بدت في الأسبوع الماضي الفجوة واسعة بين مسارين: ثلاثة اختبارات عسكرية قامت بها طهران ودمشق للقرار الروسي في سوريا من جهة وجهود المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لتشكيل «لجنة دستورية» تبحث في إجراء إصلاحات دستورية وإبقاء عملية السلام السورية على قيد الحياة من جهة ثانية.
دي ميستورا التقى في جنيف الأسبوع الماضي ممثلي الدول الخمس التي صاغت بقيادة أميركية وثيقة تتحدث عن مبادئ الإصلاح الدستوري والانتخابات وعناصر توفير البيئة المحايدة. كما التقى رئيس «هيئة التفاوض السورية» المعارض نصر الحريري الذي شارك في اجتماع «الهيئة» في الرياض، ضمن اتصالات المبعوث الدولي لتنفيذ نتائج بيان «مؤتمر الحوار الوطني السوري» في سوتشي نهاية الشهر الماضي لتشكيل «لجنة دستورية».
مؤتمر سوتشي أوكل برعاية روسية إلى دي ميستورا مهمة تشكيل «اللجنة الدستورية» بعدما يتسلم قائمة من 150 شخصاً تقاسمتها روسيا وإيران وتركيا مثالثة بحيث ترشح كل دول 50 اسما، على أن يقوم المبعوث الدولي بتشكيل اللجنة من 40 شخصاً من القائمة الثلاثية أو من خارجها. وكان التفكير أن يوزع اللجنة مثالثة بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة والمجتمع المدني مع إمساكه قرار تحديد صلاحيات اللجنة ومعايير عملها وعددها لتخدم مفاوضات السلام في جنيف برعاية دولية.
جهد دي ميستورا وفريقه للوصول إلى إنجاز والتقدم نحو تشكيل «اللجنة» وتحديد مرجعيتها السياسية قبل تقديمه الإيجاز إلى مجلس الأمن الدولي غداً (الأربعاء). لكن ذلك لم يحصل وبات معلقاً بالاستشارات الأخرى التي ستجرى مع الأميركيين والروس ودول إقليمية على هامش «مؤتمر الأمن» في ميونيخ و«منتدى فالداي» الروسي الثلاثاء المقبل.
العقدة الجوهرية، بحسب مسؤول غربي، هي «إيجاد رابط أو مغزى بين الحديث عن تشكيل اللجنة الدستورية وما يجري على أرض الواقع في سوريا، لأن الفجوة كبيرة جداً. وكأن الأمرين يجريان في عالمين وبلدين مختلفين». وأضاف المسؤول أن الأسبوع الأخير شهد إقدام دمشق وطهران بـ«اختبار» روسيا عسكرياً ثلاث مرات وأن موسكو ردت على ذلك بأنها «تركت موالين لطهران ودمشق يتعرضون لعقوبات لأن التحركات العسكرية جرت من دون تنسيق كامل مع الجيش الروسي»:
الاختبار الأول، كان لدى قيام عشرات الموالين لطهران ودمشق بالتقدم شرق نهر الفرات. الرد، كان أن التحالف الدولي بقيادة أميركا رد ودمر القافلة المتقدمة لأنها خرقت «قواعد الاشتباك» التي وضعتها روسيا وأميركا على ضفتي نهر الفرات. حصل هذا ولا يزال التوتر الأميركي - الروسي قائماً بعد قرار واشنطن البقاء عسكرياً ودبلوماسيا إلى أمد مفتوح شرق سوريا.
الاختبار الثاني، عندما هاجم موالون لطهران ودمشق قوات تركية توغلت شمال سوريا باتجاه بلدة العيس جنوب حلب لإقامة نقطة متقدمة لمراقبة اتفاق «خفض التصعيد» بموجب الاتفاق الروسي - التركي - الإيراني. وجاء الرد، أن الجيش التركي استهدف بالمدفعية مصدر القصف ضمن تنفيذ «قواعد الاشتباك». وجرت اتصالات سياسية رفيعة روسية - إيرانية سمحت بنشر القوة التركية في العيس. وتردد الحديث أيضا عن عقد قمة روسية - تركية - إيرانية في إسطنبول تتابع تنفيذ التفاهمات، غير أن إسقاط «وحدات حماية الشعب» الكردية طائرتين تركيتين قرب عفرين من جهة والمحادثات الأميركية المعقدة في أنقرة وطرح إقامة «شريط آمن» على طول الحدود السورية - التركية والبقاء الأميركي في منبج وشرق سوريا من جهة ثانية ساهما في صب مياه باردة على اقتراح القمة الثلاثية.
الاختبار الثالث، عندما أرسلت طهران ودمشق طائرة «درون» من وسط سوريا إلى الجولان. الرد الإسرائيلي، كان بـ«قصف 8 مواقع سورية و4 مواقع إيرانية» بحسب تل أبيب، ردت عليه دمشق بإسقاط طائرة «إف - 16» إسرائيلية. أيضاً، لعبت موسكو دور الوسيط بين أطراف متناقضة لاستعادة التهدئة وتمرير «الجولة الحالية من التصعيد عند هذا الحد».
بحسب المسؤول، فإن الأسابيع المقبلة قد تشهد المزيد من «الاختبارات العسكرية» لسببين: الأول، هشاشة التحالفات القائمة وتناقض مصالح المتحالفين. الثاني، أن طهران أبلغت دولاً غربية وروسيا بـ«وجود رابط بين الملف النووي والواقع الميداني في سوريا والمنطقة». وقال: «طهران أرادت القول بأنه في حال قررت إدارة الرئيس دونالد ترمب عدم إقرار الاتفاق النووي والتلويح بعقوبات متدرجة ومتصاعدة، فإنها ستصعد عسكرياً في الملعب السوري وستواصل الاختبارات لواشنطن شرق الفرات وإسرائيل عبر الجولان»، لافتا إلى أن التغييرات الحاصلة في المسؤولين عن الملف السوري في واشنطن «تدل إلى أن إدارة ترمب تضع أولوية لمواجهة النفوذ الإيراني وأنها باتت تنظر إلى سوريا من بوابة العمل لإضعاف النفوذ الإيراني أكثر من أي شيء آخر». وزاد: «روسيا تلعب هنا لعبة مزدوجة بأنها تسمح للشركات والخصوم باختبار بعضهم بعضاً».
من جهته، قال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون: «نحن قلقون من التصرفات الإيرانية التي تصرف الانتباه عن الجهود الرامية لبدء عملية سلام حقيقية في سوريا». وأضاف: «نحث روسيا على استخدام نفوذها للضغط على النظام وداعميه من أجل تجنب الأفعال الاستفزازية ولدعم عدم التصعيد سعياً وراء تسوية سياسية أوسع».
سوريا على مسارين متناقضين: 3 اختبارات عسكرية ولجنة دستورية
طهران تربط الملف النووي بالتصعيد العسكري
سوريا على مسارين متناقضين: 3 اختبارات عسكرية ولجنة دستورية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة