استغرق الأمر 5 شهور حتى يتقبل ستيفن جيرارد فكرة أن نهاية وجوده مع فريق «إل إيه غالاكسي» الأميركي تشكل في الوقت ذاته نهاية مسيرته كلاعب كرة قدم محترف، التي امتدت إلى 19 عاماً. المؤكد أن الفراغ الذي خلفه رحيله عن الملاعب في حياته لن يجد ما يسده بشكل كامل، لكن يبقى عشق الكرة حد الإدمان قائماً وبحاجة للإشباع. ولهذا، فإنه رغم شعوره بأنه قد تقدم في السن فجأة في غضون الشهور الستة التي تولى خلالها مسؤولية تدريب فريق «ليفربول» أقل عن 18 عاماً، فإن شيئاً لم يفلح في كسر طموحه لاقتحام حالة «الجنون» التي تسود مجال التدريب على مستوى الدوري الممتاز.
الواضح أن هذه النزعات والطموحات القوية لا تزال تعتمل في نفس جيرارد، 37 عاماً، في الوقت الذي اشتكى فيه من افتقاده روتين التدريب كلاعب خلال عطلة أعياد الميلاد ونهاية العام المزدحمة بالمباريات. وعن ذلك، قال نجم «ليفربول» السابق: «في الواقع، أفتقر إلى التدريب»، بينما كان يرتشف بعضاً من عصير البرتقال في أحد أيام ديسمبر (كانون الأول) شديدة البرودة داخل أكاديمية «ليفربول»، في مقاطعة كيركبي بالمدينة الشمالية. وأضاف: «عادة ما تستغرق جلسة التدريب ساعة، وأنا شخصياً أعشق المباريات التي تقام عشية عيد الكريسماس في كل الأحوال. أما باقي احتفالات أعياد الميلاد، فتبدو طويلة للغاية بالنسبة لي، وربما كنت لأشعر بالسأم تجاهها لو أنه لم تكن هناك كرة قدم لبضعة أسابيع الآن».
الواضح أيضاً من حديث جيرارد أن تعيينه مدرباً لفريق تحت 18 عاماً في «ليفربول» جاء دون أية مميزات. وفي الحقيقة، لم يأت عرض هذه الوظيفة على جيرارد كوسيلة يعبر خلالها النادي عن امتنانه تجاه نجمه المثابر وقائد الفريق السابق، وإنما جاءت بناءً على توصية من الألماني يورغن كلوب مدرب الفريق الأول، بهدف ضمان تمتع جيرارد بأفضل خبرة وإعداد ممكن، قبل العودة إلى دائرة الضوء كمدرب، بغض النظر عن النادي الذي ستأتي منه انطلاقة مسيرته كمدير فني في الدوري الممتاز. ويبدو أن هذه المهمة انطوت على قدر كبير من التحديات والمكافآت في الوقت ذاته.
وعن عمله بمجال التدريب، قال جيرارد: «بالتأكيد أشعر بأهمية الأمر؛ لقد زاد عمري قرابة عامين في غضون 6 أشهر فحسب. وقد كانت نصيحة يورغن لي عندما عدت على النحو التالي: أود منك فقط التواري عن الأنظار لفترة قصيرة لأنك بحاجة إلى عامين تقع خلالهما في أخطاء وتتعلم منها، وتختار عناصر فريقك، وتقرر أي التكتيكات تفضلها؛ أنت بحاجة للوصول إلى فلسفتك الخاصة، وأسلوب اللعب المميز لك، وبحاجة أيضاً للتعامل مع المشكلات الفردية، وبحاجة لتوجيه الثناء إلى الأفراد، وتقديم يد العون لهم، والشعور بخيبة الأمل والانتكاسات. ثم بعد عامين، سيصبح بمقدورك اتخاذ قرار نهائي بشأن ما إذا كان هذا المجال يناسبك».
وأضاف جيرارد: «خلال الشهور الخمسة الأخيرة، شعرت بجميع النجاحات والإخفاقات، وعايشت المشكلات اليومية التي يقابلها المدربون في عملهم، وإن كان ذلك على مستوى الناشئين. وبالتأكيد، سيعينني ذلك على الاستعداد لما هو آت، بغض النظر عن شكله. ولا أشعر بالخوف تجاه هذا الأمر، ولا أهابه، وأدرك جيداً أنه كلما مضيت في الطريق، ستتركز الأعين عليّ بدرجة أكبر، ويتركز الاهتمام وتتزايد الآراء والانتقادات والإشادات. إنني مدرك لكل هذا. بالنسبة لي، من المهم تذوق بعض الحياة بعيداً عن الكاميرات، ومعايشة كل التجارب الممكنة قبل السقوط في دائرة الجنون».
ومن الواضح أن الفصل الأخير في مسيرة جيرارد مع الساحرة المستديرة يستنزف كامل تركيزه، تماماً مثلما كان الحال مع الفصل السابق. وبوجه عام، يعمل جيرارد 6 أيام في الأسبوع داخل الأكاديمية. وعن هذا، قال: «يتعين عليّ أن أظهر أمام اللاعبين أخلاقيات العمل، وأن أنال ثقتهم». والواضح أن تجربته مع التدريب حتى الآن نجحت في إكسابه كثيراً من الدروس والخبرات الجديدة، على رأسها حسب قوله: «الساعات التي يتعين على المرء تخصيصها لهذا العمل».
واستطرد جيرارد موضحاً: «عندما كنت لاعباً، كان بمقدوري الانفصال تماماً عن عالم كرة القدم بمجرد انطلاق صافرة نهاية المباراة، إلا أن هذا الأمر من الصعب للغاية تحقيقه كمدرب، وهنا تحديداً يكمن الاختلاف الأساسي بين العمل كلاعب وكمدرب. الآن، وفي أعقاب كل مباراة، أجد نفسي مستغرقاً في التفكير بخصوص الأمور التي سارت على ما يرام، والأخرى التي لم تكن كذلك، وما يحتاجه اللاعبون كأفراد للعمل على تعزيزه وتنميته هذا الأسبوع، ومن يتعين عليّ توجيه الإشادة له، ومن يتعين عليّ الحديث إليه بشأن بعض النقاط، ومن كان دون المستوى المطلوب! في الحقيقة، التعامل مع هذا الجانب من مهمة التدريب كان غريباً للغاية بالنسبة لي، ولا أقصد من ذلك أنني كنت ملاكاً عندما كنت في الأكاديمية، وإنما لدينا شخص رائع يدعى فيل روسكو، كان يهتم بمجال التثقيف والرفاهية، وكان على درجة كبيرة من الذكاء.. كان شديد الذكاء. في الواقع، كنت سأضيع تماماً لولا مساعدة فيل ودعمه؛ لقد قدم فريق العمل بأكمله دعماً هائلاً لي».
وأضاف جيرارد: «الحقيقة أن العمل بمجال التدريب يحمل ضغوطاً أكبر بكثير عن مشاركة المرء كلاعب. واليوم، أشعر بتبجيل بالغ تجاه المدربين أكبر عن أي وقت مضى عندما كنت لاعباً. فرغم أنني لطالما شعرت بالاحترام تجاه المدربين الذين عملت معهم، فإنني لم أدرك حجم ضخامة العبء الملقى على عاتقهم حتى جربت هذا الأمر بنفسي». من ناحية أخرى، يتولى جيرارد أيضاً تدريب فريق تحت 19 عاماً في «دوري (اليويفا) للناشئين»، الذي اضطر في إطاره خلال مباراتين أمام «سبارتاك موسكو» هذا الموسم إلى التعامل مع حالات تعرض خلالها لاعبون من «ليفربول» لإساءات عنصرية - تحديداً بوبي أديكاني في موسكو، وريان بروستر لدى العودة إلى «برنتون بارك».
وعن هذا، قال جيرارد: «خلال مسيرتي كلاعب، عاينت تعرض زملاء لي لمثل هذه الإساءات، لكن عندما يحدث هذا الأمر للاعب يعمل تحت إمرتك، وتكون أنت من يتولى قيادة الفريق، تبدو التجربة مختلفة تماماً وكاشفة وتعلمك الكثير. إنني أشعر باهتمام بالغ تجاه هؤلاء الصبية، خصوصاً أنهم يلعبون باسم النادي الذي أنتمي إليه، ويلعبون في صفوف الفريق الذي أتولى شخصياً مسؤوليته. لذا، يتعين عليّ أن أظهر لهم كامل الدعم، وهو الأمر الذي أنتوي فعله بالتأكيد».
أما الأمر الذي لم يظهره نجم خط وسط «ليفربول» السابق أمام اللاعبين، فهو تسجيل له في أثناء مشاركته داخل الملعب. الحقيقة، يبدو جيرارد مدركاً تماماً للمشكلات التي يمكن أن تظهر في طريق كبار اللاعبين الذين يتحولون إلى مجال التدريب، ويكتشفون فجأة على نحو يأتي بمثابة صدمة كبرى لهم أن الجيل الجديد لا يرقى لمستوى المعايير الرفيعة التي يتبنونها. وعليه، اتخذ جيرارد قراراً واعياً بالفصل بين جيرارد اللاعب الذي قاد فريق «ليفربول» في الفوز ببطولة دوري أبطال أوروبا وجيرارد المدرب الناشئ الذي يقطع خطواته الأولى بعالم التدريب.
وقال: «لا أتحدث أبداً عن فترة مشاركتي كلاعب، ولا أستعين قط بتسجيلات أكون بها. وإذا رغبت في أن استعرض أمراً تكتيكياً ما أمام اللاعبين، دائماً ما استعين بتسجيلات مصورة لمباريات لفريق (ليفربول) الأول الحالي، أو فريق أول لنادٍ آخر في الوقت الراهن. الحقيقة أنني لا أعتقد أنه من الصواب أن أقول للاعبين: (انظروا لهذا الأمر)، بينما أكون أنا من يلعب ويجري أمامهم على الشاشة. ومع هذا، فإنه بطبيعة الحال لو كان هناك أمر ما صارخ قد حدث لي أثناء اللعب - جيد أو رديء - واعتقدت أن بإمكانهم الاستفادة منه، ففي هذه الحالة لن أخفي ذلك عنهم بكل تأكيد. إن الأمر ببساطة أنني لا أعتقد أنه من المناسب بصورة عامة أن أقول للاعبين: (انظروا ما فعلت، وانظروا ما حققناه). لقد ولت أيام مشاركتي كلاعب، وانتهى أمرها؛ إننا اليوم معنيين بما سيحدث غداً، وليس الأمس». حتى الآن، حقق هذا التوجه نجاحاً، وإن كان جيرارد حذراً تجاه التسرع في كيل الإشادة والثناء. ومثلما شرح، فإنه «لا تحصل على شيء في الكريسماس سوى مجرد يد تربت على ظهرك كنوع من التشجيع». وعلى الأقل، يستحق فريقه بالفعل هذا التشجيع عن جدارة، ذلك أن «ليفربول» يتصدر اليوم جدول ترتيب أندية الدوري الممتاز لأقل عن 18 عاماً، بعدما ظل محافظاً على مسيرته دون هزيمة واحدة خلال الموسم حتى الآن، بفوزه على «وولفرهامبتون» بنتيجة 2 - 1. وكان «ليفربول» متقهقراً أمام خصمه بنتيجة 1 - 0، قبل 5 دقائق من نهاية المباراة، قبل أن تسري في أوصاله صحوة على غرار تلك التي ألفناها في فترة مشاركة جيرارد بالملاعب.
ومن جانبه، أقر جيرارد: «اقترفت خطأً في هذه المباراة كاد أن يكلفنا كامل النقاط»! أما عن الخطأ، فقد رفض جيرارد الإفصاح عنه، واكتفى بالقول: «لا يمكنني إخبارك به. من بين الأسباب التي دفعتني لاتخاذ قرار قبول هذه الوظيفة أن بمقدوري ارتكاب أخطاء دون التعرض لإصدار أحكام بحقي بخصوصها في كل صحيفة وموقع من مواقع التواصل الاجتماعي».
تجدر الإشارة إلى أن فريق أقل عن 19 عاماً، الذي يتولى جيرارد تدريبه، يتصدر مجموعته في إطار بطولة «دوري (اليويفا) للناشئين»، بعد نجاحه في الفوز في 5 مباريات من إجمالي 6، الأمر الذي نقله إلى دور الـ16، متقدماً على «سبارتاك موسكو» الذي يحتل المركز الثاني بـ7 نقاط كاملة. وقال جيرارد: «لست واحداً من مسؤولي الأكاديميات الذين يتحدثون عن كل ما يخص تنمية مهارات اللاعبين، وأن النتائج لا تمثل أهمية لهم. من جانبي، أرى أن واجبي يحتم عليّ أن أعلم هؤلاء اللاعبين الفوز، وغرس هذا التوجه داخلهم وهذه العقلية التي تميز النادي بأكمله. بالطبع، لا يمكنك أن تقول للاعب يبلغ 18 عاماً أن الأمر برمته يدور حول الفوز الآن، إذا لم يكن قد نشأ على هذه الفكرة منذ الـ7 من عمره حتى الـ17. وبالتأكيد الأمر كله يدور حول الفوز. وإذا سألتني إذا ما كنت أرغب في الفوز ببطولة الدوري أو النجاح في دفع اثنين من اللاعبين إلى صفوف الفريق الأول، سأجيبك أن تصعيد لاعبين للفريق الأول عندي أهم، إلا أنه في الحقيقة أرغب في تحقيق الأمرين معاً».
وأعرب جيرارد عن اعتقاده بأن الجيل الحالي من خريجي أكاديمية «ليفربول» يواجه صعوبة أكبر للنجاح في الدوري الممتاز اليوم، وقال: «اليوم، أصبحت الأندية أكثر ثراءً بكثير، بدرجة جعلت المسؤولين قادرين على التطلع للخارج، وشراء أي لاعب صاحب خبرة مقابل مبالغ ضخمة. منذ 10 أو 15 عاماً، كان بمقدورك النجاح إذا كنت لاعباً بارعاً. أما اليوم، أصبح يتعين عليك أن تبدو حماسياً، وقد تنجح وتبقى... إنني أتطلع نحو اللاعبين على الهامش، وأتساءل ما إذا كان بمقدورهم الانتقال إلى المستوى التالي والاستمرار فيه، رغم أنهم جيدين بالفعل. اليوم، أصبحت المعايير أعلى عما كانت عليه منذ بضعة سنوات مضت».
أما بالنسبة للخطوة التالية، فينوي جيرارد استكشاف الخيارات القائمة أمامه مع كلوب، ومدير الأكاديمية أليس أنغلثروب، وآخرين، في نهاية الموسم، وقد قال: «لا أفكر اليوم فيما سيكون عليه الحال بعد 5 شهور. ومن يدري قد تلوح في الأفق بعد 6 شهور أو عام أو عامين فرصة أكون على استعداد أفضل بكثير لها عما كنت عليه منذ 5 شهور ماضية».
ومما لا شك فيه أن اختيار إدارة ليفربول لجيرارد ليكون هو المسؤول عن فرق الشباب يعد تأهيلاً للنجم الأسطوري لتولي منصب المدير الفني في المستقبل، والسير على خطى كيني دالغليش وأمثاله من النجوم السابقين في النادي الذين برعوا كمدربين.
- أرقام من مسيرة جيرارد
> هو عميد فريق «ليفربول»، لعب له لمدة 16 سنة، بداية من عام 1998، وحمل شارة القائد 11 سنة كاملة، وتوج بكثير من الألقاب، لكنه لم يتوج أبداً بالدوري الإنجليزي الممتاز.
> لعب جيرارد 700 مباراة مع فريق «ليفربول»، سجل خلالها 180 هدفاً.
> أول مبارياته كانت أمام بلاكبيرن، في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1998، كبديل، في عهد المدرب الفرنسي جيرارد هولييه.
> أولاه المدرب هولييه مسؤولية قيادة الفريق، بعد رحيل القائد الفنلندي سامي هيبيا في 2003، وهو لم يتجاوز الـ23 عاماً.
> توج جيرارد بلقب دوري أبطال أوروبا في 2005، بعد لقاء مثير أمام إيه سي ميلان، وتوج بلقب كأس الاتحاد الأوروبي سنة 2001، وكأس السوبر الأوروبي مرتين في 2001 و2005.
> فشل جيرارد في الفوز مع «ليفربول» بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز، وحل وصيفاً 3 مرات، لكنه فاز بلقب كأس إنجلترا مرتين في 2001 و2006، وبكأس رابطة الأندية المحترفة 3 مرات في 2001 و2003 و2012، والدرع الخيرية مرتين 2001 و2006.
> لعب جيرارد 114 مباراة مع منتخب إنجلترا (38 منها قائداً)، وسجل 21 هدفاً.
> اختير أفضل لاعب في أوروبا عام 2005، بعد تتويج فريقه بلقب دوري أبطال أوروبا والسوبر الأوروبي.