الجزائر: جدل حاد حول تجاوزات بحق الدستور الجديد

على خلفية ضرب أطباء خلال مظاهرة سلمية

TT

الجزائر: جدل حاد حول تجاوزات بحق الدستور الجديد

يحتدم بالجزائر حاليا جدل حاد حول «مدى احترام الحكومة» لتدابير جديدة تضمنها التعديل، الذي أدخله الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الدستور مطلع 2016، يتعلق بحق المواطنين في تنظيم المظاهرات والمسيرات السلمية.
وجاء الجدل على خلفية أسبوع من الاضطرابات في المستشفيات، حيث استعملت قوات مكافحة الشغب الهراوات لوقف إضراب الأطباء، ما خلَف عدة جرحى وحالة تذمر واسعة من «تراجع الحريات في البلاد».
وأعلنت الكتلة الإسلامية بالبرلمان عن مساءلة رئيس الوزراء أحمد أويحيى حول أحداث «تعنيف» الأطباء، الذين دخلوا أمس الأسبوع الثاني من الإضراب والمظاهرات، والذين يطرحون مطالب مهنية واجتماعية كرفع الأجور، وتحسين ظروف العمل بالمناطق غير الحضرية.
واحتج البرلمانيون الإسلاميون بحدة على أثر مشاهد بثتها فضائيات خاصة لأطباء مضربين، ظهرت وجوههم مخضبة بالدماء بسبب تعرضهم للضرب على أيدي رجال أمن داخل «مستشفى مصطفى باشا الجامعي» في العاصمة، وهو أكبر منشأة طبية في الجزائر تشغل أكفأ الأطباء، ومقصد للمرضى من كل أنحاء البلاد.
وعبرت المجموعات البرلمانية لأحزاب «حركة مجتمع السلم»، و«جبهة القوى الاشتراكية» و«حزب العمال»، و«التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، عن استياء بالغ لما جرى للأطباء، وطالبت باستقالة وزير الصحة وإصلاح المستشفيات مختار حسبلاوي، الذي صرح للصحافة بأنه «يأسف للأحداث التي وقعت، والتي كان يمكن تفاديها بالحوار». وتعهد الوزير بالسعي لتلبية مطالب المحتجين في إطار تعديل قانون الصحة الجاري إعداده من طرف الحكومة. ومن بين مطالب المضربين إعفاء أفراد هذه الفئة المهنية من أداء الخدمة العسكرية.
وشن أطباء وممرضون في مستشفيات بولايات كثيرة في البلاد، أمس، مظاهرات في أماكن عملهم تضامنا مع زملائهم بالعاصمة. وأدانت «عمادة الأطباء» ما سمته «ممارسات قمعية بوليسية أنزلتها الحكومة بخيرة النخبة الجزائرية»، ودعت إلى «الكشف عن الذين تورطوا في العنف بأن أصدروا أوامر إلى الشرطة لتتدخل إلى المستشفيات لقمع المتظاهرين المضربين».
والمثير فيما وقع أن مديرية الشرطة قالت إن أفرادا من قوات الأمن «كانوا ضحية عنف أطباء نقابيين كانوا في واجهة الأحداث». وبثت فضائيات مقربة من الحكومة صور عناصر من الأمن وهم يتلقون العلاج في مصحات تابعة للشرطة، وقالت إنهم «ضحايا الأطباء».
وقال الحقوقي والمحامي المعروف مقران آيت العربي: «ها هي الحكومة تقمع من جديد حركة سلمية. فبعد قمع النقابيين والمدرّسين والطلبة، جاء دور الأطباء المقيمين. رأيي أنه لا يمكن للشرطة أن تتدخل داخل المستشفى الجامعي بهذا القمع الوحشي، لولا وجود أمر صريح بذلك من الحكومة. فرغم أحداث أكتوبر (تشرين الأول) 1988 لا نزال نعيش في دولة بوليسية قمعية»، في إشارة إلى ما سمي «ربيع الجزائر»، الذي فتح باب التعددية السياسية قبل 30 عاما.
بدورها، دعت فاطمة زروقي، رئيسة «المجلس الوطني لحقوق الإنسان»، التابع لرئاسة الجمهورية، إلى «فتح قنوات الحوار بين الأطباء المحتجين والوصاية، مع وضع مصلحة البلاد والمواطن فوق كل اعتبار والابتعاد عن التشنج». وقالت لصحافيين أمس إنها «تأسف لما حدث في المستشفى عندما حاول رجال الشرطة منع الأطباء المقيمين من الخروج إلى الشارع من أجل تنظيم مسيرة». وتحدثت عن «قلق بالغ حيال الانزلاقات التي وقعت»، من دون إدانة أعمال العنف التي كان أطباء ضحية لها. وأشارت زروقي، وهي قاضية سابقة، إلى أن «مراجعة الدستور عام 2016 كرست في المادة 49، وبشكل واضح وصريح، حق المواطنين في التظاهر السلمي». وهي المادة التي تقول إن «حرية التظاهر السلمي مضمونة للمواطن، في إطار القانون الذي يحدد كيفيات ممارستها».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».