عباس يطالب مجلس الأمن بمؤتمر دولي للسلام يوقف الاحتكار الأميركي

هيلي تحدته باختيار «طريق التفاوض والمساومة» إذا توافرت «الشجاعة»

TT

عباس يطالب مجلس الأمن بمؤتمر دولي للسلام يوقف الاحتكار الأميركي

قدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في خطاب نادر أمام أعضاء مجلس الأمن أمس الثلاثاء، رؤيته لتحقيق السلام مع إسرائيل، مطالباً بوقف احتكار الوساطة التي تقوم بها الولايات المتحدة وعقد مؤتمر دولي في منتصف السنة الحالية، تشارك فيه الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس وأطراف الرباعية، على أن يؤدي، ضمن مهل زمنية محددة ووفقاً لقرارات الشرعية الدولية، إلى قبول دولة فلسطين عضواً كاملاً في الأمم المتحدة وتبادل الاعتراف بين دولة فلسطين ودولة إسرائيل على حدود عام 1967.
وشارك في الجلسة المندوبون الدائمون للدول الـ15 الأعضاء في المجلس، بالإضافة إلى الرئيس عباس، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ووزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي. وحضر مع المندوبة الأميركية، نيكي هيلي، كل من صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، المستشار الرفيع للبيت الأبيض حول عملية السلام في الشرق الأوسط جاريد كوشنر، والمبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط جايسون غرينبلات.
وألقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، كلمة قصيرة أكد فيها التزام المنظمة الدولية «دعم الأطراف للوصول إلى حل الدولتين»، لأن «لا خطة باء» يمكن أن تنجح. وطالب بـ«التراجع عن الإجراءات التي من شأنها أن تذهب إلى دولة واحدة». وتبعه المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، الذي حذر من «عواقب وخيمة» لأي فشل لعملية السلام.
وبعد ذلك، قدم الرئيس الفلسطيني خطة للسلام تعالج الإشكالات الجوهرية التي تسببت بفشل مساعي السلام طوال عقود، قائلا: «ندعو إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في منتصف عام 2018، يستند لقرارات الشرعية الدولية، ويتم بمشاركة دولية واسعة تشمل الطرفين المعنيين، والأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة وعلى رأسها أعضاء مجلس الأمن الدائمين والرباعية الدولية، على غرار مؤتمر باريس للسلام أو مشروع المؤتمر في موسكو كما دعا له قرار مجلس الأمن 1850»، أن تؤدي نتائج المؤتمر إلى «قبول دولة فلسطين عضواً كاملاً في الأمم المتحدة، والتوجه لمجلس الأمن لتحقيق ذلك، آخذين بعين الاعتبار قرار الجمعية العامة 67/ 19 لسنة 2012، وتأمين الحماية الدولية لشعبنا»، وإلى «تبادل الاعتراف بين دولة فلسطين ودولة إسرائيل على حدود عام 1967».
وطالب عباس بـ«تشكيل آلية دولية متعددة الأطراف تساعد الجانبين في المفاوضات لحل جميع قضايا الوضع الدائم حسب اتفاق أوسلو: وهي القدس، والحدود، والأمن، والمستوطنات، واللاجئون، والمياه، والأسرى وذلك لإجراء المفاوضات ملتزمة بالشرعية الدولية، وتنفيذ ما يتفق عليه ضمن فترة زمنية محددة، مع توفير الضمانات للتنفيذ». واقترح أن تتوقف خلال فترة المفاوضات جميع الأطراف عن اتخاذ الأعمال الأحادية، وبخاصة منها تلك التي تؤثر على نتائج الحل النهائي، حسب المادة 31 من اتفاق أوسلو لعام 1993، وعلى رأسها وقف النشاطات الاستيطانية في الأرض المحتلة من عام 1967 وبما فيها القدس الشرقية، وتجميد القرار الذي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ووقف نقل السفارة الأميركية للقدس، التزاماً بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وبخاصة قراري مجلس الأمن 476 و478 مقابل «عدم انضمام دولة فلسطين إلى 22 من المنظمات الدولية من أصل 500 منظمة ومعاهدة».
وحض الرئيس الفلسطيني على «تطبيق مبادرة السلام العربية كما اعتمدت، من الألف إلى الياء، وعقد اتفاق إقليمي عند التوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين». وشدد على أن «الأسس المرجعية» لأي مفاوضات قادمة، هي «التزام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وبما يشمل قرارات مجلس الأمن 242، و338 وصولاً للقرار 2334، ومبادرة السلام العربية، والاتفاقيات الموقعة»، فضلاً عن «مبدأ حل الدولتين، أي دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية، لتعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل على حدود 4 يونيو 1967 ورفض الحلول الجزئية والدولة ذات الحدود المؤقتة»، معلناً «قبول تبادل طفيف للأرض بالقيمة والمثل بموافقة الطرفين»، على أن تكون «القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين، وتكون مدينة مفتوحة أمام أتباع الديانات السماوية الثلاث»، و«ضمان أمن الدولتين دون المساس بسيادة واستقلال أي منهما، من خلال وجود طرف ثالث دولي» والتوصل إلى «حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار 194، وفقاً لمبادرة السلام العربية واستمرار الالتزام الدولي بدعم وكالة (غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى) الأونروا لحين حل قضية اللاجئين». وأكد أخيراً أنه «مستعد للذهاب مشياً على الأقدام إلى أبعد مكان في الدنيا من أجل الحصول على حقوقنا، وغير مستعدين للتحرك إنشاً واحداً إذا أراد أحد منا التنازل عن هذه الحقوق».
وعلى الأثر، قال المندوب الإسرائيلي الدائم لدى الأمم المتحدة، داني دانون، إنه يريد مخاطبة الرئيس عباس على رغم أنه خرج من القاعة بعد انتهاء خطابه، فقال: «أوضحت أنك بكلامك وبأفعالك، لم تعد جزءاً من الحل. بل أنت المشكلة». وأضاف: «كنا ننتظر أن نتحاور مع الرئيس محمود عباس لكنه اختار الفرار». واعتبر أن إسرائيل «تنتظر قائداً شجاعاً مثل (الرئيس المصري الراحل) أنور السادات و(العاهل الأردني الراحل) الملك حسين (بن طلال) يأتي إلى القدس من أجل السلام، ونتطلع ليوم يصير للشعب الفلسطيني قيادة تربيه على التسامح». وكرر أن «المسافة بين رام الله والقدس أقرب كثيراً من المسافة من رام الله إلى نيويورك»، معتبراً أن «الإدارة الأميركية الراهنة تعمل بجد مجدداً من أجل إحراز تقدم في اتجاه السلام. ولكن السيد عباس يتطلع جاهداً إلى عذر». ورأى أن القدس «ستبقى العاصمة الموحدة لدولة إسرائيل إلى الأبد».
وتحدثت المندوبة الأميركية، فأسفت على أن الرئيس عباس خرج من القاعة، معتبرة أن الولايات المتحدة «ارتكبت خطأ جدياً» عندما سمحت بإصدار القرار 2334. وقالت: «أجلس هنا اليوم لأمد يد الولايات المتحدة إلى الشعب الفلسطيني في سبيل السلام»، معتبرة أن أمام القيادة الفلسطينية «الاختيار بين مسارين مختلفين. هناك طريق المطالب المطلقة، خطاب الكراهية والتحريض على العنف»، الذي «لم يوصل إلى أي شيء سوى المشقة للشعب الفلسطيني». واقترحت «طريق التفاوض والمساومة» الذي «أثبت أنه نجح» مع مصر والأردن، معتبرة أن «هذا الطريق لا يزال مفتوحاً أمام القيادة الفلسطينية، إذا كانت لديها الشجاعة الكافية لسلوكه». وأكدت أن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس «لن يتغير»، مطالبة عباس بأن «يضع جانبا غضبه حول موقع سفارتنا، وأن نمضي نحو التوصل إلى حل وسط تفاوضي ينطوي على إمكانات كبيرة لتحسين حياة الشعب الفلسطيني». ورحبت بـ«تفكير جديد»، مبدية استعداد الولايات المتحدة للعمل مع القيادة الفلسطينية: «إذا اختارت ذلك».
وقال المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا إن «هناك حاجة إلى إحياء المفاوضات المباشرة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على أسس دولية متفق عليها، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن ومبادرة السلام العربية»، مؤكداً أن بلاده «مستعدة لاستضافة هذه المحادثات».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».