مهد الحزب الشيوعي الصيني الطريق، من خلال التعديلات الدستورية التي تبناها الأحد الماضي، لبقاء الرئيس شي جينبينغ في منصبه لأجل غير مُسمى، وذلك باقتراح إلغاء نص دستوري يمنع البقاء في الرئاسة لأكثر من فترتين. وأشرف شي منذ تولى منصبه قبل أكثر من خمسة أعوام على تعديل جذري في الحزب، شمل عزل قيادات كان من المُعتقد أنه لا يمكن المساس بها، وذلك في إطار حرب على الفساد المتأصل والتي تحظى بدعم شعبي. توسيع سلطات الرئيس سيمنحه فرصة لاختيار أشخاص مقربين منه للأجهزة الأمنية، التي قيل إن قضايا الفساد قوضت عملها الاستخباراتي والأمن القومي. ومن هنا طرح اسم وانغ تشاهونغ أحد المقربين لشي، الذي عمل نائبا لوزير الأمن العام، ليصبح مسؤولا عن جهاز الاستخبارات.
وانغ تشاهونغ، 60 عاما، سوف يحظى بأهم منصب استخباراتي في الصين، وسيتم تعيينه بدلا من تشين وينغينغ، كوزير للأمن القومي، وذلك خلال جلسة برلمانية تعقد الاثنين المقبل من أجل التصديق على التعديلات الدستورية المقترحة، كما أكدت خمسة مصادر مختلفة لوكالة «رويترز»، ثلاثة من هذه المصادر مقربة من القيادة الصينية واثنين من مصادر دبلوماسية غربية في بكين.
ومن جانب آخر، يتيح التعديل الدستوري الذي طرحه الحزب الشيوعي لشي جينبينغ، رئيس الصين منذ 2013، البقاء على رأس النظام وتوجيه الاقتصاد الثاني عالميا قدر ما يرغب. وتجيز له فترة مطولة في الحكم إنجاز الإصلاحات التي يروج لها، ولا سيما تخفيض المخاطر المالية وإعادة التوازن إلى نموذجه الاقتصادي. كما تضع التعديلات إطارا قانونيا لجهاز كبير لمكافحة الفساد وتحكم بشدة قبضة الحزب على السلطة. لكن الحزب سيحتاج على ما يبدو للعمل على إقناع البعض في الصين بأن الخطوة لن تؤدي إلى منح شي سلطات واسعة، وذلك رغم تمتع الرئيس بشعبية كبيرة لأسباب من بينها حربه على الكسب غير المشروع.
وتبدو رئاسة شي جينبينغ مدى الحياة بمثابة ضمانة استقرار للاقتصاد الصيني في خضم مرحلة إعادة توازنه وتخفيض ديونه، لكن تدخل الدولة وغياب الضوابط سيعقدان أي انفتاح متزايد للأسواق بحسب خبراء، تحدثوا إلى الصحافة الفرنسية. وقال لويس كويس من معهد أكسفورد إيكونوميكس لوكالة الصحافة الفرنسية: «مبدئيا، تضفي مركزية السلطة مزيدا من التناسق والفعالية على السياسة الاقتصادية عبر تقليص الخلافات». وأضاف المحلل ريموند يونغ لدى بنك إيه إن زد: «ستتمكن السلطات من الاستفادة من الوقت إضافي، نظرا إلى أن الكثير من الإصلاحات التي تعتبر حيوية، لا سيما المتصلة بمؤسسات الدولة، يشغل جدولا زمنيا ممتدا على عدة عقود». وفي ترسيخ للاستمرارية يرجح تعيين ليو هي، المستشار الاقتصادي المقرب للرئيس نائبا لرئيس الوزراء، وقد يتولى بالتزامن مهمة حاكم البنك المركزي بحسب عدد من الخبراء.
فليو هو نفسه مهندس السياسة الاقتصادية الراهنة القاضية بإعادة التوازن في نموذج النمو الصيني لمصلحة الخدمات والتكنولوجيات الحديثة وعلى حساب الصناعات الثقيلة التي قلصت فوائضها بشكل جذري. ويتيح بقاء شي في السلطة تعزيز المشاريع الكبرى للرئيس على غرار مشروع «طرق الحرير في آسيا» للبنى التحتية والحملة المتشددة لمكافحة التلوث.
واعتبر ريمنود يونغ في مذكرة أن «الاستقرار المالي والبيئي سيتخذ الأهمية نفسها الممنوحة للنمو الاقتصادي»، الذي شكل حتى الآن أولوية الحكومة. كما لفت المحلل واي ياو في بنك سوسييتيه جنرال إلى أن «الرهان الأهم على المدى القصير يكمن في تخفيض الدين» حتى ولو ألحق تشديد أنظمة القطاع المالي «أضرارا بالاقتصاد الحقيقي».
لا شك في أن «شي سيصبح قادرا على فرض إصلاحات شاقة» في مواجهة الفصائل ومجموعات المصالح الخاصة، خصوصا فيما يتعلق بإعادة التنظيم الحساسة للمؤسسات الرسمية، كما أنه «سيصبح أكثر قابلية لتقبل تباطؤ مؤلم للنمو»، على ما أقر جوليان ايفانز بريتشارد من كابيتال ايكونوميكس. لكن هذا الخبير الاقتصادي أبدى «التشكيك» نظرا إلى أن السلطات «لا تبدي رغبة» حتى الآن في قبول ما يشكل «مقابلا» لا مفر منه لتخفيض الدين، أي تباطؤ النشاط، بحسب قوله، مضيفا أن «شي يريد كل شيء في آن».
ينتقل برنامج شي جينبينغ «للإصلاحات» من مكافحة التلوث إلى تخفيض الديون وتقليص العرض العقاري المتضخم وتخفيض فوائض القدرات الصناعية. «لكنه لا يعالج جذور هذه المشاكل، أي التدخل المفرط للدولة في الاقتصاد! بل يبدو أن هدفه الرئيسي تعزيز دور القطاع الرسمي للحفاظ على نفوذ السلطات»، على ما لفت إيفانز - بريتشارد.
وفيما تعد بكين بفتح السوق الصينية «على مصراعيها» أمام الشركات الأجنبية، تندد بروكسل وواشنطن في المقابل بتنامي حمائية العملاق الصيني.
وشدد اندرو بولك المحلل الاقتصادي لدى تريفيوم ريسرتش، في تعليق لقناة «بلومبرغ» على أن «نظام الرجل الواحد يضاعف من تعقيد الإصلاحات بغرض الانفتاح. فضمان فعالية الأخيرة يتطلب سلطات تنظيمية راسخة تستند إلى حكم القانون». غير أنه «سيكون أكثر صعوبة على أي كان معارضة شي في حال تبنيه سياسات سيئة» بحسب إيفانز - بريتشارد، الذي عبر عن الخشية من «إضعاف المنظومة على المدى الطويل». وأكد لويس كويس أن «تخفيض الضوابط أمر خطير بالعادة»، موضحا أن «البلد يجازف بكل ما لديه في رهان واحد». وهذه المخاوف ليست فردية. فقد أفاد عدد من الوكالات المتخصصة في هجرة الصينيين إلى الخارج وكالة الصحافة الفرنسية عن تسجيل ارتفاع هائل للاستعلامات منذ الأحد، فيما تكثف البحث عن كلمة «هجرة» لفترة وجيزة في تصنيف محرك البحث الخاص بالصين بايدو. وسرعان ما أثار ذلك تحرك جهات الرقابة التي حجبت الأربعاء التعليقات المتصلة بـ«الهجرة» في موقع وايبو للمدونات المصغرة.
مقرب من الرئيس الصيني يحظى بأعلى منصب أمني
خبراء: مركزية السلطة تضفي مزيداً من التناسق والفعالية الاقتصادية عبر تقليص الخلافات
مقرب من الرئيس الصيني يحظى بأعلى منصب أمني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة