مصر تُنفذ تدريباً بحرياً بالصواريخ لمواجهة «تهديدات» في المتوسط

خبراء عدوها رسالة لأي كيان يتعرض لمصالح القاهرة الاقتصادية

TT

مصر تُنفذ تدريباً بحرياً بالصواريخ لمواجهة «تهديدات» في المتوسط

في حين بدأ أول تحرك لمصر بعد اعتراض تركيا سفينة تنقيب عن الغاز في المياه القبرصية الأحد الماضي، نفذت القوات البحرية المصرية أمس عددا من الأنشطة التدريبية بمسرح عمليات البحر المتوسط، وذلك بإطلاق أربعة صواريخ أرض بحر وسطح بحر.
وقال الجيش المصري، أمس، إن تلك التحركات تأتي في إطار التدريب على «التعامل مع جميع التهديدات والعدائيات لمياهنا الإقليمية».
وخلال الأيام القليلة الماضية دخلت القاهرة وأنقرة في خلافات علنية بشأن التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، خصوصا أن مصر وقبرص ترتبطان باتفاقية لتحديد طريقة تقاسم مكامن الغاز، وتحديد مناطق التنقيب لكلٍ منهما، التي تم توقيعها عام 2013، وفي المقابل أعلنت تركيا على لسان وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، في الرابع من الشهر الحالي لصحيفة «كاثيميريني» اليونانية، عدم اعترافها بقانونية الاتفاق، وأكدت البدء في أعمال تنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط في المستقبل القريب.
من جهته، جدد المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث باسم الخارجية المصرية، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، التأكيد على «موقف القاهرة الثابت بشأن سلامة الموقف القانوني للاتفاقية الموقعة مع قبرص، واتساقها مع قواعد القانون الدولي»، مشيرا إلى أنه سبق للخارجية المصرية التشديد على أن «أي محاولة للمساس أو الانتقاص من حقوق مصر السيادية في تلك المنطقة (مياه المتوسط) تعتبر مرفوضة، وسيتم التصدي لها».
وتصاعد التوتر بشأن التنقيب عن الغاز في المتوسط بعد اعتراض قطع بحرية تركية سفينة حفر تابعة لشركة «إيني» الإيطالية، كانت في طريقها للتنقيب عن الغاز المكتشف أخيرا في المياه القبرصية، الأحد الماضي، وقال وزير خارجية قبرص يوانيس كاسوليدس، إن «السفينة أجبرت على قطع رحلتها إلى جنوب جزيرة قبرص حيث الحقل الغازي».
وكان الجيش المصري قد أعلن منذ أيام أن من بين أهداف عمليته العسكرية، التي أطلقها الجمعة الماضي «استمرار (العمليات العسكرية) في حماية الأهداف الاقتصادية في البحر».
وأثارت العلاقات المصرية - القبرصية، خصوصا العسكرية، اعتراض الخارجية التركية التي أعلنت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي رفضها إقامة «مناورات عسكرية مشتركة بين مصر واليونان في جزيرة (رودس) اليونانية، غير أن القوات البحرية والجوية المصرية نفذت بالفعل التدريب، الذي حمل اسم (ميدوزا5) بمشاركة حاملة مروحيات من طراز ميسترال (أنور السادات)، والفرقاطة طراز فريم (سجم تحيا مصر)، والغواصة (41)، وعدد من القطع البحرية اليونانية، إضافة إلى تشكيل من الطائرات المقاتلة متعددة المهام من طراز (إف 16)».
من جهته، اعتبر اللواء سمير فرج، المدير الأسبق لإدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «التدريبات العسكرية للقوات البحرية تعد بمثابة رسائل موجهة إلى أي كيان يحاول التعرض للاستثمارات والمصالح الاقتصادية المصرية في البحر المتوسط، خصوصا تركيا».
وأضاف فرج موضحا: «حتى الآن فإن تركيا تتحدث عن مشكلاتها مع قبرص، وتتعرض لمصر من بعيد فيما يتعلق باتفاقية الحدود البحرية. لكن موقف القاهرة يرتكز على أن ما يربطها بقبرص متوافق مع القواعد والمواثيق الدولية».
وأظهرت نتائج أعمال البحث والتنقيب خلال السنوات الثلاث الماضية حقولا هائلة للغاز، بينها حقل ظهر، الذي تصفه الحكومة المصرية بالأكبر حول العالم، والذي يقع داخل حدود البلاد في مياه البحر المتوسط، وفي نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي مرحلة الإنتاج المبكر في الحقل، الذي ينتج 350 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً، وتقدر احتياطياته بنحو 30 تريليون قدم مكعب غاز.
وقال الدكتور نائل الشافعي، خبير الاتصالات المصري - الأميركي، الباحث المهتم بتأثير قانون البحار الدولي على الكابلات البحرية وعلى الانتفاع بمكامن الغاز البحرية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاعتراضات التركية لا تتعلق بتقسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص الذي تم عام 2003، بل باتفاقية تقاسم مكامن الغاز المشتركة بين البلدين الموقعة في 2013، وتحديدا فيما تراه حقا لقبرص الشمالية في عوائد قبرص من التنقيب عن الغاز في كل المياه المحيطة بالجزيرة».
وأوضح الشافعي أن الاتفاقية التي ترفضها تركيا تنظم «آلية تقاسم المكامن المشتركة للغاز بين البلدين، حسب حجم المكمن في كل طرف. فإذا استخرجت دولة غازا من مكمن مشترك، فعليها أن تتنازل للدولة الأخرى عن نسبة من الريع، تتناسب مع نسبة وجود المكمن في الدولة الأخرى»، وزاد موضحا أنه «إذا تم اكتشاف حقل غاز في مكمن مشترك بين مصر وقبرص، وأظهرت الدراسات السيزمية لحجمه أن ثلاثة أرباعه يقع في الجانب المصري، والبقية في قبرص، فإن إنتاجه يوزع بين البلدين بالنسبة نفسها».
واستكمل الشافعي أن «تركيا تعترض على احتكار قبرص اليونانية كل عوائد الغاز لدولة قبرص (بشقيها اليوناني والتركي) في تقاسم تلك المناطق مع مصر، دون أن يكون هناك وجود لحقوق قبرص التركية (الشمالية)». لافتا إلى أنه «في كل الأحوال، فإن تركيا لا تعترض، بل تعترف باتفاقية ترسيم الحدود المصرية - القبرصية الموقعة في فبراير (شباط) 2003، وتطالب تركيا بحق شمال قبرص في حقل (أفروديت)، الذي تم اكتشافه في المياه التي تنازلت عنها مصر لقبرص بمقتضى تلك الاتفاقية. ونطاق التحركات التركية الراهنة تقع داخل الحدود القبرصية، وفق اتفاق 2003، ولا تأثير له على الإطلاق فيما يتعلق بأعمال التنقيب داخل الحدود المصرية».
وأشار الخبير المصري إلى أنه يرى أن «الاتفاقية من الأصل مجحفة بمصر، وأعطت قبرص وإسرائيل مياها وحقول غاز لا تحق لهما».
ورغم ذلك قلل الشافعي من احتمالية تأثر الشركات التي تتولى عمليات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، بالتحركات الأخيرة ووصف قرارها بأنه «فوق سياسي» لا يتأثر بتلك التصريحات، ولا يمكن إقدامها على تعديل خططها للتنقيب، مشيرا إلى أن «أقصى ما يمكن حدوثه وفق التطورات الراهنة بعد اعتراض عمل أحد حفارات إيني الإيطالية هو أن يتم تعديل مواعيد عمل التنقيب عن الغاز في (البلوكات) التي يحتمل وجود بترول أو غاز فيها».
وكانت شركة إيني قد أعلنت الخميس الماضي، اكتشاف الغاز النظيف في منطقة الاستكشاف رقم «6» في المياه القبرصية في «بئر كاليبسو 1» الذي تم حفره على عمق 2074 مترا من سطح البحر. وأعلنت تركيا عزمها على القيام بكل الخطوات اللازمة من أجل الحفاظ على حقوقها وحقوق الشطر الشمالي من الجزيرة القبرصية أو ما تسمى «جمهورية شمال قبرص التركية».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.