قطاع غزة يتجه نحو «الانهيار» وشبابه يبحث عن مستقبل خارج الحصار

ودع 2017 وسط أزمات كبيرة... ويأمل أن تنتهي في 2018

شاب على حصانه يمر أمام كتابة على الرمل لعام 2018 على شاطئ غزة (أ.ف.ب)
شاب على حصانه يمر أمام كتابة على الرمل لعام 2018 على شاطئ غزة (أ.ف.ب)
TT

قطاع غزة يتجه نحو «الانهيار» وشبابه يبحث عن مستقبل خارج الحصار

شاب على حصانه يمر أمام كتابة على الرمل لعام 2018 على شاطئ غزة (أ.ف.ب)
شاب على حصانه يمر أمام كتابة على الرمل لعام 2018 على شاطئ غزة (أ.ف.ب)

ودع الفلسطينيون في قطاع غزة عام 2017، حاملين معهم إلى عامهم الجديد 2018، أزمات لا تكاد تنتهي أو تتراجع، حتى تتفاقم مجدداً، مع تواصل الحصار الإسرائيلي الذي دخل عامه الحادي عشر، وتدهور الظروف الحياتية كثيراً، وخصوصاً في الأشهر الستة الأخيرة، التي فرضت خلالها السلطة الفلسطينية سلسلة عقوبات على القطاع، للضغط على حركة حماس في موضوع المصالحة الوطنية، ودفع المواطن الغزي ثمنها غالياً، حيث جرى خفض كميات الكهرباء، واقتطاع أجزاء من رواتب موظفي السلطة، وتراجعت الحركة الاقتصادية.
وتشير الأرقام إلى انخفاض في عدد الشاحنات التجارية المدخلة إلى قطاع غزة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة إلى أقل من 500 شاحنة، بدلاً من أكثر من 880 شاحنة كان يفترض أن تدخل إلى القطاع يومياً، وذلك بسبب عدم قدرة التجار على شراء كميات من الاحتياجات اليومية للسكان، نتيجة انخفاض القوة الشرائية الناتجة عن ظروف اقتصادية وحياتية صعبة، لم يشهد لها القطاع في السنوات الأخيرة مثيلاً، ما جعل عام 2017 الأسوأ بين سنوات الحصار.
في الأيام القليلة الماضية، أغلق عدد من التجار في مناطق عدة من قطاع غزة محالهم لساعات معدودة احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والحياتية. وطالبوا بإنقاذ القطاع وإخراجه من ظروف الحياة الصعبة التي يعيشها، حيث لم يعد أغلب المواطنين قادرين على شراء أقل الاحتياجات الممكنة.
يقول التاجر محمد الأسطل (56 عاماً)، وهو من سكان خانيونس جنوب قطاع غزة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «التجار يفقدون تدريجياً قدرتهم على إنقاذ أنفسهم، وباتوا يخسرون أموالاً طائلة ولا يستفيدون حتى من المواد التي يسمح بإدخالها إلى القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، المعبر التجاري الوحيد»، مشيراً بذلك، إلى أن انخفاض عمليات البيع والشراء، التي يقابلها فرض زيادة جمركية من قبل دائرة الجمارك التابعة لحكومة التوافق الوطني، يزيد من الأعباء على التجار.
ويؤكد الأسطل أن قطاع غزة بات على حافة الانهيار اقتصادياً وحياتياً واجتماعياً، مشدداً على ضرورة أن تكون هناك مراعاة للظروف التي يشهدها القطاع حالياً، لافتاً إلى أن عام 2017 كان الأكثر احتضاراً بالنسبة للتجار والمواطنين، الذين لا يتلقى غالبيتهم رواتبهم من المؤسسات التي يعملون بها بشكل منتظم، أو منهم من يتلقاها بشكل منتظم مع خصومات تؤثر على القدرة الشرائية، ما يدفعهم للتفكير في أمور تتعلق بأهم الاحتياجات فقط، وبكميات أقل من المطلوب لستر التاجر نفسه وعائلته.
ويقول المواطن حسن الحلبي (43 عاماً)، إن «الحياة في غزة لم تعد تطاق، خصوصاً أن أزمة الكهرباء ما زالت تتفاقم دون أي مؤشرات إلى إمكانية إيجاد حل جذري لها، أو تحسينها على الأقل»، لافتاً إلى أن هذه الأزمة ترافقها أزمات بيئية مختلفة، منها نقص كميات المياه التي تصل إلى منازل المواطنين، وعدم قدرة النساء على أداء الواجبات المنزلية، وتعطل كثير من المحال والمطاعم والمصانع وغيرها، التي لا تستطيع العمل في الظروف الصعبة.
وأشار الحلبي إلى أن نسبة الفقر في المجتمع الغزي آخذة في الزيادة، لافتاً إلى أن المؤسسات التي تشرف على بعض مشاريع العمل المؤقت، «نظام البطالة»، بدأت هي الأخرى في تقليص خدماتها في غزة لظروف غير معروفة، ما يشير إلى أن الأوضاع تتجه، في العام الجديد، نحو الأصعب، وأن لا حلول قريبة في الأفق.
وتشير المواطنة أم محمد العبسي (في العقد السادس)، إلى الظروف المأساوية التي تعيشها إلى جانب الآلاف من العائلات التي تعتاش على مخصص «الشؤون الاجتماعية» الذي يصرف كل 3 أشهر. وتقول إنها كانت تأمل مثل عائلات، في تسلم المخصص الذي يصل إلى 500 دولار قبل نهاية العام، في موعده المحدد بـ3 أشهر، إلا أن السلطة الفلسطينية لم تصرف المبلغ وسط ترجيحات بتأجيله لما بعد 20 يناير (كانون الثاني) الحالي.
وقالت العبسي إنها بلا معيل، ولا دخل سوى تلك الأموال التي تحصل عليها كل 3 أشهر، مشيرةً إلى أن غالبية العائلات التي تتلقى تلك الأموال تعيش ظروفاً صعبة مماثلة.
وبحسب اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، فقد كان عام 2017، الأصعب من الناحية الإنسانية والاقتصادية في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي، وتبعات الانقسام الداخلي. وأشارت إلى أن 80 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، فيما وصلت نسبة البطالة إلى 50 في المائة، ونسبة البطالة بين فئة الشباب والخريجين 60 في المائة. في حين أن ربع مليون عامل لا يزالون مُعطلين عن العمل، و80 في المائة من مصانع غزة مغلقة بشكل كلي أو جزئي بسبب الحصار والاعتداءات، فيما الخسائر السنوية المباشرة وغير المباشرة تقدر بـ250 مليون دولار.
وعلى الرغم من كل هذه الظروف المعقدة حياتياً، يأمل السكان في غزة، أن يكون العام الجديد أفضل، وإن كانت فرصة ذلك أقل قياساً بالظروف التي عاشها الغزيون في الأشهر الأخيرة.
وتقول ياسمين عايش، إن أقصى أمنيات سكان القطاع، هي أن تصل إليهم الكهرباء 8 ساعات فقط كل 16 ساعة، من أجل الشعور ببعض الأمل، الذي يحيا في نفوس البعض بعد أن قتل نفوس مئات الآلاف من السكان في هذه البقعة الجغرافية التي تعيش في ظلام حالك. فيما يقول الشاب الخريج الجامعي، محمد أبو نصر، إن أكثر ما يطمح له هو أن تفتح المعابر ليسمح له ولعشرات الآلاف من الشبان من أمثاله بالهجرة للبحث عن مستقبلهم بعيداً عن الحصار والحروب.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».