مؤشرات خطيرة تحيط بالوضع الاقتصادي في لبنان ومخاوف من «انفجار اجتماعي»

مؤشرات خطيرة تحيط بالوضع الاقتصادي في لبنان ومخاوف من «انفجار اجتماعي»
TT

مؤشرات خطيرة تحيط بالوضع الاقتصادي في لبنان ومخاوف من «انفجار اجتماعي»

مؤشرات خطيرة تحيط بالوضع الاقتصادي في لبنان ومخاوف من «انفجار اجتماعي»

في الوقت الذي تنكب فيه الحكومة اللبنانية على دراسة موازنة عام 2018 لإحالتها إلى المجلس النيابي سعياً لإقرارها قبل مؤتمر «سيدر» المرتقب في باريس لدعم لبنان اقتصادياً، وفي ظل دورانها في حلقة مفرغة في إطار سعيها للتخفيف من النفقات، وتمرير عدد من الإصلاحات للحد من العجز، تتزايد المؤشرات التي توحي بسلوك البلد منحى خطيراً على الصعيدين المالي والاقتصادي، ما يهدد بانفجار عدد من الأزمات الاجتماعية.
وأقر وزير المال علي حسن خليل، أمس، بأن لبنان في «أزمة حقيقية على المستوى الاقتصادي والمالي»، متحدثاً عن «مرحلة دقيقة وخطيرة جداً»، إلا أنه أبقى نافذة أمل مفتوحة، لافتاً إلى أنه «رغم صعوبة الأزمة، فإنها تبقى غير مستعصية، إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية في أن نعيد تنظيم أمورنا، ونضع أنفسنا على سكة المعالجة الحقيقية».
وشدد خليل على أن «الأمور لا يمكن أن تستقيم إلا مع إقرار موازنة عامة، فيها حد أدنى من التوازن المالي، وفيها رسم لمسار إصلاحي ضروري». وخلال مؤتمر نظمته الجامعة اللبنانية الدولية حول «الجرائم المالية»، أشار خليل إلى أن «المؤتمرات الدولية التي نعول عليها لا يمكن أن تعطي الأثر الإيجابي دون أن تواكبها إجراءات حقيقية، أول عناوينها إقرار الموازنة العامة على أسس إصلاحية حقيقية تعيد لبنان إلى مسار التوازن، وتخفف كثيراً من نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي، التي وصلت إلى مرحلة دقيقة وخطيرة جداً».
وعلى الرغم من المؤشرات السلبية المحيطة بالوضعين المالي والاقتصادي، يؤكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنه تم تحقيق «نجاح في إطلاق مسيرة انتظام مالية الدولة»، لافتاً إلى أن «العمل مستمر لإطلاق خطة اقتصادية تحدد رؤية طويلة الأمد للنهوض الاقتصادي».
ووقع وزير الاقتصاد والتجارة، رائد خوري، أخيراً، بتفويض من مجلس الوزراء، عقداً مع شركة «ماكنزي» العالمية، بقيمة مليون و300 ألف دولار، لإعداد خطة اقتصادية للدولة، بعدما أقرت أول موازنة في البلاد منذ عام 2005 نهاية العام الماضي. إلا أنه حتى الساعة، لم تتضح معالم هذه الخطة التي كان يتوجب أن يحملها لبنان إلى مؤتمر باريس في النصف الثاني من شهر أبريل (نيسان) المقبل.
وفي الأشهر الماضية، تفاقم عدد من الأزمات، على خلفية تردي الأوضاع المالية والاقتصادية. فمع إقرار سلسلة الرتب والرواتب، التي شهدت زيادة رواتب موظفي القطاع العام والأساتذة في المدارس الرسمية والخاصة، انفجرت أزمة في المدارس الخاصة، في ظل تأكيد إداراتها عدم قدرتها على تغطية الزيادات، ورفض الأهالي رفضاً قاطعاً تحميلهم إياها. كذلك، فإن توقف المصارف أخيراً عن إعطاء قروض سكنية، نتيجة نفاد الأموال التي خصصها المصرف المركزي، يهدد بانفجار أزمة اجتماعية كبيرة، باعتبار أن العدد الأكبر من الشباب اللبناني يعتمد على هذه القروض لشراء شقق.
وتضاف إلى هذه الأزمات أزمة المياومين العاملين في مؤسسة كهرباء لبنان، المستمرة منذ سنوات، وأزمة جديدة بدأت تطل برأسها من بوابة الضمان الاجتماعي، مع تنبيه الاتحاد العمالي العام لتوجه الحكومة لإلغاء النص المتعلق ببراءة الذمة للمؤسسات المنتسبة إلى صندوق الضمان في موازنة 2018.
ويعتبر رئيس الاتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر، أن «كل هذه الأزمات، التي تترافق مع غياب خطة إصلاحية حقيقية واستمرار الإنفاق العشوائي، سواء من خلال الجمعيات الوهمية أو عبر الإيجارات الخيالية لعدد من المؤسسات والوزارات، تهدد فعلياً بانفجار اجتماعي، خصوصاً في ظل تراكم المشكلات، وأبرزها الصرف التعسفي، والاستغناء عن اليد العاملة اللبنانية لمصلحة اليد العاملة الأجنبية»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «بدل أن تلجأ الدولة إلى إجراءات حقيقية لوضع حد للتدهور الحاصل، من خلال التصدي للهدر الذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار سنوياً، بحسب البنك الدولي، تقوم الحكومة بمواجهة الأزمات بمزيد من الديون، التي تسعى للحصول عليها خلال المؤتمرات الدولية المرتقبة».
ويشكل قطاع الكهرباء باباً رئيسياً للهدر والإنفاق، يتوجب التعاطي معه بمسؤولية للحد من العجز الذي وصل إلى عتبة مخيفة، بعدما بلغ 12 ألف مليار دولار، بحسب الخبير المالي وليد أبو سليمان الذي حذر من «تحول العجز إلى مزيد من الدين العام، وبالتالي إلى مزيد من الاستدانة، ولكن هذه المرة بكلفة مرتفعة، في حال خفض التصنيف الائتماني، ما يجعلنا في معضلة لجم العجز».
وأضاف أبو سليمان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «العجز في الكهرباء وصل إلى عتبة المليار و700 مليون دولار. وبالتالي، المطلوب خصخصة الإدارة للتصدي لهذه الأزمة».
واعتبر أن المشكلة الحقيقية هي «لجوء الدولة إلى إقرار ملفات مصيرية تحت ضغط الوقت، فبعدما أقرت سلسلة الرتب والرواتب من دون تأمين الإيرادات المطلوبة، ها نحن نرى أنه يتم إقرار موازنة عام 2018 على طريقة (السلق)، بعد تخطي المهل الدستورية، وفي محاولة للانتهاء منها قبل مؤتمر سيدر».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».