كشف التقرير السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن لعام 2018، أن الصين وروسيا تتحديان الهيمنة العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها، الأمر الذي باتت تداعياته ظاهرة على مناطق النزاع في منطقة الشرق الأوسط.
وخلال جلسة أقامها المعهد لإطلاق تقرير «التوازن العسكري لعام 2018» في مقره بالعاصمة البريطانية أمس، ناقش الخبراء أبرز التحديات الأمنية التي تواجه العالم، وعلى رأسها التغييرات بموازين القوى الدفاعية. وأدار الجلسة الدكتور جون تشيبمان، المدير العام والرئيس التنفيذي للمعهد بمشاركة معدي التقرير. وقال تشيبمان، إنه في حين أن «حروب القوى العظمى ليست حتمية النشوب في الوقت الراهن، إلا أن جيوش الدول الثلاث الرئيسية الكبرى (الولايات المتحدة والصين وروسيا) شرعت في جهود الاستعداد الممنهج لاحتمالات نشوب الصراع».
من جانبه، أكد إيميل الحكيم، محلل لشؤون الشرق الأوسط لدى المعهد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش الجلسة، أن «دول المنطقة وبالأخص دول الخليج تبذل جهودا للتأقلم مع التغيرات الطارئة على موازين القوى العالمية»، مشيرا إلى أن تلك التحركات «بدأت في عهد أوباما الذي اختار اتباع استراتيجية تقليص الوجود الأميركي في المنطقة». وأضاف: «الآن، تحت إدارة ترمب، لم تتضح معالم الاستراتيجية بشكل تام، لذا قرر اللاعبون الرئيسيون في المنطقة تأسيس علاقات استراتيجية جديدة مع قوى أخرى مثل روسيا والهند والصين وأوكرانيا وغيرها». شارحا: «وأبدت كل من السعودية وتركيا وقطر اهتماما بشراء منظومة (S - 400) الدفاعية الصاروخية الروسية المتطورة، وهو أمر في غاية الأهمية ويحمل رسالة واضحة». كما يشير التقرير إلى أن كلا من السعودية ومصر والإمارات والعراق باتت تعتمد على طائرات من دون طيار من تصنيع صيني.
ونوه إيميل بأن المنطقة تواجه عدة تهديدات، و«مع أن (داعش) قد تمت هزيمته إلا أن غياب المصالحة السياسية وإعادة الهيكلة قد تؤول إلى عودة خطر التطرف بهيئة أخرى». وأضاف: «تشكل إيران أيضا تهديدا على أمن المنطقة، ومن الأخطار الأخرى المتنامية هي الميليشيات الشيعية العابرة للحدود التي تدعمها إيران وتوظفها لخدمة مصالحها في دول عربية».
ووفق التقرير، تشدد القوى الكبرى على تركيزها في مجال الأسلحة النووية، مع كل من الصين وروسيا والولايات المتحدة التي تعيد جميعها رسملة وتحديث قواتها النووية. وتقود قدرات هزيمة الدفاعات الصاروخية جهود التطوير في أنظمة التوجيه والتسليم لدى الصين وروسيا، مع كلا البلدين اللذين يتابعان جهود تطوير محركات الانزلاق الفائقة لسرعة الصوت.
طموح دفاعية صينية
كشف المعدون أن بكين بشكل خاص تتبنى أهدافا طموحة، حيث زادت الصين من تسليح جيشها بشكل هائل منذ سنوات، وذلك على خلفية نزاعاتها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الغربي. وفي الوقت ذاته، تسعى بكين للتأكيد على أحقيتها في أن تكون دولة عظمى صاعدة، حيث تنتهج سياسة تطوير الجيش في ظل رئاسة شي جينبينغ، حيث طورت على سبيل المثال طائرة «تشينغدو J20 » وهي طائرة شبح لديها قدرة على التخفي من الرادارات، مما يجعلها منافسا للولايات المتحدة التي كانت تحتكر هذا المجال، حسبما جاء في التقرير.
وكانت الولايات المتحدة هي الوحيدة على مستوى العالم التي تصنع هذه الطائرات الشبح، وتستخدمها، حيث تعجز الرادارات عن رصدها. كما تمتلك الصين صاروخ جو - جو جديد «PL15» حسبما أوضح تشيبمان. ويبدو أن هذا السلاح الجديد مجهز برادار المسح الذي يعمل بالمصفوفات الإلكترونية، وهو الرادار الذي انضمت الصين في جهود إنتاجه إلى مجموعة من الدول التي تملك المقدرة على دمج تلك القدرات المتقدمة في نظم صواريخ جو - جو المتطورة. كما تتبنى الصين أهدافا طموحة في مجال البحرية، حيث كان عدد السفن الحربية والمدمرات والفرقاطات والغواصات التي صنعتها الصين منذ عام 2000 أكثر مما صنعته اليابان وكوريا الجنوبية والهند معا. كما تعمل القوات البحرية الصينية على نشر مزيد من القوات في مناطق أخرى بما في ذلك القارة الأوروبية. وتنشئ الصين حاليا أول قاعدة عسكرية لها خارج البلاد في جيبوتي من شأنها نشر مزيد من القطع البحرية.
تطوير في روسيا وأوروبا تطبق توجيهات واشنطن
بالنسبة إلى روسيا، كشف تشيبمان أنه رغم استمرار القوات المسلحة الروسية في استحداث المعدات الجديدة، فإن التحول الكبير في العتاد العسكري يتحرك بوتيرة أكثر بطئا مما هو متوقع من روسيا، وذلك لأن البلاد تواجه كثيرا من أوجه النقص والقصور في التمويل وعيوب التصنيع الدفاعي.
ومع ذلك، لا تزال موسكو تعرب عن استعدادها الدائم لاستخدام قواتها في الميادين القريبة من حدودها وفي الخارج أيضا. وعلى النقيض من الصين، فإن روسيا تملك القدرة على استخلاص الفوائد المباشرة من التطبيق الحقيقي الواقعي للقوة العسكرية في الوقت الذي تعمل فيه على تحديث خططها لتطوير المعدات والأفراد.
وفي الأثناء ذاتها، فإن الأرقام الواردة في تقرير التوازن العسكري لعام 2018 تعكس أن أوروبا شهدت أسرع نمو في العالم عندما يتعلق الأمر بقدرات الإنفاق الدفاعية الفعلية في عام 2017، وفي حين أن الزيادة المسجلة في الإنفاق الدفاعي الأوروبي تدين بالفضل لشيء من التوجيهات الأميركية للقادة في أوروبا بشأن تعزيز قدرات التمويل العسكري، إلا أنها ناجمة أيضا عن التغيير في تصورات التهديدات فيما بين الدول الأوروبية.
ومع ذلك، تشير الأرقام التي يضمها التقرير كذلك إلى أن الاستثمارات الدفاعية الأوروبية المتنامية لا تزال غير موجهة لتعزيز جهود القوات المسلحة الأوروبية لمجابهة التحديات المستقبلية. وهناك حاجة ملحة إلى الإنفاق الذكي لأجل المساعدة في التصدي للتهديدات المتوقعة، في حين أن قيود الميزانية والإمكانات المستقبلية تعني أنه سوف يكون من المهم أيضا تطوير أساليب جديدة للعمل.
ومن شأن بعض الحكومات في الغرب أن تسعى للحصول على تقنيات «الوثب المتقدم للأمام»، بغية تحديث وتعزيز قواتها العسكرية وقدرات التسليم المتقدمة، غير أن هذه التقنيات والقدرات لا يمكن اعتبارها من ضمانات النجاح التام. إذ إن التطورات العسكرية الصينية الناشئة في مجال التسلح، إلى جانب التقدم المطرد على مسار التقنيات الدفاعية يعزز من قدراتها من مستوى «المواكبة» و«اللحاق بالركب» الغربي إلى أن تكون الصين الدولة الأولى عالميا في الابتكارات الدفاعية. ولقد افتقد الغرب بالفعل ميزة الاحتكار في مجال الابتكارات والإنتاج الدفاعي على مستوى العالم، أو في مجال التمويل المطلوب لتمكين هذه الابتكارات. وفي واقع الأمر، لعل الصين هي الدولة التي سوف تحظى بالوثب إلى الأمام في هذا المضمار. ولكن لكي تتمكن الصين من استخدام قدراتها العسكرية لتحقيق أفضل النتائج المنشودة، سوف تحتاج إلى إجراء تحسينات مماثلة على مسار التدريب، والعقيدة القتالية، والتكتيكات الحربية.
ويحلل التقرير الشامل والسنوي على مدى عدة مئات من الصفحات القوة العسكرية وصناعة التسلح لـ171 دولة. كما يعتبر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي تأسس في لندن عام 1958 إلى جانب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) أهم مؤسستين عالميتين في تقييم الصراعات الدولية.
الاقتصاد الدفاعي بالأرقام
* شهد معدل الإنفاق الدفاعي للدول نمواً بنسبة 1.43 % في عام 2017
* شهدت القارة الآسيوية نمواً بنسبة 2.2 % في مجال الإنفاق الدفاعي لعام 2017
* أنفقت الصين 150.5 مليار دولار لتطوير ترسانتها العسكرية عام 2017
* تعهدت روسيا العام الماضي ضبط إنفاقها الدفاعي بمقدار 59 مليار دولار سنوياً ما بين عامي 2018 و2020 بعدما كانت قد اضطرت إلى تخفيض إنفاقها بنسبة 10 % عام 2016 و9 % عام 2017
* ارتفع الإنفاق الدفاعي في القارة الأوروبية بنسبة 3.6 % عام 2017