تزخر كرة القدم باللحظات الفارقة. مثلاً، ماذا لو أن بول غاسكوين كان مد جسده لبوصتين أخريين ونجح في وضع إصبع قدمه عائقاً أمام تلك التمريرة الشهيرة في مباراة دور قبل النهائي في بطولة «يورو 1996»؟ وماذا لو أن هدف الفوز الذي سجله جان فيريهين لصالح المنتخب البلجيكي في مرمى هولندا في وقت متأخر من مباراة التأهل لبطولة كأس العالم 1974 لم يتعرض للإلغاء عن طريق الخطأ باعتباره هدفا من تسلل... والذي كان يعني عدم تأهل هولندا إلى النهائيات؟ وماذا لو أن واحدة من ركلات الجزاء الـ73 التي يعتقد تشيلسي أنه يستحقها في مواجهة برشلونة خلال مباراة قبل النهائي ببطولة دوري أبطال أوروبا 2009، قد احتسبها الحكم بالفعل ونجحت في هز الشباك؟
ومثلما يعي بيب غوارديولا جيداً، فإن التحولات الكبرى في مسار المباريات تقع أحياناً نتيجة تفاصيل صغيرة ودقيقة للغاية. مثلاً، ماذا لو أن شكودران مستافي يستجب لوكزة خفيفة في الظهر من سيرغيو أغويرو بكل عزم وقوة فتاة طائشة تنتمي للعصر الفيكتوري لمحت فأراً، فقد رفع ذراعيه لأعلى في فزع على أمل أن يسارع أي شخص لنجدته؟ ماذا لو أنه قد اختار بدلاً عن ذلك الاضطلاع ببعض المجهود الدفاعي الأساسي؟ ماذا لو أنه لم يقف على الجانب الخطأ من البداية؟ ماذا لو كان طارد أغويرو وضغط عليه بحيث لا يتمكن من تسجيل هدف سهل في شباك حارس مرمى آرسنال الكولومبي ديفيد أوسبينا؟
ماذا لو كان التعادل سيد الموقف مع حلول منتصف وقت المباراة؟ ماذا كان سيحدث حينذاك؟ من جانبه، اعترف غوارديولا بأن لاعبيه سيطر عليهم الشعور بـ«التوتر» خلال النصف الأول من المباراة. جدير بالذكر أن مانشستر سيتي خسر أمام آرسنال على استاد ويمبلي، الموسم الماضي. كما خسر الفريق على استاد ويغان، الاثنين قبل الماضي. والواضح أنهم كانوا يرزحون تحت وطأة ضغط السعي وراء الفوز بأول بطولة تحت قيادة غوارديولا. وربما يكون ذلك أسوأ شوط أول يقدمه لاعبو مانشستر سيتي خلال هذا الموسم. الواضح أن فكرة حصد مانشستر سيتي للرباعية كانت قد بدأت تبدو ممكنة قبل مواجهة ويغان، ومع أن بطولة الدوري الممتاز أصبحت شبه مضمونة بالنسبة له، فإن النادي كان سيمنى بالتأكيد بصفعة قوية لو أن البطولات الأربع المنتظرة تقلصت إلى اثنتين فقط في غضون أسبوع واحد فحسب بعد الخروج من كأس إنجلترا.
من ناحية أخرى، فإنه فيما يخص هذه المباراة على وجه التحديد، فإن قدرة آرسنال على «معاقبة نفسه بنفسه»، حسب وصف مدربه آرسين فينغر، فاقت أي أثر سلبي للتوتر الذي أصاب لاعبي مانشستر سيتي. والمؤكد أن هذا الأمر سبب إحباطاً بالغاً للمدرب لأنه في نهاية الأمر نجح في صياغة خطة كانت تحرز نجاحاً على أرض الملعب. يذكر أن فينغر كثيراً ما يتعرض لانتقادات لعدم إدخاله تغييرات كافية على تشكيل فريقه للتكيف مع الفريق الخصم، إلا أنه في هذه الحالة تحديداً فعل ذلك. في هذه المباراة، عاد فينغر إلى الاستعانة بثلاثة لاعبين في خط الدفاع، الأمر الذي لم يفعله منذ الهزيمة التي مني بها فريقه على يد بورنموث منذ أقل عن شهر. وقد دفع فينغر بلاعبيه في عمق شديد لدرجة أن خطة 3 - 4 - 2 - 1 غالباً ما كانت تتحول فعلياً داخل الملعب إلى 5 - 4 - 1.
وكان من شأن الاستعانة بآرون رامزي وجاك ويلشير معاً منذ بداية المباراة وذلك للمرة الأولى منذ 153 مباراة تمكين اللاعبين من الاختراق إلى وسط الملعب. ومع أنه ربما يكون من المضلل الإيهام بأن آرسنال كان مهيمناً على المباراة، تظل الحقيقة أن صفوف مانشستر سيتي تعرضت لهزات عنيفة. وجاءت تمريرات اللاعبين مفتقرة إلى قوتها ودقتها المعتادة. وبذلك تراجع السيل المألوف من الفرص إلى مرات قليلة وهو أفضل ما يتمناه فريق يواجه مانشستر سيتي هذا الموسم.
من جانبه، نجح كلاوديو برافو، الذي يبدو أنه عقد عزمه في أعقاب سلسلة من الحوادث المتعددة على عدم استخدام يديه ثانية قط، في التصدي لمحاولة إحراز هدف لآرسنال مستخدماً بقدمه على نحو ممتاز. من جانبه، جرى فنسنت كومباني بسرعة فاقت بيير إميريك أوباميانغ على نحو يصعب تفسيره وذلك للحصول على الكرة. وبعد ذلك، جاء الدور على مستافي.
وعلى ما يبدو، فإن تشكيل مانشستر سيتي خلال الشوط الأول، مع تمركز كيفين دي بروين إلى اليمين في الوقت الذي تمركز فرناندينيو وإيلكاي غوندوغان وديفيد سيلفا في قلب الملعب، لم يخدم الفريق كثيراً، تماماً مثلما كان الحال مع محاولة الدفع بجميع الأربعة المتمركزين في وسط الملعب نحو طرف الملعب الموسم الماضي، والتي تحولت إلى عامل أسهم في خسارة الفريق لتألقه خلال الفترة الأخيرة من الموسم. إلا أن الأسبوع الأخير أكد أن الفرق الأخرى بمقدورها إصابة مانشستر سيتي بالإحباط، من خلال التمركز في العمق والثلث الأخير، وأن قلب دفاع مانشستر سيتي، حتى مع عودة كومباني إلى قلبه، من الممكن إحداث هزات به عبر شن هجمات مباشرة ضده. ويبدو أن العبء الملقى على عاتق فيرناندينيو لحماية هذا الجزء ضخم للغاية.
وتكشف المباراة الأخيرة أنه حتى مع وجود خطة ممتازة، فإن هذا لا يعني الكثير لو أن اللاعبين تولوا الاضطلاع بمسؤولياتهم على النحو الذي أبداه مستافي. والحقيقة أنه مهما كانت خطتك جيدة ومهما قل عدد الأخطاء التي تقع فيها، فإن مانشستر سيتي ربما يبقى جيداً بما يكفي لتحقيق الفوز. والتساؤل الوحيد القائم الآن: كم عدد الانتصارات التي يمكن لمانشستر سيتي تحقيقها.
لا شك في أن مانشستر سيتي سينهي موسمه بخيبة أمل إذا أخفق في تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخه هذا العام.
وبعد أن حقق فريق المدرب غوارديولا لقب كأس رابطة الأندية الإنجليزية، وإذا كرر الفوز عليه مرة أخرى في مواجهة غدا في الدوري فإنه سيوسع الفارق مع أقرب منافسيه إلى 16 نقطة قبل 10 مباريات من نهاية الموسم. وسيحقق سيتي لقبين على الأقل هذا الموسم، لكن ملاك النادي يطمحون للتباهي بإحراز اللقب الأوروبي.
وبصرف النظر عن عدد البطولات التي سيحققها الفريق في المنافسات المحلية هذا الموسم فإن مانشستر سيتي سيشعر غالبا بالإحباط إذا أخفق في الفوز بدوري الأبطال أيضا. و«يسعى الفريق للفوز بكل الألقاب لكنه يرغب في إحراز لقب دوري الأبطال على وجه الخصوص فهي البطولة التي تراود سيتي منذ قيام الشيخ منصور بن زايد بشراء النادي في 2008 ومن أجل الفوز بهذا اللقب تحديدا تم اختيار غوارديولا لتدريب الفريق».
وفاز سيتي 4 - صفر على مضيفه بازل في ذهاب دور الستة عشر في البطولة لتسهل مهمة الفريق في مباراة العودة على ملعب الاتحاد. لكن آلان شيرر قائد منتخب إنجلترا السابق قال: «تخطى سيتي دور الستة عشر من قبل مرة واحدة حين بلغ قبل النهائي في 2016. إنها القصة القديمة ذاتها، فسيتي يقدم أداء جيدا حتى الآن، لكن لا يمكننا أن نعرف مدى تفوقه بدقة إلا إذا واجه فريقا مثل برشلونة أو بايرن ميونيخ أو الفريق الفائز من ريال مدريد أو باريس سان جيرمان. هذه هي الفرق التي توفر اختبارا حقيقيا».
ويحتاج سيتي للفوز في ست مباريات على أقصى تقدير لضمان الفوز باللقب ومعادلة إنجاز مانويل بيليغريني بالجمع بين لقبي الدوري وكأس الرابطة في 2014. لكن شيرر يعتقد أن فريق غوارديولا يمكنه بلوغ مستويات جديدة مع احتمال تحقيق الثلاثية. وأوضح: «يمكن لمانشستر سيتي أن يحول موسمه الممتاز إلى موسم لا يضاهى إذا نجح في تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا.
مستافي وليس فينغر سبب خسارة آرسنال لكأس الرابطة
التحولات الكبرى في مسار المباريات تقع أحياناً نتيجة أخطاء صغيرة
مستافي وليس فينغر سبب خسارة آرسنال لكأس الرابطة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة