائب مغاوري قائلا: «علينا أن نعلم أن حزب العدالة والتنمية في تركيا جاء على ملف وفكرة سعي انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وهناك شروط لدى الاتحاد الأوروبي موضوعة أمام الجانب التركي لاستيفائها قبل قبول عضويته في الاتحاد. وحين وصل الأمر إلى طريق مسدود مع وجود حالة رفض لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، بدأت تركيا، عن طريق حزب أردوغان، تغازل وتسعى في الوقت نفسه للضغط على الجانب الأوروبي بناء على فكرة التوجه إلى الشرق، بما تمتلكه من تراث ديني أو تاريخي، واستدعاء الفترة العثمانية وما فيها من تراث، إلى درجة ظهور بعض المصطلحات مثل (العثمانلية الجديدة) وغيرها».
ويزيد النائب المصري أن تركيا ربما تريد أن تدخل الاتحاد الأوروبي بصفتها مفتاحا للشرق الأوسط أو الشرق الأوسط الكبير، وعلى أنها قوة ضاغطة وتمتلك المفاتيح. ويضيف: «إذا نظرنا إلى منطق كتاب الدبلوماسية التركية في المنطقة الذي أصدره أحمد داود أوغلوا (وزير الخارجية التركي) القائم على منهج (المشكلات صفر)، أي حل مشكلات المنطقة بكل تناقضاتها، فإن تركيا اصطدمت مع المنطقة نفسها ومع تركيبة هذه المنطقة».
ويتابع مغاوري أن تركيا اليوم «صنعت العديد من المشكلات ولم تعمل على حلها، وأصبحت طرفا مغذيا لجماعات إرهابية، وأصبحت سياسة أردوغان مع فتح الحدود واستضافة تنظيمات تعمل ضد دولها، محاولة لاستثمار الحراك السياسي في بعض البلدان العربية التي شهدت ما أطلق عليه (الربيع العربي)، وما تبعه من صعود لتيار الإسلام السياسي في المنطقة وتصدره المشهد، حيث أرادت تركيا، من خلال حكومة حزب العدالة والتنمية، أن تكون راعية لحكومات الإسلاميين في الدول العربية».
ويقول أحد الدبلوماسيين المصريين إن «المشكلة التي واجهت تركيا ربما تنحصر في معادلة جاءت بنتائج عكسية لشعوب ثورات الربيع العربي التي لم تكن لتمانع في تكرار النهج التركي في الحكم، في المرحلة الجديدة، إلا أن الإسلاميين في دول (الربيع العربي) كانوا يسيرون نحو تجربة النموذج الباكستاني». ويقول مغاوري: «لولا ثورة (30 يونيو) لدخلت مصر النموذج الباكستاني.. أي جماعات إرهابية وجيشا مرتبطا بأميركا».
وعن الوضع الراهن بين مصر وتركيا، يوضح مغاوري قائلا إن «الموقف في أي علاقات دولية إذا تجاوزت حدود السيادة، فإنها تكون قد دخلت في إطار آخر. ومن حق أي دولة أن تختلف على وضع معين في دولة أخرى، لكنها حين تتجاوز حق الاختلاف والنقد إلى التحريض، فإن هذا يتحول إلى موقف عدائي ينقل العلاقات الدولية والثنائية بين أي دولتين إلى حيز العداء، وهذا ما فعلته تركيا مع مصر».
وفي جلسات النوادي النيلية المسائية، يقول السياسيون المصريون، من قيادات حكومية وحزبية إن من حق تركيا أن ترفض أو تختلف مع المتغيرات في سياسة الدولة، أو تتعاطف أو تناصر وضعا بعينه، لكنها حين تتجاوز هذا، وتصل إلى حد تقديم الدعم إلى طرف بعينه في مواجهة طرف آخر تناصبه العداء، واستضافة مؤتمرات واجتماعات تنظيمية لـ«الإخوان»، فإن هذا موقف عدائي.
ويعلق مغاوري قائلا إنه عند هذه النقطة يكون من حق الدولة التي يقع عليها الضرر أن تتخذ ما تراه من الإجراءات الدبلوماسية المتعارف عليها لتحافظ على هيبتها.. «من أبسط الإجراءات، مثل استدعاء السفير، إلى حد طرده، وقد تصل إلى قطع العلاقات»، مشيرا إلى أن الموقف المصري الأخير من تركيا جاء تلبية لرغبة شعبية حقيقية، باعتبار السفير التركي في القاهرة شخصا غير مرغوب فيه، وكذلك تخفيض العلاقات الدبلوماسية إلى قائم بالأعمال وليس سفيرا، وذلك «استجابة لحالة الرفض الشعبي بمصر لمواقف أردوغان، لأن استمرار الفعل التركي في عدم وجود رد فعل مصري ينتقص من السيادة المصرية والمكانة المصرية في العلاقات الدولية».
لكن القاهرة لم تنتظر وواصلت إجراءات الرد على انتقادات أردوغان، وبعد أن سحبت سفيرها، عبد الرحمن صلاح، من هناك، صعدت الأمر بإبلاغ سفير تركيا في القاهرة حسين عوني بوتسلي، أنه بات شخصا غير مرغوب فيه، وعدت وزارة الخارجية المصرية تصريحات رئيس الوزراء التركي تدخلا في شؤونها الداخلية «فضلا عما تتضمنه من افتراءات وقلب للحقائق وتزييف لها بشكل يجافي الواقع منذ ثورة (30 يونيو)».
ومع ذلك لا يخفي البعض في الوسط الدبلوماسي المصري ارتياحه لموقف الرئيس التركي المعتدل تجاه مصر وقوله ما معناه إن البلدين لا يمكن أن يصل بهما الأمر إلى مرحلة القطيعة. كما توجد إشارات على مساع ووساطات إقليمية للتهدئة بين القاهرة وأنقرة.
وحين توترت العلاقة في الأيام الأخيرة بين مصر وتركيا جرى إلقاء اللوم على مناصري النظام السابق، واتهامهم بأنهم يستعينون بتركيا، وأن أردوغان أصبح رأس حربة لأنصار مرسي بتدخله في شؤون مصر. لكن أسامة رشدي، القيادي في «التحالف الوطني لدعم الشرعية» المؤيد لنظام مرسي، يرد قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن هذه اتهامات مفتعلة.. «لا علاقة لنا بمسار العلاقات المصرية - التركية.. تركيا لديها مشكلة تاريخية تتعلق برفض الانقلابات العسكرية، وعانت طويلا من الانقلابات العسكرية منذ الستينات إلى آخر انقلاب على حكومة أربكان سنة 1997، فهي لديها حركات تتبنى قيما أخلاقية تعبر عنها الحكومة التركية».
وتتهم جهات مصرية أيضا التيار الإسلامي المناصر لمرسي في مصر بالتعاون مع تركيا لرفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وغيره من قيادات عسكرية، إلا أن رشدي، الذي يشغل أيضا موقع المستشار السياسي لحزب «البناء والتنمية» الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، يقول إن المصريين هم من يقومون بإدارة هذا الملف، ولا علاقة له بتركيا ولا غيرها.