بين الفيلم الهندي والمسلسل المكسيكي

يتراوح توصيف الفساد المالي والإداري في العراق، بالنسبة إلى المواطن العراقي، بين كونه يشبه فيلماً هندياً بنهاية ميلودرامية معروفة دائماً وهي «الطمطمة» -باللهجة العراقية الدارجة- لأي ملف من ملفات الفساد أو لأي رأس من رؤوسه، أو يشبه مسلسلاً مكسيكياً لا تكاد تنتهي حلقاته التي تزيد على المائتين والخمسين حلقة ولا يزال ثمة المزيد في حكاية البطل والبطلة.
هذا الكلام تترجمه أحاديث وحوارات العراقيين، سواءً حين يظهرون على شاشات الفضائيات يعبرون عن شكواهم بما وصل إليه الحال في بلد غنيّ مثل العراق، أو في مجالسهم الخاصة، حيث ما عادوا يثقون بوعود الطبقة السياسية في إمكانية محاربة الفساد، ناهيك بالقضاء عليه، بما في ذلك وعود رئيس الوزراء حيدر العبادي.
فهناك مَن يرى أن العبادي، وإن كان قد انتصر في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، فإنه سيجد صعوبة كبرى في الانتصار في معركة مكافحة الفساد. والأسباب بالنسبة إلى غالبية المواطنين العراقيين، حتى البسطاء منهم، أن الحرب على الإرهاب خارجية لكون العدو واضحاً ومعروفاً، فضلاً عن كونها حُسمت بدعم دولي كبير. في حين أن الحرب على الفساد «غامضة» لأن العدو فيها غير واضح أو محدد المعالم. ويضاف إلى ذلك أن جزءاً كبيراً من الفساد وتبعاته هو في الأصل متجذر داخل المؤسسة السياسية في العراق عبر شرعنة عشرات القوانين التي تنطوي على فوائد وامتيازات لأبناء الطبقة السياسية من كبار المسؤولين. ولقد تحولت إلى استحقاقات لهم من الصعب التحرش بها. ثم هناك أيضاً من يرى أن الفساد «ليس وليد ساعته» حتى يعلن العبادي الحرب عليه. بل هو رافق العملية السياسية منذ عام 2003 حتى اليوم، فضلاً عن أنه أحد أبرز مخرجاتها. ويضاف إلى ذلك أن العبادي كان، قبل أن يتولى منصبه رئيساً للوزراء، رئيساً مزمناً للجنة المالية داخل البرلمان العراقي.
ولكن، في مطلق الأحوال، الحديث عن الفساد بلغة الأرقام يبدو مرعباً، حيث يجري الحديث عن نحو تريليون دولار أميركي هو مجموع واردات العراق النفطية منذ عام 2004، أي منذ استئناف صادرات النفط العراقي حتى عام 2014، وهي السنة التي هبطت فيها أسعار النفط. فلقد بلغت وارادت النفط نحو 800 مليار دولار أميركي، بينما تبلغ المنح والمساعدات والمداخيل الأخرى نحو 200 مليار دولار. وإذا ما عرفنا أن نحو 70% من موازنة العراق تشغيلية، وهي رواتب وأجور، فإنه حتى في هذه النسب يوجد فساد مالي «مشرعَن»... وهو ما يعني بقاء نحو 300 مليار دولار لا أحد يعرف أين ذهبت بينما يفترض أن تكون ميزانية استثمارية. ومن جهة ثانية يتندر العراقيون من أنه لو تم استثمار هذا المبلغ لأصبحت بغداد وغيرها من مدن عراقية أفضل من دبيّ.

القاعدة لا الاستثناء

الخبراء يرون أنه إذا كان الفساد في بلدان العالم هو حالة استثنائية فإنه في العراق يكاد يمثل القاعدة. والأخطر أن الفساد في العراق يمكن أن يكون حرباً لتصفية الخصوم أو المساومات أو الصفقات. وهو كظاهرة، لا يشبه سواه من الظواهر. وإذا كان في أي مكان في العالم يقاس بملايين الدولارات فإنه في العراق يقاس بالمليارات. ثم إنه لم يأتِ نتيجة سوء استخدام السلطة، بل هو -أو جزء كبير منه- توظيف متعمَّد للسلطة من قبل السلطة ذاتها. ومن بين الأدلة الدامغة على ذلك أن المناصب في العراق كثيراً ما يجري بيعها وشراؤها في بورصات معروفة هنا وهناك. وبعض الوزارات مثلاً تُمنح لبعض الوزراء لقاء مبالغ مالية.