حملة انتقادات روسية للسياسات الأميركية في سوريا

TT

حملة انتقادات روسية للسياسات الأميركية في سوريا

اتهمت وزارة الدفاع الروسية الولايات المتحدة بتدمير مدينة الرقة، وعدم استعدادها لإعادة إعمارها وتقديم المساعدات الضرورية للسكان المنكوبين. وأثارت استياء موسكو تصريحات أدلى بها مارك غرين، مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أثناء زيارة أجراها لمدينة الرقة يوم 22 يناير (كانون الثاني) الحالي. وقالت الوزارة في بيان أمس: إن «منطق تصريحات غرين يثير الدهشة»، وأضافت إنه قال في البداية إن الدمار منتشر في كل مكان في المدينة، وإنه يعجز عن وصف الوضع، و«عندما دار الحديث حول مساعدة حقيقية للمواطنين هناك، تهرب غرين على الفور وقال: إن مهمة وكالته الاستقرار وليست إعادة البناء».
وبأسلوب لا يخلو من السخرية، قال البيان: إن «الاستقرار» الذي يتحدث عنه غرين يعني مجرد ترميم أنابيب المياه وشبكة الكهرباء، ولا يعني «تزويد المنكوبين في المدينة بالمساعدات والمواد الأساسية، كما تفعل روسيا في حلب ومدن سورية أخرى».
واتهمت وزارة الدفاع الروسية الوكالة الأميركية للتنمية بأنها «لا تنوي الإنفاق من الميزانية الأميركية على إعادة الإعمار، وإنما ستقوم بالضغط على الحلفاء لإجبارهم على المساعدة». وحذرت من أنه في حال لم يغير الغرب سياسته هذه، فإن الرقة ستبقى غارقة في الدمار. واتهمت روسيا القوات الأميركية باعتماد سياسة الأرض المحروقة في قصف مدينة الرقة خلال تحريرها من تنظيم داعش الإرهابي، وبعد إعلان التحالف عن استعادة المدينة في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، قالت روسيا إن الأميركيين دمروا المدنية ولم يفتحوا ممرات إنسانية لإنقاذ المدنيين. وتدعو روسيا الدول الغربية للمشاركة في عمليات الإعمار في سوريا، إلا أن الأوروبيين والأميركيين يرفضون أي مشاركة قبل تحقيق الانتقال السياسي في سوريا.
وانتقدت ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية، تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون حول سوريا، وقالت: إن واشنطن ما زالت تسعى إلى تحقيق هدف إزاحة «الرئيس المنتخب شرعياً» عن السلطة في سوريا، بينما يشكل إعلانها عن الإبقاء على قواتها في سوريا «انتهاكا للقانون الدولي، وعمل لا يساهم في التسوية السياسية للأزمة السورية الداخلية»، وأضافت إن السياسة الأميركية تتجه نحو تقسيم سوريا إلى أجزاء. وتوقفت زاخاروفا في مؤتمرها الصحافي أمس عند مؤتمر سوتشي، وأكدت أن الوزير لافروف يخطط للمشاركة فيه.
وبالنسبة للوضع في عفرين، قالت: إن وزير الخارجية والمسؤولين الروس على اتصال مستمر مع الأتراك بخصوص الوضع هناك، وفي سياق تلك الاتصالات «تبذل موسكو كل ما بوسعها لمشاركة القوى السياسية الكردية في تسوية الوضع».
إلى ذلك، واصلت موسكو انتقاداتها للقاء الدولي الذي نظمته فرنسا أخيراً، تحت عنوان «المبادرة الدولية لمنع مستخدمي السلاح الكيميائي من الإفلات من العقاب»، والاتهامات التي وجهها وزير الخارجية الأميركي لروسيا في ذلك المؤتمر، حين قال: إن «الأسد لا يزال يستخدم السلاح الكيماوي»، وأضاف أن «روسيا تتحمل المسؤولية عن الضحايا المستهدفين بالأسلحة الكيميائية».
وقالت الخارجية الروسية في بيان نشرته على موقعها الرسمي: إن تلك الاتهامات «تشهير» بحق روسيا وسوريا، ووصفت تحميل دمشق وموسكو المسؤولية عن الهجمات الكيماوية بأنها «بروبغاندا» بهدف «تشويه سمعة روسيا دولياً، ونسف جهود التسوية السياسية في سوريا».
واتهم البيان الولايات المتحدة بأنها «حسمت أمرها بشأن المحق والمتهم، انطلاقاً من نزعاتها الجيوسياسية الخاصة، واعتماداً على اتفاقيات خلف الكواليس مع المقاتلين المناهضين للحكومة»، ورأت أن الإصرار على تحميل النظام مسؤولية الهجمات الكيماوية يخفي سعياً أميركياً لتكرار السيناريو العراقي أو اليوغسلافي أو الليبي».
ودعت الخارجية الروسية «الشركاء» إلى البقاء على مسافة والابتعاد عن الاتفاقيات التي توصلت إليها الولايات المتحدة مع دول أخرى خلال مؤتمر باريس، ووصفت تلك الاتفاقيات بأنها «مغامرة خطيرة، لا تمت بأي صلة للأهداف المعلنة».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».