تشهد الساحة السياسية في تركيا حراكاً مبكراً يتمحور حول الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي ستجرى في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المقبل، أشعلتها المبادرة المبكرة لحزبي العدالة والتنمية الحاكم و«الحركة القومية» المعارض، اللذين شكلا ائتلافاً باسم «تحالف الشعب» لخوض الانتخابات البرلمانية معاً.
وتقدم الحزبان، عقب هذا التحالف، بحزمة تعديلات على قانون الانتخابات إلى البرلمان تتضمن 26 مادة تتيح للتحالفات الانتخابية، وليس فقط الأحزاب، خوض الانتخابات. وأعطى ذلك لحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، الضوء الأخضر للدخول في تحالف على «المبادئ». وقال رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو، في مقابلة مع صحيفة «حريت» التركية أمس، ردا على سؤال حول إمكان تشكيل تحالف مع حزب السعادة الإسلامي، والحزب «الجيد» بزعامة ميرال أكشنار، في الانتخابات القادمة، إنه لا يعارض دخول حزبه في تحالفات على المبادئ، وأن يكون المبدأ هو الحفاظ على النظام البرلماني في البلاد، وإلغاء التعديلات الدستورية التي قادت إلى إقرار النظام الرئاسي في استفتاء 16 أبريل (نيسان) 2017، والتي فتحت الباب للديكتاتورية على حد قوله.
وأشار أوغلو إلى أن حزبه يطالب بدستور جديد للبلاد، ويرى أن تركيا بحاجة إلى دستور ديمقراطي جديد، وأن حزبه لا يرغب في بقاء الحد النسبي لتمثيل الأحزاب في البرلمان (شرط الحصول على 10 في المائة من أصوات الناخبين)، ويرى تخفيضه إلى 1 أو 2 في المائة حتى يتمكن أكبر عدد من الأحزاب من دخول البرلمان.
ولا تتضمن حزمة التعديلات المقترحة من العدالة والتنمية والحركة القومية تخفيض الحد النسبي لدخول البرلمان، ويتمسك حزب العدالة والتنمية بها. وكان حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد اعتبرا دخول حزب العدالة والتنمية في تحالف مع حزب الحركة القومية دليلا على تآكل القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية، وتراجع قوته إلى الحد الذي دفعه للاستعانة بحزب الحركة القومية وربما توسيع التحالف ليشمل حزب الوحدة الكبرى لاحقا. وقالت رئيسة الحزب الجيد، ميرال أكشنار، إن سعي العدالة والتنمية للتحالف مع حزب ضعيف كالحركة القومية هو مؤشر على تغير مزاج ناخبيه، وأن حزبها سيستفيد من الناخبين الذين سيتحولون عنه لأن أصواتهم لن تذهب إلى الشعب الجمهوري بل إلى حزبها، كونه قريبا من طبيعة هؤلاء الناخبين وتوجهاتهم المحافظة.
وفتح إعلان حزب الشعب الجمهوري موافقته على التحالف، ربما مع حزب السعادة والحزب الجيد، رغم اختلاف التوجهات التكهنات لسعي الأحزاب الثلاثة إلى طرح بديل للرئيس رجب طيب إردوغان في انتخابات الرئاسة المقبلة الأوساط الأحزاب التركية.
وثار جدل واسع خلال الأيام القليلة الماضية بعد أن أعلن حزب السعادة الإسلامي أنه يرفض الانضمام إلى تحالف الشعب الذي كونه حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية، وأنه سيطرح مرشحا لرئاسة الجمهورية. وتردد اسم الرئيس السابق عبد الله غل على أنه المرشح المحتمل لحزب السعادة الذي أسسه رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان، الذي عمل غل معه في الحقل السياسي لسنوات طويلة في الأحزاب التي أسسها قبل أن يشكل مع إردوغان حزب العدالة والتنمية. وقوبلت هذه التكهنات بردود فعل غاضة من جانب غل وعدد من قياديي حزب العدالة والتنمية الذين انتقدوا بشدة ما أسموه بـ«العرائس» التي يحركها البعض بالخيوط على وسائل التواصل الاجتماعي.
في سياق مواز، أسقط البرلمان التركي عضوية نائبين عن حزب الشعوب الديمقراطي المعارض (المؤيد للأكراد) بعد صدور أحكام قضائية بحبسهما بتهمة إهانة رئيس الجمهورية ودعم الإرهاب. وأسقط البرلمان عضوية أحدهما بعد أن أدانته المحكمة بتهمة إهانة رئيس الجمهورية، لوصفه الرئيس رجب طيب إردوغان بـ«السلطان المزيف». وبإسقاط عضوية النائبين، انخفض عدد نواب حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان التركي إلى 50 نائبا.
وكان البرلمان التركي أسقط في وقت سابق عضوية سبعة نواب عن الحزب، بمن فيهم الرئيس المشارك السابق فيجين يوكسيكداغ بعد صدور حكم قضائي بحقهم بتهمة دعم «الإرهاب» والغياب عن الكثير من الجلسات. وسبق أن اعتقلت السلطات التركية 13 نائبا من حزب الشعوب الديمقراطي في نوفمبر 2016، بمن فيهم الرئيسان المشاركان السابقان صلاح الدين دميرتاش ويوكسيكداغ بتهم تتعلق بدعم حزب العمال الكردستاني.
على صعيد آخر، طالبت النيابة العامة بعقوبة السجن المؤبد لثلاثة من كبار الضباط بالجيش التركي شاركوا في محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016 لاتهامهم بمحاولة الإطاحة بالنظام الدستوري. كما طالبت النيابة، خلال جلسة استماع في قضية الهجوم على مجموعة «دوغان» الإعلامية في إسطنبول، بأحكام إضافية بالسجن. وطلبت النيابة براءة 16 مشتبها فيهم آخرين من الجنود تم اعتقالهم في إطار القضية نفسها. وكانت المجموعة دخلت مرآب السيارات في مجموعة دوغان حيث يقع المقر الرئيسي لصحيفتي «حريت ديلي» و«حريت ديلي نيوز» وقناة «دي» وغيرها من وسائل الإعلام التابعة لمجموعة دوغان على متن طائرة هليكوبتر، وصرخوا بعد أن انقسموا إلى مجموعتين وفتحوا النار في الهواء: «لقد استولت هيئة الأركان العامة للجيش على السلطة في الدولة»، كما هددوا الموظفين في مركز دوغان للإعلام ببنادق وطلبوا منهم فتح الأبواب.
وجاء الهجوم على المجموعة بعد أن نقلت مذيعة قناة «سي إن إن تورك» التابعة للمجموعة هاندا فرات الرئيس رجب طيب إردوغان على شاشة القناة عبر تطبيق «فيس تايم» ليوجه رسالة إلى المواطنين للنزول إلى الشوارع والتصدي للانقلابيين والمتآمرين.
في سياق متصل، أبدى مقرر الأمم المتحدة الخاص بشأن التعذيب نيلز ميلتسر قلقه البالغ تجاه معلومات عن تعرض المعتقلين في إطار محاولة الانقلاب في تركيا للتعذيب. وقال ميلتسر، في جنيف أول من أمس، إنه تلقى تقارير عن الضرب والصعق الكهربائي والغمس في مياه مثلجة والحرمان من النوم والإهانات والاعتداءات الجنسية.
وبحسب ميلتسر فإن عدداً كبيراً من أنصار حركة غولن، وحزب العمال الكردستاني تعرضوا لهذه المعاملات. وقال ميلتسر، إن الهدف من وراء هذه الوسائل الوحشية في التحقيق هو إجبار الضحايا على تقديم اعترافات أو تشويه آخرين، وإن وكيلي المدعي العام في تركيا يرفضان التحقيق في حدوث تعذيب ضد المعتقلين مبررين ذلك بوجود حالة طوارئ في البلاد. وأكد ميلتسر أنه لا يجوز تعذيب أحد حتى في ظل حالات الطوارئ.
تركيا: حراك حزبي مبكر استعداداً لانتخابات 2019
محاكمة انقلابيين حاولوا السيطرة على مجموعة إعلامية
تركيا: حراك حزبي مبكر استعداداً لانتخابات 2019
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة