نازحون من عرسال إلى شمال سوريا يحتمون بركام المنازل

TT

نازحون من عرسال إلى شمال سوريا يحتمون بركام المنازل

لم يجد النازحون السوريون من عرسال اللبنانية باتجاه الشمال السوري، ملاذاً جديداً للاحتماء به من صقيع الشتاء، سوى زوايا صامدة تحت الركام في فيلات منطقة «الإندومي» في ريف حلب الغربي. فالبقاء في ريف إدلب، استحال بعد شهر على وصول المدنيين ضمن صفقة توصل إليها «حزب الله» اللبناني مع «جبهة النصرة» لإخلاء جرود عرسال، بالنظر إلى صعوبة الحياة فيها وانعدام فرص العمل.
وليس الحال في ريف حلب الغربي أفضل من ريف إدلب، إلا بامتياز واحد، أن مقر الإقامة «مجاني»، حسب ما يقول أحد المدنيين الذين وصلوا إلى المنطقة، موضحاً أن 400 عائلة تضم نحو ألفي شخص من النازحين من عرسال، يقيمون الآن في منطقة الإندومي. ويضيف: «في هذه المنطقة، لا ندفع إيجارات للمنازل. نقيم في زوايا لا تزال صالحة للسكن تحت ركام الفيلات المدمرة»، موضحاً أن المنطقة المحاذية لخان العسل في غرب حلب، «توصف الآن بأنها مستقرة أمنياً إلى حد ما، رغم أنها تبعد كيلومتراً واحداً عن خط المواجهة بين فصائل المعارضة وقوات النظام في الراشدين في حلب».
ولا يخفي المدني الناشط معاناة الناس النازحين إلى منطقة الإندومي، إذ يقول: «حين وصلنا من عرسال إلى هنا، لم يكن لدينا ما يكفي من المال لنستقر في أطما أو سرمدا أو الدانا»، وهي بلدات كبيرة في ريف إدلب الشمالي حدودية مع تركيا، حيث «يتوجب علينا دفع 100 دولار كحد أدنى ثمناً لإيجار غرفتين نقيم بهما، و30 دولاراً إضافية ضمن كهرباء وماء بالحد الأدنى»، وهو ما لا يُدفع في منطقة «الإندومي» التي «تنعدم فيها فرص العمل، ولا نتلقى مساعدات أكثر من حصص تموينية تتضمن المواد الأساسية مثل الأرز والبرغل والسكر، ولا يتخطى ثمنها 2000 ليرة سورية (5 دولارات)». أما التدفئة في الفصل الحالي «فتتم معالجتها عبر جمع الأخشاب وإشعالها، أو عبر الاستعانة بمدافئ الفحم الحجري، وتبلغ قيمة كمية من الفحم تكفي لعشرة أيام 1900 ليرة سورية».
الأمان الذي يتحدث عنه الناشط لـ«الشرق الأوسط»، ولو أنه ليس أماناً كاملاً، إلا أنه يبقى بحال أفضل مما هو عليه الأمر في ريف إدلب، حيث «بدأ المدنيون رحلة نزوح ثانية». ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن موجات نزوح جديدة من الريف الجنوبي الشرقي لإدلب من محيط بلدة سنجار، خلّفتها المعارك الدائرة الآن، وبدأ السكان رحلة نزوح ثانية باتجاه الريف الشمالي لإدلب أو ريف حلب الجنوبي. ويضيف: «الآن نتخوف من رحلة نزوح رابعة بعد القصير والقلمون وعرسال وإدلب، إذا وصلت المعارك إلى منطقتنا»، مشيراً إلى أن «الحدود التركية مقفلة، ولا يمكن العبور إلى تركيا إلا عبر مهربين يتقاضون 1400 دولار لقاء تهريب كل شخص إلى داخل الأراضي التركية».
وتوزع نازحون من عرسال إلى الشمال السوري على 3 مناطق بعد شهر من وصولهم إلى ريف إدلب، هي مناطق ريف حلب الغربي، وريف إدلب الشمالي، ومدينة إدلب. وحسب المدنيين النازحين، فإن اختيار المناطق جاء على ضوء الإمكانات المادية لكل عائلة، حيث استقرت نحو 120 عائلة في الريف الشمالي لإدلب واستأجرت غرفاً تقيم فيها، بينما ذهب مقاتلو «النصرة» وحاشيتهم وعائلاتهم إلى مدينة إدلب «كونهم يمتلكون قدرة مالية تمكّنهم من دفع الإيجارات»، بينما ذهب الفقراء والمعدمون إلى ريف حلب الغربي.
واستبعد هؤلاء فكرة إقامة مخيم، بالنظر إلى أن مخيمات الشمال السوري «لا تستوفي الشروط بتاتاً وهي عرضة لأن تجرفها الأمطار والسيول»، بينما منطقة الإندومي التي تتضمن مزارع وحقولاً «لا تزال أفضل حالاً ويمكن أن توفر مواد غذائية زراعية»، رغم أن بعض النازحين يعيشون في قبو الفيلات أو الطوابق غير المدمَّرة.
وأخلى نحو 5 آلاف مسلح ومدني منطقة عرسال وجرودها في أغسطس (آب) الماضي، وانتقلوا في 113 حافلة نحو الشمال السوري، بموجب اتفاق قضى بإخلاء «النصرة» للمنطقة اللبنانية الحدودية مع سوريا.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.