الاتحاد الوطني الكردستاني إلى أين؟

قياديون لـ {الشرق الأوسط} : تدخلات ومؤامرات خارجية تستهدف حزبنا

الاتحاد الوطني الكردستاني إلى أين؟
TT

الاتحاد الوطني الكردستاني إلى أين؟

الاتحاد الوطني الكردستاني إلى أين؟

عندما تأسس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة السياسي الراحل جلال طالباني، في الأول من يونيو (حزيران) 1975، كانت الساحة السياسية في كردستان العراق تخلو تماماً من أي تنظيم سياسي كردي، إثر انهيار الثورة الكردية التي قادها الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة الراحل ملا مصطفى بارزاني.
وبعد تأسيسه بأشهر قليلة، أعلن الاتحاد الوطني اندلاع الثورة الكردية من جديد ضد نظام الحكم العراقي وقتذاك، وكأنه أراد أن يكون بديلاً للحزب الديمقراطي الكردستاني على الساحة السياسية، فخاض على مدى عقد ونصف العقد صراعاً عسكرياً مريراً في جبال كردستان، ليس ضد نظام الحكم في بغداد وحسب، بل ضد معظم التيارات والتنظيمات السياسية الكردية اليسارية الأخرى التي توالت في الظهور، مثل الحزب الاشتراكي الكردستاني، وراية الثورة (ذي النهج الماركسي)، وكذلك ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي قرر العودة إلى معترك العمل المسلح واستئناف مسيرته، إضافة إلى صدامه المسلح والمباشر مع الحزب الشيوعي العراقي.
بيد أن حنكة طالباني السياسية وتبصره غيرا المعادلات السياسية، وقلبتا موازين القوى داخل البيت الكردي رأساً على عقب في نهاية المطاف، فتحول الاتحاد الوطني إلى حاضنة ثورية استقطبت القوى اليسارية الكردية بمختلف مشاربها، وبوتقة انصهرت فيها توجهات وانتماءات ورؤى فكرية وسياسية متقاطعة، لكنها ظلت تتفاعل وتتشاحن مع بعضها بعضاً، ضمن إطار الاتحاد الوطني، وتحت هيمنة طالباني الذي نجح بجدارة في حفظ التوازنات بين أصحاب وأنصار كل تلك التوجهات المتقاطعة، صوناً لتماسك أركانه ومراكزه الداخلية.
واستمر الوضع الداخلي للاتحاد على تلك الحال حتى عام 2008، عندما طفح الكيل بالرجل الثاني في الحزب آنذاك، وأحد أبرز مؤسسيه، نوشيروان مصطفى، الذي قرر الانشقاق الهادئ وتشكيل حركة سياسية باسم «التغيير»، سرعان ما استقطبت عدداً كبيراً من خيرة كوادر وقادة الحزب الساخطين على أمور كثيرة، في مقدمتها الصراعات الداخلية وأسلوب إدارة الحزب، وقلصت كثيراً من قاعدة الاتحاد الجماهيرية، بل ومن حجمه في برلمان إقليم كردستان وحكومته.
وبعد رحيل طالباني العام الماضي، تفاقمت المشكلات الداخلية في الحزب، واشتدت الصراعات السياسية بين الأقطاب والأجنحة المقاطعة، وتكرر المشهد ثانية بانفصال الرجل الثاني والقيادي الأبرز في الحزب، برهم صالح، الذي أسس قبل أشهر حزباً جديداً سماه «تحالف الديمقراطية والعدالة».
ورغم كل هذه العواصف، فإن القيادي البارز الناطق باسم الاتحاد، سعدي أحمد بيرة، يجزم أن حزبه ما زال قوياً متماسكاً من الداخل، رغم كل ما حصل أو قد يحصل، لأنه حزب جماهيري يناضل منذ 5 عقود تقريباً، على حد تعبيره، وله جذور ضاربة في عمق المجتمع الكردي، ويمتاز بقاعدة جماهيرية واسعة لن تتخلى عنه مهما كانت الظروف.
ويضيف بيرة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ما حصل في عهد نوشيروان مصطفى قبل 10 سنوات كان نتيجة للخلافات الداخلية على أسلوب إدارة الحزب. أما الذي حصل قبل أشهر، أي انشقاق برهم صالح، فقد جاء بفعل تضارب المصالح، وتدخلات قوى خارجية».
وعلى مدى 43 عاماً من مسيرته السياسية، لم يعقد الاتحاد الوطني سوى 3 مؤتمرات، كان آخرها عام 2010، انتخب فيها طالباني دوماً بالإجماع سكرتيراً عاماً وقائداً عاماً لمقاتلي الحزب (البيشمركة)، في حين ينص المنهاج الداخلي للحزب على وجوب عقد المؤتمر الموسع مرة كل عامين، ويعلل بيرة أسباب عدم انعقاد المؤتمر الموسع في موعده بجملة أسباب، في مقدمتها الوعكة الصحية التي ألمت بطالباني عام 2011، ثم اندلاع حرب «البيشمركة» ضد تنظيم داعش عام 2014، إضافة إلى موجة الهزات والانشقاقات التي ضربت الحزب، ناهيك عن ضعف القيادة الراهنة في إدارة شؤونه.
ويضيف: «هناك إجماع على المؤتمر الذي سينعقد هذا العام بلا شك، إذ إن اللجان المكلفة بالتحضير للمؤتمر أنجزت معظم الترتيبات اللازمة، لكن الاختلاف ما زال قائماً حول التوقيت، فنحن بحاجة إلى مؤتمر نوعي يتفق بشأنه الجميع، لا إلى مؤتمر يخضع لمنطق الأغلبية والأقلية، بمعنى أن المشكلات الداخلية القائمة بين أجنحة الحزب ينبغي حلها عبر تفاهمات وتوافقات سياسية مسبقة، وإلا فإن عقد المؤتمر يعتبر أمراً غير صائب».
وبحسب كثير من القياديين، فإن الاتحاد ربما سيلغي منصب السكرتير العام، الذي ظل من نصيب طالباني منذ تأسيس الحزب، وكذلك المكتب السياسي، وغيره من المراكز القيادية التي أدارت شؤونه خلال فترة العمل السري في الجبال، وسيعيد خلال المؤتمر هيكلة مفاصل الحزب بما يجعله حزباً جماهيرياً.
ويرى آسوس علي، عضو الهيئة القيادية في الاتحاد، أن الحزب سيتجه بعد المؤتمر المرتقب نحو المزيد من التماسك والقوة، وسيعيد ترتيب أوراقه استعداداً للقيام بمهامه المستقبلية على نحو أفضل، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ما أثق فيه تماماً هو أن منصب السكرتير العام للحزب سيلغى خلال المؤتمر، لأن طالباني وحده كان جديراً بذلك الموقع، وليس من السهل إيجاد من يحل محله، لذلك سيتم وضع آلية جديدة لقيادة الحزب مستقبلاً».
ويؤكد علي أن القيادة الجديدة التي ستتمخض عن المؤتمر ستكون قادرة بلا شك على حسم تلك الصراعات والمشكلات الداخلية، والانتقال بالحزب إلى مرحلة جديدة يكون فيها متماسكاً وأقوى من أي مرحلة مضت، لا سيما أن كوادر وقواعد الاتحاد صارت تضغط على قيادتها باتجاه إعادة تنظيمه، بما يؤهله للقيام بمهام المرحلة المقبلة.
وفيما يتعلق باستعدادات الاتحاد الوطني لخوض المعركة الانتخابية المقبلة في العراق وإقليم كردستان، ومدى تأثير أحداث كركوك والمناطق المتنازع عليها، وما رافق تلك الأحداث في 16 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من اتهامات وجهت إلى قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، يؤكد علي أن ما جرى في كركوك كان مؤامرة كبيرة حيكت في الخارج ضد الاتحاد الوطني بغرض النيل منه ومن قاعدته الجماهيرية، وأردف: «حزبنا حافظ على كركوك، وحال دون حدوث كارثة فيها، وحقن دماء آلاف المدنيين ومقاتلي البيشمركة، ولولاه لضاعت كركوك كلياً، ولدينا أدلة ووثائق دامغة تثبت صدق مواقفنا، وسيتم الإعلان عنها قريباً ليشهد التاريخ على أبعاد المؤامرة التي حيكت ضد كركوك والاتحاد، والتي ستترك أثرها السلبي بلا شك على حزبنا في المعركة الانتخابية، لكننا واثقون تماماً أن ناخبي الاتحاد في كركوك وكردستان قادرون على قلب الموازين لصالحنا».
وتؤكد قيادة الاتحاد وأدبياته أن الضريبة السياسية التي يدفعها الحزب منذ نشأته إلى يومنا هذا، من هزات وانشقاقات متتالية تطال صفوفه الداخلية، مردها إلى استقلالية الاتحاد في قراراته السياسية، وعدم خضوعه للأجندات والإملاءات الخارجية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.