الحريري يخوض معركة الاحتفاظ بمعقله في انتخابات «بيروت الثانية»

النتائج تحسمها التحالفات

TT

الحريري يخوض معركة الاحتفاظ بمعقله في انتخابات «بيروت الثانية»

تكتسب دائرة بيروت الثانية أهميةً خاصّة في الانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة لاعتبارات عدّة، أهمها أنّها معقل أصوات «تيار المستقبل» في العاصمة بيروت، وفيها سيترأس رئيس الحكومة سعد الحريري اللائحة الأبرز في مواجهة لوائح أخرى قد تتوزّع بين الأحزاب والمجتمع المدني.
المعطيات المتوافرة لغاية الآن تفيد بأن المنافسة ستدور بين ثلاث لوائح تابعة لأحزاب سياسية مقابل لائحة للمجتمع المدني الذي قرّرت مجموعاته خوض المعركة في لائحة واحدة تحت اسم «وطني»، وبذا قطعت الطريق أمام التحالف مع أحزاب السلطة. ومن ثم، فالمواجهة السياسية المنتَظَرة ستكون بين لائحة «المستقبل» وحلفائه وتلك المدعومة من وزير العدل السابق أشرف ريفي من جهة، مقابل المجتمع المدني الذي يواجه الاثنتين معاً، وأي لائحة حزبية أخرى من جهة ثانية. وما بات مؤكداً وفقاً للدراسات، ومنذ الإعلان عن القانون الانتخابي الجديد الذي أعاد تقسيم بيروت إلى «شرقية» و«غربية»، الأولى بأكثرية مسيحية والثانية بأكثرية مسلمة، أن خسارة تيار المستقبل للمقاعد السنّية قد تصل إلى ثلاثة، مع بقاء الكلمة الأخيرة للتحالفات التي يفترض أن تحسم في 20 فبراير (شباط)، آخر مهلة لتقديم القوائم الانتخابية، ومن ثم في صناديق الاقتراع التي قد تكشف مفاجآت أهمها خرق المجتمع المدني الذي يخطو خطواته الثابتة نحو والمواجهة.
«تيار المستقبل» يصف على لسان راشد فايد عضو المكتب السياسي، معركة «بيروت الثانية» بـ«الأساسية» انطلاقاً من أن الحريري يخوضها بشكل مباشر عبر ترؤسه اللائحة، وهي تحظى باهتمام كبير، بينما يدخلها وزير العدل السابق أشرف ريفي «كاستفتاء على مشروع وطني في مدينة عانت كثيراً من هيمنة حزب الله وإيران وليست معركة أحجام»، وفق مستشاره أسعد بشارة. أما مجموعات «تحالف وطني» فتقول إن معركتها في المدينة هي ضد «نهج حكم قائم على الفساد والزبائنية والطائفية»، بحسب الناشط في «مجموعة طلعت ريحتكم» وديع الأسمر.
وفق أرقام «الدولية للمعلومات»، يبلغ عدد المسجّلين على لوائح الشطب (أي قوائم الناخبين المسجلين) في هذه الدائرة نحو 347 ألفاً اقترع منهم في الانتخابات السابقة نحو 40 في المائة. ومن المتوقَّع أن تزيد النسبة إلى 50 في المائة، بحيث يصبح عندها الحاصل الانتخابي نحو 15 ألفاً للائحة، بحسب الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين. وللعلم، ناخبو هذه الدائرة مدعوون لانتخاب 11 نائباً، بينهم 6 من الطائفة السنّية واثنان من الشيعة وأرثوذكسي واحد ودرزي واحد وإنجيلي (بروتستانتي) واحد.
ويرجّح شمس الدين في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تتنافس بشكل أساسي في «بيروت الثانية» ثلاث «لوائح سلطة» ولائحة للمجتمع المدني، من دون أن يستبعد إمكانية ظهور لوائح أخرى، وبالتالي تبقى النتائج في 60 في المائة منها تعتمد على التحالفات. ويضيف: «من المرجّح أن يخسر (المستقبل) ثلاثة مقاعد للطائفة السنّية مقابل ضمانه المقعدين المسيحيين والمقعد الدرزي بتحالفه مع (الحزب التقدمي الاشتراكي) و(التيار الوطني الحر)، بينما سيكون المقعدان الشيعيّان محسوبين لـ(الثنائي الشيعي)؛ (حزب الله) وحركة أمل».
ويلفت شمس الدين إلى أن إمكانية حصول المفاجآت غير مستبعدة اختيار البيروتيين التغيير والاقتراع لوجوه جديدة من المجتمع المدني، وهو الذي كان حقق نتائج لافتة في الانتخابات البلدية.
وفي حين تؤكد جميع الأطراف أن خريطة التحالفات لا تزال طور البحث، يتمسك كل منها بثوابت معينة. وبالنسبة إلى «المستقبل»، بحسب فايد، «ستكون موضعية ومرتبطة بالحضور الشعبي لكل فريق، مع التأكيد على رفض التحالف بشكل مطلق مع (حزب الله) وريفي واستمرار التفاهم والتقارب مع (حركة أمل) والتحالف مع (التيار الوطني الحر)، وهو ما ليس مستبعداً أيضاً بالنسبة إلى (القوات اللبنانية)». ويضيف: «أما بالنسبة إلى الاشتراكي فالتحالف سيكون معه أيضاً وفق المصلحة الانتخابية، وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى (حزب الطاشناق) الأرمني».
من جهته، يقول أسعد بشارة، مستشار ريفي، إن التحالف سيحترم إرادة العائلات في بيروت وسيكون بشكل رئيسي في مواجهة «مشروع فريق (8 آذار) و(حزب الله) واختيار المرشحين سيكون وفق هذه المبادئ وعلى برنامج يتفق عليه الجميع». أما على خط المجتمع المدني، فيقول الأسمر: «لا إمكانية للتحالف مع أحزاب السلطة على اختلاف توجهاتها، بمن فيهم ريفي»، إنما العمل في بيروت كما في مختلف المناطق لتشكيل لوائح مكتملة من مجموعة أشخاص قريبين من الجو التغييري ولديهم الأهداف نفسها.
ويضيف: «إذا قررنا مواجهة السلطة فعلينا أن نخوضها موحّدين متضامنين، وأي مرشح سنتحالف معه لا بد أن يكون انطلاقاً من هذه التوجهات». وأكد الأسمر أنه لغاية الآن هناك اتفاق بين 11 مجموعة والدائرة في طور التوسّع، مرشحاً أن يُضاف لها نحو ست مجموعات أخرى.
على صعيد آخر، انطلاقاً من كون الانتخابات تُعتَبَر في مواجهة رئيس الحكومة وأكبر تيار سياسي سني في بيروت، يرفض كل من بشارة والأسمر القول إنها «لمواجهة شخص محدّد». إذ يقول الأسمر: «لا نعتبر أنها دائرة صعبة لكوننا نتنافس مع الحريري، ذلك أن الأمر نفسه ينطبق على شخصيات ومسؤولين سياسيين في مناطق أخرى، إنما المواجهة هي ضد نهج حكم كامل»، أما بشارة فيعتبر أن «المواجهة هي انطلاقاً من الخلاف على الخيارات السياسية التي سبق للوزير ريفي أن أعلنها منذ فترة مروراً برفضه خيار الحريري انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون، ومن ثم تشكيل حكومة مع (حزب الله) وغيرها من الأمور التي تضع لبنان تحت الوصاية الإيرانية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».