«اضطراب ما بعد الصدمة» يهدد صحافيي مصر

بعضهم ترك المهنة وآخرون انضموا إلى دورات تطوعية لدعم زملائهم

صورة  تجسد إصابة مصور صحافي أثناء تغطيته لأحداث موقعة الجمل فبراير 2011 (أ.ف.ب)
صورة تجسد إصابة مصور صحافي أثناء تغطيته لأحداث موقعة الجمل فبراير 2011 (أ.ف.ب)
TT

«اضطراب ما بعد الصدمة» يهدد صحافيي مصر

صورة  تجسد إصابة مصور صحافي أثناء تغطيته لأحداث موقعة الجمل فبراير 2011 (أ.ف.ب)
صورة تجسد إصابة مصور صحافي أثناء تغطيته لأحداث موقعة الجمل فبراير 2011 (أ.ف.ب)

نظرا للاضطرابات والحروب والأحداث الإرهابية التي تضرب عالمنا بلا هوادة منذ عام 2011؛ فإن الصحافيين يتعاملون يوميا مع عشرات الصور الصادمة والقصص المؤلمة لضحايا ولاجئين ومصابين، مما يؤدي لإصابتهم بعدد من أعراض الحزن والاكتئاب واضطرابات سلوكية غير مفهومة حتى للمقربين منهم أو حتى أمراض جسدية مفاجئة كالضغط والسكر واضطرابات الأعصاب والأرق المزمن، وكلها تندرج تحت ما يسمى باضطراب ما بعد الصدمة Post Traumatic Stress Disorder الذي بات يهدد عددا كبيرا من الصحافيين سواء على مستوى حياتهم الشخصية أو المهنية.

أخبار «برائحة الغاز»

بعد أن أدركت وقوعها في براثن «اضطراب ما بعد الصدمة» ونجاحها في التغلب عليه، قررت أمنية كريم، الصحافية بجريدة الأخبار أن تقدم ورشة لشباب الصحافيين في مؤسسة «ميديا توبيا» بالقاهرة، حاولت من خلالها نقل خبرتها وتجربتها في تغطية عدد من الأحداث العنيفة بمدينة الإسكندرية وكيفية الخروج من الآثار السلبية التي يتركها العمل الصحافي.
تقول أمنية كريم لـ«الشرق الأوسط»: «قمت بتغطية مظاهرات ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 وبالطبع دون أي تدريب أو إرشاد لما يمكن أن أتعرض له، كانت تغطية تلك الأحداث تتضمن مشاهدة المصابين أو شهداء من حولي أو تعرض للاختناق بسبب قنابل الغاز، أو إصابة بعض الزملاء بجواري، اعتمدنا وقتها على مساندة بعضنا بعضا دون أي دعم من مؤسساتنا الصحافية... بعد انتهاء الأحداث كنت أشم رائحة الغاز وأسمع طلقات الرصاص وكأنني في قلب الأحداث» هكذا تروي أمنية كريم بداية إدراكها لإصابتها باضطراب ما بعد الصدمة مما دفعها لإعداد رسالة الماجستير حول «العنف ضد الصحافيين وتأثيره على الأداء المهني» بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية 2016، وتضمنت الرسالة مقابلات متعمقة مع 50 إعلاميا تعرضوا للعنف، حيث اكتشفت مدى احتياج الإعلاميين للدعم النفسي بعد تعرضهم للعنف المباشر خلال عملهم، أو تغطية أحداث عنف أو كوارث ظلت عالقة بأذهانهم. وتقول: «بعد فترة أدركت أنني أمر بحالة اضطراب وقمت بعمل جلسات تأمل للخروج من هذه الحالة، كما بدأت أركز على الجوانب الإيجابية في حياتي عموما سواء في العمل أو الحياة الشخصية، وقررت أن أحرص أولا على سلامي الداخلي وتخطي كافة صراعات العمل وضغوطه، لكي أتمكن من مواصلة عملي الصحافي».

دعم من أهل الصحافة

حاولت أمنية مع عدد من زملائها تقديم الدعم النفسي لبعضهم بعضا، وكونوا شبكة فيما بينهم لتقديم الدعم النفسي والمساعدة في حالة التعرض لظروف طارئة أثناء العمل الميداني؛ إذا اختفى أحد منهم لأي سبب وبالفعل نجحوا في ذلك رغم الأجواء التنافسية والرغبة في الحصول على السبق الخبري، لكنهم أدركوا أن دعمهم لبعض نفسيا يأتي في المرتبة الأولى. وتؤكد أنه «لم تقدم لنا أي جهة إعلامية تأهيلا أو دعما نفسيا، في الوقت الذي نشعر فيه عادة بعد تغطية الأحداث العنيفة بشعور بالذنب خاصة حينما يتعلق الأمر بمساعدة منكوبي العقارات المنهارة أو الأحداث الإرهابية الذين يتعلقون بنا كطوق نجاة وكجسر لإيصال صوتهم للرأي العام».
وتشير أمنية إلى أن عددا من زملائها فضل ترك مهنة الصحافة بعد إصابته بالاكتئاب أو الأمراض المزمنة أو حتى بسبب رغبته في عدم تغطية أحداث عنيفة».
وتؤكد أمنية: «العمل الصحافي بطبيعته يضع ضغوطا كثيرة علينا، وقد يؤدي إلى حالة من الانعزال عن المجتمع، وبالتالي علينا كل فترة أن نحاول استعادة توازننا بممارسة الرياضة أو عمل إبداعي». وتنصح أمنية كريم كل إعلامي بالعمل على تحسين صحته النفسية وإدارة الضغوط المتعلقة بالعمل، بالحديث لعدد من زملاء المهنة ومشاركتهم أفكار إيجابية، ومحاولة أخذ قسط من الراحة من دوامة العمل والخروج وتمضية الوقت مع الأصدقاء والأهل.

بين المهنية والأرق

يعاني الصحافي من فترات عصيبة يحاصره فيها الشعور بالذنب من كونه يحمل على عاتقه مسؤولية إيصال صوت المهمشين والضعفاء للرأي العام وحصولهم على حقوقهم أو حمياتهم من المخاطر، وهذا الشعور قد حاصر الصحافية الاستقصائية علياء أبو شهبة التي روت لـ«الشرق الأوسط» معاناتها جراء قيامها بعدد من التحقيقات الاستقصائية الخاصة بالوصم الاجتماعي، تقول: «من حسن حظي، أنني في عام 2016 شاركت في ورشة عمل مع مؤسسة أريج للصحافة الاستقصائية، عن «كيفية التعامل النفسي مع الصدمات والضغوط بالنسبة للصحافيين»، ساعدتني هذه الورشة كثيرا في تخطي ما كنت أمر به من شعور بالحزن مصحوبا بالشعور القاتل بالذنب، وتعلمت فيها أن ما أقوم به هو عملي في نقل صوت المهمشين وليس من الضروري أن يتغير المجتمع وأنني لست مسؤولة عن تقديم الحلول لهم، فليس معي مصباح علاء الدين».
وتضيف علياء أبو شهبة: «بعدها قررت أن أقوم أيضا بالبحث عن قصص إخبارية إيجابية تقدم الأمل وجوانب مشرقة من المجتمع منها بمبادرة لسائقي (التوك التوك) لنبذ ومواجهة التحرش الجنسي، وبدأت أتوجه للصحافة العلمية».
«كنت أشاهد مرضى الإيدز المتوفين أمامي» تتذكر علياء أبو شهبة أثار اضطراب ما بعد الصدمة عليها، قائلة: «عملت لمدة 3 سنوات في موضوع قضايا الإيذر، وعلى الرغم مما حققته لي هذه التحقيقات من نقله مهنية فإن الشعور بالذنب تسبب لي في كثير من الأضرار النفسية فأصبت بالأرق والكوابيس وأحلام اليقظة، خاصة وأن المهنية كانت تقتضي عدم نشر بعض قصص مرضى الإيدز أو المدمنين لأنها قد تضر بسمعتهم أو أسرهم، وحينما رحلوا ظلت قصصهم تطاردني وظلت صورهم تتجسد أمامي لعدة أشهر».
تتواصل علياء أبو شهبة مع أخصائي نفسي عبر الإنترنت يقدم لها النصائح والدعم النفسي كانت قد التقت به في مؤتمر «أريج» بالأردن، وتقول: «للأسف لا يوجد في مصر جهة تقدم التأهيل أو الدعم النفسي للصحافي، وحينما نطلب الدعم نواجه بسخرية من قبل رؤساء ومسؤولي التحرير».
وتشير: «للأسف أيضا تقوم المؤسسات الصحافية بالحجر على حق الصحافي في حرية اتخاذه قرار تغطية الأحداث العنيفة، ففي وقت أحداث رابعة عام 2013، كنت أقطن بجوار مربع الأحداث وكان من الصعوبة التحرك في الشوارع، وفضلت أن أقوم بالتغطية من المنزل حيث لا توجد أي وسائل للحماية من طلقات الرصاص أو غيرها، وحينما رفضت التغطية الميدانية قامت الصحيفة بخضم 15 يوما من راتبي، ووجدت أن ذلك ظلما شديدا».
تحاول أبو شهبة نقل خبرتها في التعامل مع اضطراب ما بعد الصدمة بشكل تطوعي لعدد من طلاب الإعلام الجامعات المصرية خاصة بعد أو وجدت عددا من زملاء المهنة يمر بأعراض الاضطراب ويتجه للكافيين أو يتعامل مع عائلته بعنف شديد. كما أنها أصبحت تواظب على ممارسة اليوجا والزومبا للتخلص من ضغوط العمل الصحافي.

دورات للوكالات الأجنبية

حول ضغوط وعواقب تغطية أحداث الثورة المصرية والأحداث الإرهابية، يقول هيثم التابعي، الصحافي السابق في مكتب وكالة الصحافة الفرنسية بالقاهرة لـ«الشرق الأوسط» في حديث عبر الهاتف: «لم أتلق تدريب قبل المظاهرات في 2011 أو 2013 بل وأيضا تصاعد العنف بشكل لا يترك مساحة لتلقي الدورات، لكن كان الحرص على تقديم وسائل السلامة الجسدية كالخوذة والقميص الواقي من الرصاص. كانت هناك مشاهد للكثير من القتلى والمصابين لكن لم أحصل على تأهيل نفسي عقب الأحداث لكن كانت الوكالة تحرص على ضرورة إعطاء الصحافيين إجازة وعدم مواصلة العمل لفترات طويلة».
في حالة استثنائية وحيدة في مصر، يحظى صحافيو هيئة «بي بي سي» بالدعم النفسي من مركز متخصص في لندن يقدم لهم الخدمات على مدار الساعة، حيث يقوم الصحافي المتضرر بالاتصال بالمركز الذي يحافظ على السرية التامة وخصوصية الصحافي ويقدم له النصائح فيما يتعلق بتعرضه لعنف أو تحرش في العمل أو أثناء تغطية الأحداث الميدانية، ويمكن للصحافيين من مختلف المؤسسات الاطلاع على بعض المقالات الإرشادية عبر موقع «بي بي سي أكاديمي» والتي توضح كيفية التعامل مع «التروما» أو اضطراب ما بعد الصدمة.
وحول أهمية الحصول على التأهيل قبل أو بعد الأحداث، يشير التابعي: «أفضل طبعا إعادة التأهيل بعد الأحداث. أتذكر أنني عقب أحداث (رابعة) ظللت لمدة أسبوعين أسمع أصوات طلقات النار حولي، وأستيقظ من النوم عليها. لم أحصل وقتها على استشارات نفسية لكن قمت بالحديث لأحد أصدقائي وساعدني كثيرا في الخروج من هذه الحالة». ويروي: «من أصعب اللحظات التي مرت علي تغطية انفجار بجوار مكان دراستي وجامعتي أو في الحي الذي أعيش فيه، فحينما حدثت اشتباكات المقطم عام 2013 بين الإخوان والأهالي كان من الصعب علي أن يتحول الحي إلى ساحة اشتباكات بين أناس أعرفهم بشكل شخصي، بعدها قمت وفقا لنصيحة أصدقائي بدخول السينما بشكل مكثف حتى في بعض الأحيان كنا نشاهد فيلمين متتاليين».
ويحذر التابعي من خطورة اختزان كل الأحداث السلبية في عقلنا وجسدنا يجعلنا غير قادرين على تقديم المزيد للعمل، مضيفا: «من المهم أن توفر المؤسسات هذا التأهيل النفسي؛ لأن بعض الصحافيين أحيانا تسوء حالتهم بشكل مفاجئ، وأتذكر جيدا أحد الزملاء من صحيفة مصرية أصابته حالة هياج وتوتر شديد أثناء فترة تغطية الاشتباكات في فترة عزل مرسي، حيث ساد إطلاق النار في كل مكان حولنا، حاولت مع عدد من الزملاء تهدئته لكن دون جدوى ولم يتمكن على مواصلة عمله».

صدمة تفجير وهوية مخفية

معاناة أخرى لأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، ترويها صحافية مصرية فضلت عدم ذكر اسمها عن تجربتها في تغطية أحداث تفجير الكنيسة البطرسية العام الماضي، قائلة: «كانت تنتابني نوبات بكاء متواصلة أثناء قيامي بتغطية الأحداث، خاصة وأن بعضهن كانوا في عمر ابنتي أو زميلات لها في مدرستها واعتبرت أن هذا أمرا طبيعيا، وقمت بالحديث لعدد من المصابات من الفتيات الصغيرات وذويهم، وكان لوفاة بعضهن بعدها أثر سلبي كبير، حتى أنني في بعض الأحيان كنت أمنع طفلتي من الذهاب للمدرسة بسبب خوف غير مبرر. بعدها اتخذت قرارا بعدم متابعة باقي الوفيات، ولم أكتب أي شيء يتعلق بهذه المأساة، وقررت ممارسة الرياضة بشكل جماعي ومنها اليوغا، وبالفعل نجح هذا في تخفيف التوتر لكنه لم يُزِل أثر الشعور بالذنب أو الحزن» تستكمل: «وبعدها بعدة أشهر أصبت بأعراض غريبة كالوخز والتنميل في مختلف أنحاء الجسد وتوتر عصبي حاد ذهبت على إثرها لأطباء باطنة وأمراض عصبية وأجريت اختبارات للكشف عن التهاب الأعصاب، وغيرها من الفحوصات التي لم تكشف عن أي شيء وكان تشخيص الطبيب أن هذا بسبب الضغوط النفسية والعصبية للعمل الصحافي بعدها وجدت هذه الأعراض تختفي تدريجياً وألحت علي رغبة جامحة في ترك العمل الصحافي والتحول لمجال عمل تجاري، لكن بعد فترة قررت الاستمرار في العمل لكن بشرط أن أمضي وقتا أطول لنفسي بعيدا عن العمل».

معايير لاختيار الصحافي الميداني

يؤكد العميد الدكتور محمود برغوت، المتخصص في الطب النفسي لـ«الشرق الأوسط»: «من المهم جدا لأي مؤسسة صحافية أن تقوم بإجراء اختبار سمات وقدرات مبدئي للصحافي الذي تنوي تكليفه بالعمل الميداني؛ لأن هناك بعض الأشخاص لا تؤهلهم سماتهم الشخصية للخوض في أحداث دامية أو عنيفة وقد تنتابهم حالات هياج أو اضطراب سلوكي تعوق عملهم بل وتضر المنكوبين أو المصابين في الأحداث».
ويوضح: «هناك أنماط شخصية مثل الشخصية الانطوائية أو العاطفية من الخطورة الزج بها في العمل الميداني لأنه أولا سيقدم تغطية غير متوازنة، قد تضر بسمعة مؤسسته ومصداقيتها، ثانيا سوف يتعرض لأذى نفسي شديد، ولكن من الملائم اختيار الشخصية الواقعية أو ذات النمط القراري التي يمكنها اتخاذ القرارات السليمة تحت ضغط».
ويشير إلى أن: «الكثير من الصحافيين يظن أنه محصن من الـ(تروما) أو الاضطراب بعد اعتياده على مشاهدة الصور العنيفة أو تغطية الأحداث لأنه يختزن كل ذلك في عقله وتتراكم تلك الخبرات السلبية وقد تتحول إلى مرض نفسي مثل: الذهان أو العصاب، وقد تتحول إلى أمراض جسدية بالضغط والسكر وارتفاع ضربات القلب، أو إلى أعراض (نفس - جسدية) أي آلام غير محددة وليس لها سبب مرضي واضح».
ويضيف: «يتعرض الصحافيون لضغوط عمل كبيرة إلى جانب ما قد يواجهونه في الميدان، مما يؤدي في الأحيان لانتحار بعضهم أو إصابته بالاكتئاب الشديد، وقد شاهدت عددا من الحالات التي وصل بها الحال للإدمان أو الشراهة في التدخين وتناول الكافيين أو الانفصال والطلاق بسبب العنف الأسري الناجم عن ضغوط العمل».
وينصح: «من أهم الخطوات للخروج من اضطراب ما بعد الصدمة هي تكليف الصحافي بمهام إبداعية تقوم بتشغيل العقل مع الجسد». ويقول: «من المهم أن تلتفت المؤسسات الصحافية ونقابة الصحافيين لأهمية التأهيل النفسي، مؤخرا تقوم شركات الاتصالات والمؤسسات الدولية بتقديم دورات للعاملين بها للحفاظ على الموارد البشرية بها، وتمكينهم من تقديم خدماتهم على أكمل وجه، وتقدم لهم الدعم بشكل مستمر من خلال إشراكهم في أنشطة جماعية عبر الإنترنت وتكليفهم بمهام بعيدة تماما عن مجال عملهم لتخليصهم من الطاقات السلبية».
ترى الأخصائية النفسية جولي جوزيف، التي تقوم بإعداد اختبارات سمات وقدرات في عدد من الهيئات الحكومية: «الصحافيون من أخطر الفئات التي يجب تأهيلها بشكل ملائم لأنها تتعامل مع قطاع جماهيري كبير، وبعضهم يذهب لمواقع الأحداث الخطرة دون خبرة، وبالتالي يتسبب في ضرر للمنكوبين بسبب عدم قدرته على امتصاص غضبهم، أو عدم قدرته على اتخاذ القرار المناسب فيما يخص سلامته الجسدية أولا حيث أصيب عدد كبير من الصحافيين أثناء تغطية أحداث ثورة يناير، يجب أن يكون مدركا لكيفية حماية نفسه من الهجوم المباغت والسيطرة على مشاعره وعدم الانسياق في الأحداث التي يغطيها، كأن يتظاهر مع المتظاهرين مثلا بسبب عدم ثباته الانفعالي».
وتؤكد: «من خلال اختبارات السمات يمكننا تحديد ما إذا كان الصحافي سوف ينجح في مهمته الميدانية أم لا؟ فمثلا من لديهم ميول للعزلة سيكونون أكثر عرضة لاضطراب ما بعد الصدمة في حال تغطيتهم الميدانية لأحداث عنيفة، ويمكن إعداد الصحافي نفسيا لكي يتعامل مع مهمته كمهمة عمل الطبيب». وتوضح: «أغلب الصحافيين والمحررين أيضا يمرون بأعراض الاضطراب (تروما) نتيجة تعرضهم للصور ومقاطع الفيديو الوحشية بشكل مكثف، حيث تظل آثارها مختزنة في العقل الباطن وتظهر أعراضها في شكل أرق، عزوف عن الطعام، فقدان ذاكرة مؤقت بشكل متكرر، إدمان الشاي والقهوة هنا يجب على المعالج النفسي أن يتعامل باحترافية فلا يشعره بأنه يعاني من اضطراب ما، بل يقدم له ما يشبه دورات لإعادة التأهيل يتم تصمميها للتركيز على الجوانب الإبداعية له وإخراج الطاقات الكامنة وضبط السلوك، وبالتالي يتمكن الصحافي من مواصلة عمله بكل احترافية».


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.