ليس سهلا أن تراهن صحيفة حديثة الولادة على التنافس، لا سيما في بلد يخف وزن الصحف فيه كل يوم نتيجة تقلص رقعة القراء والهجرة شبه الجماعية إلى الأجيال الجديدة من شبكات التواصل علاوة على تبعات الاقتصاد المريض. إلا أن صحيفة «سازندكي» المنبر الإعلامي الجديد لحزب عمال البناء (حلقة الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني) تراهن على مجموعة عوامل لإعلان ولادة صحيفة ورقية قادرة على التنافس في السوق، وتعول في ذلك على عنصري الخبرة والشباب من أجل دخول صراع أكبر هو الحفاظ على تقاليد الصحف الورقية.
انطلقت الصحيفة كأسبوعية قبل نحو عام إلى جانب مجلات وصحف مملوكة لحلقة هاشمي رفسنجاني التي تدير إمبراطورية إعلامية. وكانت الحلقة قد عادت بقوة إلى واجهة المشهد السياسي.
في أقل من أربعة أشهر على وفاة عرابها هاشمي رفسنجاني. حدث ذلك عندما قاد نجل هاشمي رفسنجاني الأكبر، محسن هاشمي ائتلاف المعتدلين والإصلاحيين لفوز كبير في انتخابات مجلس البلدية في مايو (أيار) الماضي. مما منحه حظوظا كبيرة للجلوس على كرسي رئاسة مجلس البلدية، توج فوزه بانتخاب محمد علي نجفي الوزير الإصلاحي الأسبق والمستشار الاقتصادي للرئيس الإيراني حسن روحاني رئيسا لبلدية طهران.
وكان فوز رفسنجاني استمرارا لفوز مرشحي ائتلاف المعتدلين والإصلاحيين في انتخابات البرلمان والرئاسة وهو ائتلاف يدين في تأسيسه لحنكة رفسنجاني الأب قبل أن يغيبه الموت.
والائتلاف يستحوذ اليوم على نحو 65 في المائة من وسائل الإعلام في إيران وهو ينافس بشراسة وسائل إعلام التيار المحافظ والحرس الثوري ومؤسسة المرشد. وسط هذا يلعب المال دورا أساسيا في توازن القوى داخل إيران ولا سيما وسائل الإعلام التي تخضع لقوانين وزارة الثقافة وقرارات لجنة الثورة الثقافية وقانون الإعلام المثير للجدل. وبلا ريب فإن حزب «عمال البناء» أثرى الأحزاب السياسية في إيران.
وحافظ رفسنجاني على وجوده في الساحة الإعلامية منذ بدايات التسعينات في القرن الماضي. وتحول مع مرور الوقت إلى رقم صعب في إدارة وسائل الإعلام الإيرانية بموازاة دوره السياسي. منذ ذاك الحين لعب رجال الرجل البراغماتي (هاشمي رفسنجاني) بشعارات اليساريين (الإصلاحيين لاحقا) في ميدان اليمين (المحافظين). على مدى التسعينات نحج التيار في تسويق نفسه بحمل لواء التكنوقراط وتنشط الحياة السياسية الإيرانية بتعميق خطاب سياسي وإعلامي جديد بعد انغلاق العقد الأول لنظام ولاية الفقيه. يصف حزب «عمال البناء» ما قام به في تلك السنوات بعد عقد عاصف بدأ بالثورة في 1989 وانتهى بنهاية متزامنة لحرب الخليج الأولى والمرشد الأول الخميني في 1989، بأنه «خروج فيل من قلب الظلام» رافعا شعار الواقعية السياسية مقابل المثالية الثورية.
مع ظهور وسائل الإعلام الإصلاحية حاولت وسائل الإعلام المقربة من هاشمي رفسنجاني الحفاظ على وجودها في الجبهة الإصلاحية رغم بعض الخلافات الداخلية بين الإصلاحيين التي أدت إلى تهميش حلقة رفسنجاني. قبل أن تتحول إلى وسائل إعلام معارضة للحكومة مع وصول محمود أحمدي نجاد للرئاسة في 2005. تحركت المنابر الإعلامية التابعة لرفسنجاني في هامش ضيق للحفاظ على الخطاب الإصلاحي والرد على خطاب حكومة أحمدي نجاد التي كانت تمثل أطيافا مختلفة من المحافظين.
تتهم حلقة رفسنجاني، حكومة أحمدي نجاد بشن حملة تطهير لمفاهيمها الإصلاحية من القاموس السياسي ووسائل الإعلام في مجالات الاقتصاد والثقافة والسياسة الخارجية. ولكن تنفست الصعداء مع وصول حسن روحاني إلى الرئاسة في 2003. وعادت الصحف حيويتها السابقة. وتحت تأثيره أبدت أذرع هاشمي رفسنجاني الإعلامية والسياسية والحزبية رغبة ملحة في إعادة نشاطها السابق قبل نهاية فترة رئاسة محمد خاتمي في 2004.
هذا الفضاء الذي عمل على رعايته تيار هاشمي رفسنجاني كان أكثر إغراء للجيل الشاب في إيران من منافسه المحافظ. انفتاح التيار على دعم الصحف الأخرى إلى جانب وسائل إعلام ساعده على تكوين هويته الصحافية الخاصة وبذلك أصبح مدرسة صحافية تناطح المدارس الصحافية التقليدية في إيران والتي انهار قسم كبير منها نتيجة هجرة الصحافيين مع صعود اللجان الثورية في 1979 وتبني ولاية الفقيه.
بداية الأسبوع الماضي، عاد حزب «عمال البناء» إلى تصدر عناوين الساحة الإعلامية من جديد. هذه المرة أراد الحزب تتويج انتصاراته السياسية خلال العام الأخير بإطلاق صحيفة جديدة وذلك لتعزيز دوره في الحياة السياسية خلال السنوات المقبلة وتحقيق مكاسب سياسية جديدة.
وحملت الصحيفة تسمية حزب عمال البناء بالفارسية «سازندكي» لتكون أكثر حزبية من كل المجلات والصحف التي تعود ملكيتها لحلقة رفسنجاني. وكانت الصحيفة بدأت عملها كأسبوعية وصدر منها 15 عددا وحملت شعار أول «مجلة صباحية في إيران».
ويقود قمرة القيادة في صحيفة «سازندكي» أبرز الصحافيين الإيرانيين محمد قوتشاني، مما يرشح الصحيفة لتكون منافسة للصحف الكبيرة وهي مرشحة لتكون أفضل صحيفة إيرانية والأكثر انتشارا بسبب خبرة إدارة التحرير وقوة المال والسجل الإعلامي لحزب عمال البناء.
وترأس قوتشاني المولود في سبتمبر (أيلول) 1976 رئاسة سبع صحف إيرانية هي «اعتماد ملي وشهروند امروز وهم ميهن وإيراندخت وآسمان وصحيفة مردم امروز وشرق وأسبوعية آسمان وأسبوعية «صدا» فضلا عن مجلات النخب الإيرانية «سياست نامه» و«مهرنامه».
ويعد اسم قوتشاني مغريا للإيرانيين لأنه رئيس التحرير الذي يحمل الرقم القياسي للصحف الموقوفة في إيران كما أن الصحف والمجلات التي ترأسها قوتشاني كانت علامة فارقة في زمن إصدارها بسبب جودة المواد. كانت صحيفة «مردم امروز» آخر صحيفة ترأسها قوتشاني. نزلت لكشك الصحف لأول مرة في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2014 وأغلقت في 19 يناير (كانون الثاني) 2015. وذلك بسبب تضامنها المثير للجدل في عددها الصادر يوم 13 يناير 2015 مع صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة بعد تعرضها لهجوم إرهابي في 7 من يناير 2015. كانت الصحيفة قد نشرت على صفحتها الأولى نجم السينما جورج كلوني وهو يقول: «أنا شارلي».
يتبنى قوتشاني إلى جانب الطابع الخبري للصحف، التركيز على كتابة التقارير والمواد التحليلية. وغالبا ما شكلت المواد التحليلية في الصحيفة. ويقول قوتشاني في حوار مع صحيفة «اعتماد» الإيرانية حول الصحيفة الجديدة إن الجانب الخبري في الصحيفة بإمكانه أن يترك حركة جديدة في الوسط الصحافي الإيراني لكنه في الوقت نفسه يعطي الأهمية للاستمرارية وهو ما يراه المشكلة الأساسية للصحف هذه الأيام.
ولوحظ أن الصحيفة في الأسبوع الأول واجهت ترحيبا من الإيرانيين. ودخلت عشرات المعلقين على صفحة رئيس التحرير للتعريب عن سعادتهم بدخوله مرة أخرى للساحة الإعلامية الإيرانية. كما أن أكثر التعليقات كانت تشير إلى مشكلة في توزيع الصحيفة خلال الأيام الأولى. ويقول قوتشاني إن الصحيفة تواجه طلبا متزايدا لكنها تواجه عقبة التوزيع. وينتقد كثرة الصحف الصادرة في العاصمة كما أنه يلفت إلى أن المحلات المخصصة لبيع الصحف «آخر همها الآن بيع الصحف».
وترفض الصحيفة النشر الإلكتروني للمواد مع نشر محدود للافتتاحية ومقالات الرأي الخاصة بالصحافية. لا تملك موقعا على شبكة الإنترنت ولا توزع نسخا بصيغة بي دي إف إلا العدد الأول. وأطلقت الصحيفة حسابات على مواقع التواصل واقتصرت نشر موادها في شبكة تلغرام بشكل صورة للصفحات ولكن بجودة ضعيفة لتشجيع القراء على شراء نسختهم الورقية.
ويقلل قوتشاني من أهمية تأثير شبكات التواصل على بيع الصحف ويستند في ذلك إلى وضع الصحف في الدول التي تعد موطنا لصناعة تلك التطبيقات وتمتاز بسرعة الإنترنت. وبموازاة ذلك ينتقد الرقابة على الصحف الإيرانية ويقول إن الصحف متضررة من المشكلات السياسية في إيران. كما يشير إلى تراجع القراءة وثقافة قراءة الصحف في إيران.
ويتوقف قوتشاني عند ظاهرة عالمية جديدة في تحول الصحف اليومية إلى أسبوعية والأسبوعية إلى شهرية والشهرية إلى فصلية وتغيير المحتوى تحت تأثير سرعة انتشار الأخبار في شبكات التواصل. إلا أنه بنفس الوقت يقول: إن صحيفته الجديدة قائمة على تحليل الخبر بسرعة ونشره بشكل مختلف في اليوم التالي. انطلاقا من ذلك يقول قوتشاني إن الصحف لديها واجب أساسي الآن وهو إعادة تعريفها اليوم.
يبلغ عدد صفحات «سازندكي» 32 صفحة وهي تعتمد رسوم الغراف. كما تركز الصحيفة على إبراز صورة العنوان الرئيسي على الصفحة الأولى مع نشر إشارات لأهم المواد. بحسب قوتشاني الصحيفة عبارة عن «مجلة يومية» تعتمد على 15 قصة أساسية في كل المجالات وموزعة على الصفحات أي لكل صفحتين قصة إضافة إلى كوادر لأخبار قصيرة وكوادر لأهم ما تناولته الصحف والمجلات المحلية والعالمية.
ويدافع قوتشاني عن حزبية الصحيفة وتبني خطاب حزب عمال البناء ويقول: إن من شأن ذلك أن يمنحها التميز وسط الصحف الإيرانية لافتا إلى أن الصحف التي تتبنى الخطاب الحزبي في العام لا تتجاوز 15 صحيفة تشمل أهم الصحف الأميركية والفرنسية والبريطانية.
في اليوم الأول من أسبوعها الثاني كتبت في تعليق مقتضب تحت صورة الصفحة الأولى أن شوق قراءة الصحف يثار ببطء لكن الصحف حية.
«سازندكي» الحزبية الوافد الجديد على أكشاك الصحافة الإيرانية
نافذة من «عمال البناء» بعد فوز نجل رفسنجاني في انتخابات مجلس بلدية طهران
«سازندكي» الحزبية الوافد الجديد على أكشاك الصحافة الإيرانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة