ساعات طويلة يقضيها العامل الفلسطيني خضر عايش (41 عاما)، أسفل أحد أبراج وسط مدينة غزة، في الحراسة وتقديم الخدمات لعشرات العائلات من الموظفين ذوي الدرجات العليا، التي تقطن البرج، مقابل أجر مادي لا يكاد يكفيه لتوفير أهم الاحتياجات الأساسية لمنزله من خضراوات ومواد تموينية، وبعض المصاريف الأساسية المهمة.
يبدأ عايش حراسة البرج منذ الساعة السابعة صباحا وحتى السابعة مساء، ولا يتوقف خلال هذا الوقت الطويل عن توفير خدمات السكان واحتياجاتهم، مقابل أجر مادي يصل إلى 750 شيقلا فقط؛ أي ما يعادل (200 دولار)، لا تكاد تكفيه لتوفير الاحتياجات الأساسية المهمة للشهر. لكن ظروف الحياة؛ كما يقول، تجبره على تحمل كل التعب والوقت الطويل في العمل، من أجل أن يوفر القليل من احتياجات أسرته.
ويشير عايش إلى أن لديه 6 من الأبناء والبنات، من بينهم شاب واحد يدرس في كلية الآداب بالجامعة الإسلامية في غزة. ويشير إلى أنه اضطر للاقتراض والاستدانة من بعض المقربين منه لتوفير المال لدراسة ابنه، وأنه لا يعرف كيف سيسدد ما يقترضه وكيف سيكمل نجله الأكبر أحمد سنوات الدراسة الأربع في هذه الظروف المادية الصعبة.
ويعد العامل عايش نفسه أفضل حالا من كثير من العمال والمواطنين في قطاع غزة الذين لا يجدون لقمة العيش؛ فهناك مئات الآلاف من العمال والمواطنين يعيشون تحت خط الفقر، وهم بحاجة ماسة للعمل من أجل ستر أنفسهم وعائلاتهم.
ويأمل عايش في أن يكون العام الجديد أفضل حالا على المستويات كافة بالنسبة للعمال والمواطنين، مشيرا إلى أنهم عاشوا عام 2017 بوصفه أكثر الأعوام جفافا، مع تراجع الظروف الاقتصادية والحياتية اليومية في غزة، في ظل الظروف السياسية الراهنة على صعيد الاحتلال، أو داخليا بشأن المصالحة التي قال إن نجاحها من الممكن أن يؤثر إيجابيا على حياة السكان وتحسين الوضع اقتصاديا، ويفتح آفاقا جديدة من أجل فرص العمل مستقبلا.
في حين يقول العامل يوسف أبو سالم (37 عاما)، إنه يبحث منذ أشهر طويلة عن فرصة عمل مع مقاول بناء كبير، يعمل باستمرار في مشروعات مختلفة دون توقف، على أمل أن يجني بعض المال الذي يمكن أن يعينه على توفير احتياجات منزله الفارغ من غالبية المواد الأساسية التي تطلبها زوجته وأبناؤه باستمرار.
ولفت أبو سالم في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن ثمة تراجعا في أعمال البناء داخل قطاع غزة، مع التشديد الإسرائيلي على دخول الإسمنت وغيره، وتراجع قدرة المواطنين على بناء منازلهم نتيجة الظروف الاقتصادية الهشة في السنوات الماضية، خصوصا السنة الماضية.
وأوضح أبو سالم أنه كان يعمل مع مقاول بناء حتى شهر يونيو (حزيران) الماضي، إلا أن المقاول توقف عن العمل نتيجة عدم وجود مشروعات بناء خاصة أو عامة، مما تسبب بتعطل أكثر من 30 عاملا، يعولون عائلات لا تقل كل منها عن 4 أفراد، مشيرا إلى أن كلا من أولئك العمال بات يبحث عن فرصة عمل مع مقاولين لديهم مشروعات ضخمة ممولة من جهات خارج قطاع غزة، لضمان استمرارية فرصة العمل.
وأشار إلى أن كل ما كان يتحصل عليه هو ما بين 1400 و1600 شيقل شهريا (أي ما يعادل نحو 450 دولارا) في حال كانت هناك استمرارية للعمل طوال أيام الشهر، حيث كانت تمر فترات لا يعملون فيها أكثر من 10 أيام في الشهر الواحد، ما يزيد من أعباء الحياة عليهم. وأعرب العامل أبو سالم عن أمله في أن يكون العام الجديد أفضل بالنسبة له ولبقية العمال، وأن تتحسن الظروف الاقتصادية لضمان استمرارية عملهم، حتى وإن كان ما يحصلون عليه لا يكاد يكفي لتوفير الاحتياجات الأساسية لعائلاتهم.
ويقول الشاب أشرف سامي (27 عاما) إنه يبحث عن فرصة عمل في أحد المصانع، أو في أي مهنة يمكن أن يعول من خلالها والده وعائلته، مشيرا إلى أن والده عاطل عن العمل منذ عام 2000 حين منعت إسرائيل العمال الفلسطينيين من دخول مناطق الخط الأخضر، ولا يوجد عائل سواه، لافتا إلى أنه لم يتمكن من الحصول على فرصة عمل يوفر بها لعائلته ولنفسه مستقبلا آمنا ولو كان بالحد الأدنى.
واستبعد الشاب أشرف أن يكون للمصالحة أي تأثير على تحسن ظروف الشباب الخريجين، وغيرهم ممن يطمحون في الحصول على وظيفة في ظل المحاصصات الحزبية بين الفصائل، مشيرا إلى أن العمال والشباب من الخريجين وغيرهم يعيشون ظروفا صعبة ومستقبلا مجهولا.
وبحسب «اتحاد نقابات عمال فلسطين»، فإن الاقتصاد الفلسطيني تعرض خلال عام 2017 لانهيار كامل، أدي إلى نتائج كارثية على طبقة العمال في قطاع غزة.
وأشار الاتحاد في بيان له إلى أن عام 2017 يعد الأسوأ منذ أكثر من 11 عاما، وأن أعداد العمال العاطلين عن العمل وصلت لنحو 250 ألف عامل، وأن نسبة الفقر بلغت 70 في المائة، فيما بلغت نسبة البطالة أكثر من 60 في المائة في صفوف العمال؛ الشريحة الأكبر في المجتمع الفلسطيني.
وتحدث «الاتحاد» عن تدهور الاقتصاد جراء الحصار الإسرائيلي وتوقف محطة الكهرباء، وما نتج عنه من تدمير كثير من القطاعات الإنتاجية والخدماتية، وأثر على مختلف أوجه النشاطات الاقتصادية في قطاع غزة.
وطالب «الاتحاد» المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال لرفع الحصار عن قطاع غزة، مناشدا المؤسسات الدولية وكل أحرار العالم تحمل مسؤولياتهم و«أن يقفوا بجانب العمال للتخفيف من معاناتهم».
11 عاماً من الحصار جعلت من 2017 الأسوأ في تاريخ العمال والعمالة بقطاع غزة
نسبة البطالة فيه تزيد على 60 %... و70 % من سكانه فقراء
11 عاماً من الحصار جعلت من 2017 الأسوأ في تاريخ العمال والعمالة بقطاع غزة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة