تعالت بالجزائر دعوات إلى «التعقل والحكمة» في النزاع الحاد بين الحكومة ونقابتي الأطباء وأساتذة التعليم المضربين منذ أسابيع. وفيما دعت الأحزاب الموالية للسلطة إلى «الصرامة والحزم» مع المضربين، بذريعة أن أوضاع البلاد المالية والأمنية «لا تتحمل مزيداً من الضغط»، اقترحت المعارضة إجراء لقاء كبير بين المضربين والوزراء المعنية قطاعاتهم بالاحتجاج بغرض حل الأزمة.
وأعلنت المجموعات البرلمانية لأحزاب «جبهة التحرير الوطني» (أغلبية)، و«التجمع الوطني الديمقراطي» (يتزعمه رئيس الوزراء أحمد أويحيى)، و«تجمع أمل الجزائر»، و«الحركة الشعبية الجزائرية»، وقوفها مع الحكومة ضد حركة الاحتجاج الجارية حالياً في المستشفيات والمدارس الحكومية، وقالت في وثيقة مشتركة أمس إن «ما يجري من حركات في بعض القطاعات أخذ منحى غير مبرر»، في إشارة إلى رفض نقابتي الأطباء وأساتذة التعليم دعوة الحكومة إلى تعليق الإضراب كشرط للجلوس إلى مائدة المفاوضات.
ودعا البيان المضربين إلى «التعقل»، ووقف الحركة الاحتجاجية، والعودة إلى العمل «حفاظاً على مصير ومستقبل التلاميذ والطلبة ومصلحة المرضى»، وناشدهم «اعتماد الحوار وسيلة لتحقيق المطالب المشروعة».
وتطالب نقابة الأطباء بإلغاء الخدمة المدنية بعد نهاية سنوات التخصص (4 أو 5 سنوات بحسب الاختصاص، إضافة إلى 7 سنوات في الطب العام)، التي تجبرهم على العمل بين سنة و4 سنوات في المناطق النائية. وزيادة على ذلك، يؤدي الذكور منهم سنة إضافية عبارة عن خدمة عسكرية. كما يطالب الأطباء أيضاً بتحسين مستوى التعليم في التخصص، ومراجعة القانون الأساسي للطبيب المقيم، إضافة إلى الاستفادة من الإعفاء من الخدمة العسكرية بعد سن الثلاثين. أما أساتذة التعليم، فإن مطلبهم الرئيسي ينحصر في الزيادة في الأجور، وتحسين ظروف التدريس.
واقترحت «حركة مجتمع السلم» الإسلامية، أهم أحزاب المعارضة، «إطلاق لجنة برلمانية» تتكفل بإجراء وساطة بين النقابتين والحكومة لحل الأزمة، التي قال عنها حزب الأغلبية إنها «تخفي نيات غير بريئة لقطع الطريق أمام ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية ثانية».
وذكر الحزب الإسلامي أن الإضراب «ظاهرة طبيعية، وحراك اجتماعي صحي، غير أنه يعكس أيضاً فشل منظومة الحكم بأكملها، لعدم الوفاء بالتزامات الحكومة حيال أغلب الفئات العمالية»، ودعا إلى «معالجة شاملة، وتكفل تامٍ بكل الفئات، وعدم التمييز بين المحتجّين في كل القطاعات: التربية والصحة والتعليم العالي ومتقاعدي الجيش، مع إيماننا بأن الحل لا يقدر عليه الوزير الأول، ولا الوزراء لوحدهم، بل لا بد من قرارٍ وإرادةٍ سياسية عليا من مجلس الوزراء، وليس من مجلس الحكومة»، وأوضح «مجتمع السلم» أنه يحذر من الغليان الاجتماعي و«العجز عن التعاطي الإيجابي معه، لأن ذلك يزيد الأزمة الاجتماعية تعقيداً، وستتطور لتصبح أزمة سياسية وأمنية نحن في غنى عنها».
يشار إلى أن عدة قطاعات أخرى لوحت بالإضراب، خصوصاً أساتذة التعليم العالي والأطباء البياطرة.
وفي هذا السياق، قال ناصر جابي، الباحث الشهير في قضايا المجتمع، إن «كل الجزائريين توقعوا أن تكون 2018 سنة للحراك الاجتماعي المطلبي.
والحكومة نفسها توقعت الشيء نفسه، وزادت عليه القول إن سنة 2019 ستكون أصعب. والغريب أن توقعات الحكومة ومؤسسات الدولة الأخرى لم تترجم في استراتيجية واضحة للتعامل مع هذا الحراك. نحن نشهد حالياً تخبطاً من جانب الحكومة في التعامل مع حركات الاحتجاج، ورئيس الوزراء الغائب عن الأحداث كان يتوقع حالة التذمر التي تعرفها البلاد.
أما الوزراء الذين يواجهون الإضرابات، فلا يعرفون ماذا يقولون، ولا كيف يتصرفون، وبماذا يصرحون، مشدداً على أن «التهديد بالمساس بالحقوق الدستورية للجزائريين، كالحق في الإضراب، وحتى التلميح بحل النقابات، يؤدي إلى استجلاب ضغوط دولية على الجزائر، ناهيك بالانزلاقات التي يمكن أن تنتج عن وضع كهذا».
مخاوف من تطور الاحتقان في الجزائر إلى أزمة سياسية
مخاوف من تطور الاحتقان في الجزائر إلى أزمة سياسية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة