مصير رئيس جنوب أفريقيا في الميزان

اللجنة العليا للحزب الحاكم تجتمع اليوم... وزوما يقرر تأجيل إلقاء خطابه

زوما يواجه اتهامات بالفساد وربما يواجه أيضاً السجن (رويترز)
زوما يواجه اتهامات بالفساد وربما يواجه أيضاً السجن (رويترز)
TT

مصير رئيس جنوب أفريقيا في الميزان

زوما يواجه اتهامات بالفساد وربما يواجه أيضاً السجن (رويترز)
زوما يواجه اتهامات بالفساد وربما يواجه أيضاً السجن (رويترز)

ازدادت التكهنات في جنوب أفريقيا حول ما إذا كان الرئيس جاكوب زوما سيجبر على الاستقالة قبل خطاب «حالة الأمة» المقرر غدا الخميس. والتقى 6 من كبار قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم يوم الأحد الماضي لمناقشة المسألة، وبعد اجتماع آخر الاثنين، أحيل الأمر للجنة التنفيذية الوطنية، وهي الكيان الوحيد المنوط به «استدعاء» الرئيس. وسوف تجتمع اللجنة اليوم الأربعاء.
وهز الصراع على السلطة أوساط الحزب التحرري الذي كسب شعبيته من قيادته الحرب ضد حكم الأقلية البيضاء، لكنه خسر جزءا كبيرا من الدعم الشعبي له منذ ذلك الحين.
ويشهد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي يحكم البلاد منذ فوز نيلسون مانديلا بالانتخابات التي جرت عام 1994 بعد انتهاء نظام الفصل العنصري، انقساما بشأن مسألة إزاحة زوما من منصبه. وكان من المفترض أن يلقي زوما خطاب «حالة الأمة» أمام البرلمان في الكاب (كيب تاون) الخميس. لكن اللجنة الوطنية التنفيذية التي تمتلك سلطة القرار في الحزب، قررت عقد اجتماع الأربعاء للنظر في مصير الرئيس. وقالت رئيسة البرلمان باليكا مبيتي للصحافيين: «رأينا أننا نحتاج إلى مساحة لإشاعة أجواء سياسية مواتية في البرلمان». وأضافت: «عندما التقينا الرئيس بعد ظهر اليوم، تم إعلامنا بأنه يكتب (رسالة) للبرلمان لطلب (تأجيل) الخطاب»، مضيفة أنه سيتم الإعلان عن تاريخ جديد «قريبا جدا».
وتقول أحزاب المعارضة وبعض فصائل الحزب الحاكم إنه ينبغي عدم السماح لزوما بإلقاء خطاب «حالة الأمة» السنوي، ويطلقون عليه وصف «البطة العرجاء». إلا أن زوما، الذي يواجه اتهامات بالفساد في حصاد لفترتين تقريبا في الرئاسة وربما يواجه أيضا السجن، يتمسك بموقفه ويرفض الاستقالة، رغم المطالبات التي واجهها خلال المؤتمر السنوي الأخير للحزب. ومنذ انتخاب السياسي الإصلاحي سيريل رامافوزا زعيما للحزب في ديسمبر (كانون الأول)، صار هناك في الأساس مركزان للسلطة في جنوب أفريقيا، كما جاء في تقرير «الصحافة الفرنسية». ويرغب كثيرون بالحزب في أن يحل رامافوزا محل زوما، الذين يرون أنه شوّه للغاية سمعة الحزب الذي كان ذات يوم مرادفا للزعيم الراحل نيلسون مانديلا. ومن الممكن أن «تزيح» الهيئة المكونة من 80 عضوا زوما اليوم من منصبه، وهو ما قد يرفض الرئيس الامتثال له؛ الأمر الذي يهدد بحدوث فوضى سياسية.
من جهتها، قالت الأمينة العامة المساعدة لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي جيسي دوارتي للصحافيين إن كبار المسؤولين في الحزب ناقشوا مصير زوما الاثنين الماضي. وأوضحت: «تمت مناقشة الموضوع بشكل مستفيض للغاية. بإمكاني أن أقول لكم إن هناك آراء متباينة».
ويدعو كثير من أعضاء الحزب إلى إحلال الزعيم الجديد للحزب سيريل رامافوزا فوراً مكان زوما البالغ من العمر 75 عاما. لكن أنصار زوما قالوا إن على الرئيس الحالي إكمال ولايته الثانية والأخيرة التي تنتهي عند إجراء الانتخابات العام المقبل.
وأكدت دوارتي أنه في حال استقال زوما، فإن رامافوزا سيصبح رئيسا على الفور. وقالت: «ما نأمل فيه هو أن تتوصل اللجنة الوطنية التنفيذية إلى رؤية موحدة بشأن هذه المسألة».
وقال المحلل من مركز أبحاث «فغوبيرا» في دوربان، فغولاني دوبي، إن «جاكوب زوما ليس خصما ضعيفا». وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية: «إنه لا يحترم رامافوزا لأن الأخير لم يمر بجميع الطقوس الضرورية ليصبح رئيسا لحزب المؤتمر الوطني (...) لم يدخل السجن ولم يعش في المنفى».
ورحبت جميع الأحزاب بقرار تأجيل الخطاب الذي يبدو أن البرلمان يحاول من خلاله تجنب حدوث حالة من الفوضى. وقال زعيم المعارضة مميوزي مايمان إنه لا يمكن أن يتحول خطاب «حالة الأمة» إلى «ممارسة للعلاقات العامة من قبل رجل على وشك أن يُعزل ولربما يسجن».
ويوم الثلاثاء، دعت «مؤسسة نيلسون مانديلا» التي تحافظ على إرث رمز جنوب أفريقيا المناهض للعنصرية، إلى عزل زوما لأنه «أثبت أنه غير صالح للحكم». وأشارت المؤسسة في بيان إلى وجود «أدلة دامغة على أن النهب المنظم الذي مارسته شبكات مصالح على ارتباط بالرئيس زوما، شكّل خيانة للبلد الذي حلم به نيلسون مانديلا».
وتقدمت المعارضة بمذكرة لحجب الثقة عن الرئيس يفترض أن يتم التصويت عليها في 22 فبراير (شباط) الحالي. وأخفقت مذكرة سابقة من هذا النوع في أغسطس (آب) الماضي بفارق 24 صوتا. ومن الممكن كذلك أن «يزيحه» حزب المؤتمر الوطني. لكن هذه ستعد عملية حزبية وليس قرارا دستوريا.
لكن المحلل من مجموعة «مابلكروفت» الاستشارية في لندن، بن بايتون، حذر من أنه «في حال عدم استقالته بعد إزاحته (من قبل الحزب) فستعمّ الفوضى». وقال إن «رامافوزا سيبدو ضعيفا إذا لم يتمكن من الإطاحة بزوما الآن. لن يكون بإمكان رامافوزا التراجع الآن دون أن يفقد ماء وجهه».
ورامافوزا (65 عاما) نقابي سابق قاد المحادثات التي أدت إلى انتهاء الحكم العنصري في مطلع التسعينات؛ حيث أصبح لاحقا رجل أعمال ثرياً قبل أن يعود إلى عالم السياسة.



قادة غرب أفريقيا يعقدون قمة «عادية» لنقاش ملفات «استثنائية»

رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
TT

قادة غرب أفريقيا يعقدون قمة «عادية» لنقاش ملفات «استثنائية»

رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)

يعقد قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، الأحد، قمة «عادية» تشارك فيها 12 دولة من أصل 15، هم أعضاء المنظمة الإقليمية، فيما يغيب قادة كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر التي قررت الانسحاب من المنظمة، بسبب موقف الأخيرة من الأنظمة العسكرية التي تحكم هذه الدول، والمحسوبة على روسيا.

ورغم أن هذه القمة «عادية»، فإنها توصف من طرف المراقبين بأنها «استثنائية»؛ بسبب حساسية الملفات التي سيناقشها قادة دول غرب أفريقيا، التي في مقدمتها الملفات الأمنية بسبب تصاعد وتيرة الإرهاب في المنطقة، وملف العلاقة مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في دول الساحل، والسعي لإقناعها بالتفاوض والتراجع عن قرار الانسحاب.

قرار نهائي

وفيما يسعى قادة المنظمة الإقليمية التي ترفع شعار الاندماج الاقتصادي، لإقناع دول الساحل الثلاث بالبقاء في المنظمة، إلا أن الأخيرة أعلنت، الجمعة، أن قرارها «لا رجعة فيه»، وجدّدت اتهامها للمنظمة الإقليمية بأنها «أداة» تتحكم فيها فرنسا. وتمسّكت الدول الثلاث بالمضي قدماً في تشكيل منظمتها الخاصة، حيث أعلنت قبل أشهر إقامة «تحالف دول الساحل»، وبدأت التحضير لتحويله إلى «كونفيدرالية» تلغي الحدود بين الدول الثلاث، وتوحد عملتها وجواز سفرها، بالإضافة إلى قدراتها العسكرية والأمنية لمحاربة الإرهاب الذي يعصف بالمنطقة.

قرار انسحاب دول الساحل من منظمة «إيكواس»، يدخل حيز التنفيذ يوم 29 يناير (كانون الثاني) المقبل (2025)، فيما يسعى قادة المنظمة إلى إقناع هذه الدول بالتراجع عنه أو تأجيله على الأقل، بسبب تداعياته الاقتصادية والأمنية على المنطقة.

إلغاء التأشيرة

جانب من الاجتماع بين قادة «إيكواس» في أبوجا ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

وقبل انعقاد قمة دول «الإيكواس» بعدة ساعات، أصدرت دول الساحل بياناً قالت فيه إنها قرّرت إلغاء التأشيرة عن مواطني جميع دول غرب أفريقيا، في خطوة لتأكيد موقفها المتمسك بقرار مغادرة المنظمة الإقليمية.

وقالت الدول الثلاث المنخرطة في كونفدرالية دول الساحل، إنها أصبحت «منطقة خالية من التأشيرات لجميع مواطني المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)». البيان الذي قرأه وزير خارجية مالي، عبد الله ديوب، عبر التلفزيون الحكومي المالي، مساء السبت، أكّد أن «لرعايا دول (إيكواس) الحق في الدخول والتنقل والإقامة والاستقرار والخروج من أراضي البلدان الأعضاء في كونفيدراليّة دول الساحل وفقاً للقوانين الوطنية السارية».

ولا يغير القرار أي شيء، حيث إن قوانين منظمة «إيكواس» كانت تنص على الشيء نفسه، وتتيح حرية التنقل والتملك لمواطني الدول الأعضاء في فضاء المجموعة الاقتصادية الممتد من السنغال إلى نيجيريا، وكان يضم 15 دولة قبل انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

توتر ثم قطيعة

وبدأت القطيعة بين تحالف دول الساحل ومنظمة «إيكواس» عقب الانقلاب في النيجر في يوليو (تموز) 2023، وهو الانقلاب السادس في المنطقة خلال ثلاث سنوات (انقلابان في مالي، انقلابان في بوركينا فاسو، وانقلاب في غينيا)، بالإضافة إلى عدة محاولات انقلابية في دول أخرى.

وحاولت المنظمة الإقليمية الوقوف في وجه موجة الانقلابات، وفرضت عقوبات على مالي وبوركينا فاسو، وهدّدت بالتدخل العسكري في النيجر بعد أن فرضت عليها عقوبات اقتصادية قاسية، قبل أن تُرفع تلك العقوبات لاحقاً.

وتضامنت مالي وبوركينا فاسو مع النيجر، وأعلنت أن أي تدخل عسكري في النيجر يُعدّ انتهاكاً لسيادتها وسيجعلها تتدخل لدعم المجلس العسكري الحاكم في نيامي، لتبدأ مرحلة جديدة من التوتر انتهت بقرار الانسحاب يوم 28 يناير 2024.

قمة لم الشمل

قوات «إيكواس» خلال تأدية مهامها العسكرية في مالي (أرشيفية - رويترز)

من المنتظر أن يُخصّص قادة دول غرب أفريقيا حيزاً كبيراً من نقاشهم للعلاقة مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في دول الساحل، حيث لا تزالُ المنظمة الإقليمية متمسكة بالطرق الدبلوماسية لإقناع الدول الثلاث بالتراجع عن قرار الانسحاب.

ذلك ما أكده رئيس نيجيريا، بولا تينيبو، وهو الرئيس الدوري للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، حيث أكد الأربعاء أن «الدبلوماسية والحكمة هي السبيل الوحيد لإعادة دمج هذه الدول في المنظمة الإقليمية».

وأشار الرئيس النيجيري إلى أن المجالس العسكرية التي تحكم الدول الثلاث «لا تزالُ مترددة في وضع برامج واضحة لمرحلة انتقالية محددة من أجل تسليم السلطة إلى المدنيين والعودة إلى الوضع الدستوري»، ورغم ذلك، قال تينيبو: «ستستمر علاقة الاحترام المتبادل، بينما نعيد تقييم الوضع في الدول الثلاث». وأضاف في السياق ذاته أن منظمة «إيكواس» ستترك الباب مفتوحاً أمام عودة الديمقراطية إلى البلدان المعنية، مشدداً على أن احترام المؤسسات الدستورية وتعزيز الديمقراطية «هو ما تدافع عنه المنظمة».

مفترق طرق

أما رئيس مفوضية «إيكواس»، أليو عمر توري، وهو الشخصية الأهم في المنظمة الإقليمية، فقد أكّد أن «منطقة غرب أفريقيا تقف عند مفترق طرق غير مسبوق في تاريخها كمجتمع».

وقال توري في تصريحات صحافية، الخميس، إنه «في الوقت الذي تستعد الدول الأعضاء في (الإيكواس) للاحتفال باليوبيل الذهبي لجهود التكامل الإقليمي العام المقبل، تواجه أيضاً احتمالية انسحاب بعض الدول الأعضاء»، وأضاف أنه «من الضروري التأمل في الإنجازات الكبيرة التي حققتها (إيكواس) على مدى العقود الماضية، وكذلك التفكير في مستقبل المجتمع في ظل التحديات السياسية التي تواجه شعوبنا».

وفيما يرفعُ قادة المنظمة الإقليمية خطاباً تصالحياً تجاه دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، تواصل الأخيرة في خطاب حاد يتهم «إيكواس» بالتبعية إلى القوة الاستعمارية السابقة (فرنسا).