قلق هندي من تطويق الصين لـ«عقد اللؤلؤ»

أبرمت اتفاقية تجارة حرة مع المالديف وعزّزت نفوذها في «فناء نيودلهي الخلفي»

شي جينبيغ لدى استقباله عبد الله يمين في بكين في 7 ديسمبر الماضي (رويترز)
شي جينبيغ لدى استقباله عبد الله يمين في بكين في 7 ديسمبر الماضي (رويترز)
TT

قلق هندي من تطويق الصين لـ«عقد اللؤلؤ»

شي جينبيغ لدى استقباله عبد الله يمين في بكين في 7 ديسمبر الماضي (رويترز)
شي جينبيغ لدى استقباله عبد الله يمين في بكين في 7 ديسمبر الماضي (رويترز)

في إطار استراتيجيتها المحكمة لتطويق «عقد اللؤلؤ»، سجلت الصين انتصاراً جيوسياسياً جديداً بربطها اتفاقية التجارة الحرة والاتفاق البحري بأرخبيل المالديف، ما أدى إلى تعزيز التوتر مع الهند.
وأفادت تقارير واسعة بأن المالديف رحبت بالانضمام إلى اتفاقية التجارة الحرة مع الصين وصادقت عليها في جلسة برلمان انعقدت بمنتصف الليل دون أي من أعضاء أحزاب المعارضة. وتعد هذه الاتفاقية أول اتفاقية تجارة حرة توقعها المالديف مع أي دولة في تاريخها، وهي ثاني اتفاقية توقعها الصين مع دول جنوب آسيا بعد باكستان.
جدير بالذكر أن اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع الصين جاءت بعد عام واحد من تصريح رئيس وزراء المالديف، عبد الله يمين، بأن شعب الجزيرة سيوقع أولى اتفاقيات التجارة الحرة مع الصين. وبالنظر إلى تأثيرها الأمني على ما تعتبره الهند «فناءها الخلفي الاستراتيجي»، فإن هذه الخطوة أدت إلى تأجيج التوتر مع بكين.
تقع المالديف على مقربة من الطرق البحرية المهمة في المحيط الهندي، وهي قريبة من خليج عدن ومضيق ملقا. وتضم هذه المنطقة البحرية المهمة أكثر الممرات البحرية حركة وازدحاماً في العالم، حيث يمر من خلالها نحو 100 ألف سفينة كل عام تحمل نصف حاويات العالم، ونصف شحنات البضائع، وثلثي سفن حاويات النفط في العالم. ويمثل تنامي الوجود الصيني في المحيط الهندي تحدياً للهند التي تتطلع إلى تحسين موقعها فيما يعرف بتجمع «المحيطين الهندي والهادي». ورغم وجودها القوي في منطقة المحيط الهادي، فقد سار تعزيز الصين لوجودها في دول الجوار الهندي بخطوات بطيئة لسنوات، بدءاً من باكستان ونيبال في الشمال، إلى سريلانكا والمالديف في الجنوب، وهو ما أطلق عليه الخبراء الاستراتيجيون الهنود تطويق الصين لـ«عقد اللؤلؤ». وقد منحت سريلانكا شركة تابعة للحكومة الصينية عقد إيجار لميناء «همبانتوتا» الاستراتيجي لمدة 99 عاماً، ويرجع السبب في ذلك إلى ديون سريلانكا للصين التي بلغت 1.1 مليار دولار أميركي.
وفي الأسبوع نفسه، اكتسح تحالف ضم حزبين شيوعيين اقتراعاً برلمانياً في نيبال بعد قيامهما بحملة لتأسيس روابط وثيقة مع الصين والهند، وإن كانت الأخيرة بدرجة أقل. بيد أن اتفاقية التجارة الحرة التي وقعت مع بكين شكّلت المفاجأة الكبرى للهند.
فاقتصاد الصين العملاق يبدو كأنه يُملي شروطه الجديدة قبل قبول الشراكة. فللصّين وجود قوي في ميناء غاودار في باكستان، وقد افتتحت قاعدتها العسكرية في جيبوتي منذ شهور قليلة. وأفاد المحللون بأن التطور الأخير أشار إلى تأكيد الصين على توجهها الجديد صوب جنوب آسيا الذي يخضع كثير من دوله إلى نطاق النفوذ الهندي التقليدي.
ويرى براهما شيلاني، أستاذ الدراسات الاستراتيجية بمركز الأبحاث السياسية: «يعدّ اقتصاد المالديف صغيراً، لكن أهميته الاقتصادية كبيرة. وفي ضوء تنامي الاقتصاد الصيني، عمدت المالديف إلى الحد من اتخاذ قرارات تتعلق بسياستها الخارجية. ولاتفاقية التجارة الحرة أهمية استراتيجية للهند، إذ إن هذه الاتفاقية من شأنها تعزيز الهيمنة الاقتصادية للصين وزعزعة الاستقرار في منطقة المحيط الهادي. ورغم أن المالديف صرّحت بأنها ستستمر دولة منزوعة السلاح، قد تدفع الصين في اتجاه بناء مرافق كمراسٍ لسفنها الحربية في الجزيرة، لتوفير متطلبات أسطولها البحري في همباتونا وجيبوتي وغاودار». وفي أغسطس (آب) الماضي، رست 3 سفن صينية في ميناء العاصمة المالديفية مالي في زيارة للتعبير عن النيات الحسنة. واستطرد شيلاني أنه «بالإضافة إلى حالة القلق، هناك أيضاً حقيقة أن الأرخبيل وحده مدين بنحو 70 في المائة من الديون للصين، ما يزيد المخاوف من أن يقع الأرخبيل بالكامل تحت قبضة بكين، كما هو الحال بالنسبة لباكستان».
إلى ذلك، وقّعت المالديف اتفاقية للمشاركة في مبادرة «حزام واحد، طريق واحد»، أو ما يعرف بمبادرة «أوبور» الصينية. ويهدف مشروع «أوبور» الضخم إلى بناء الموانئ وشق الطرق ومد خطوط السكك الحديدية لربط الصين بأوروبا، ويضم المشروع حالياً 60 دولة، ونحو 70 في المائة من تعداد سكان العالم. غير أن الهند لم تشارك في «أوبور» حتى الآن، رغم أن جميع جيرانها تقريباً انضموا إلى المبادرة الصينية.
وقد أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ أن بكين تعتبر المالديف «شريكاً مهماً في بناء طريق الحرير التي تقرر إنشاؤها في القرن 21». والغرض من مبادرة «أوبور» هو مواجهة جهود واشنطن الرامية إلى تطويق الصين، وإضعاف مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في آسيا وفي مختلف أنحاء العالم.
ولطالما اعتبرت المالديف جزءاً من الفناء الخلفي للهند، ويرجع السبب في ذلك إلى موقعها القريب من الحافة الجنوبية الغربية للهند. وكانت الهند من أولى الدول التي اعترفت بالمالديف بعد استقلالها عام 1965، وافتتحت الهند بعثتها الدبلوماسية هناك عام 1972. وتعد الهند من أهم المستثمرين في المالديف، حيث تعمل في عدد من المشروعات الجاهزة للاستثمار هناك في مجالات العقارات والسياحة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكذلك الطاقة المتجددة. وهناك عدد كبير من الوافدين الهنود المقيمين في الجزيرة.
جدير بالذكر أنه حتى عام 2011، لم تكن للصين سفارة في العاصمة المالديفية مالي، لكن بعد الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الصيني شي جينبينغ عام 2014، وهي الأولى لرئيس صيني، تعززت العلاقات العسكرية والدبلوماسية بوتيرة سريعة.
وتأثّرت علاقات الهند مع المالديف بزيادة الوجود الصيني في الجزيرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن النفوذ الصيني في المالديف بدأ في التدهور بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد نشيد الذي كان قريباً من الهند، وكان ذلك في عام 2012.
وقامت الصين باستبعاد الهند من مشروعين كبيرين للبنية التحتية في تلك الجزيرة، حيث أقدمت حكومة الرئيس يمين على نحو مفاجئ على إيقاف كثير من المشروعات التي كانت قد منحتها للشركات الهندية في ظل حكم الرئيس محمد نشيد، مفضلة الصين.
وتخشى نيودلهي أن تؤدي العلاقات الدبلوماسية بين الصين والهند إلى تمهيد الطريق لبداية التعاون العسكري والأمني بين الدولتين. وكشف الدكتور سريكانيث كوندبالي، أستاذ الدراسات الصينية بجامعة جواهر لال نهرو، أن «الصينيين شرعوا في دخول مشروعات في المجالات الاقتصادية والسياسية مع قادة من بنغلاديش وباكستان وسريلانكا ونيبال، وسيكون هناك تعاون على المدى البعيد».
وتعدّ المالديف الدولة الوحيدة في جنوب آسيا التي لم يزرها مودي منذ توليه مهام منصبه. ورغم أن تلك الزيارة كانت ضمن جدول رحلته لدول المحيط الهادي في مارس (آذار) 2015، فقد ألغيت بسبب بعض الاضطرابات السياسية في المالديف في ذلك الوقت.
بالإضافة إلى ذلك، كانت العلاقات الثنائية على وشك اتخاذ منحى سيئ أخيراً عندما قررت إدارة الرئيس يمين اتخاذ موقف ضد مجموعة معارضة اجتمعت بالمبعوث الهندي.
وعلقت صحيفة «نيكي أشيان ريفيو» اليابانية بأن «التدخل الصيني الأخير في المالديف جاء استناداً إلى القاعدة التي وضعتها هناك من خلال القروض، والمنح والاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تهدف جميعها إلى ضمان موطئ قدم في المحيط الهادي على حساب الهند».
في غضون ذلك، صرح المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الهندي، رافيش كومار، في رد حذر عبّر عنه خلال مؤتمر صحافي عقد أخيراً، قائلاً: «نتوقع أن تتعامل المالديف كدولة صديقة وجارة وأن تكون أكثر حساسية تجاه قلقنا بشأن تطبيق سياسة الهند أولاً». بمعنى آخر، يتحتم على جميع دول المنطقة قبول النفوذ الهندي والالتزام بكل ما تمليه عليهم.
وحوّل كومار دفة الحوار لينتقد ترتيبات سريلانكا الأخيرة مع شركة صينية لتأجير ميناء همبانوتاتا، مشيراً إلى أن الهند «ملتزمة بالتعهد بمراعاة الشأن السريلانكي فيما يخص المخاوف الأمنية في المنطقة».
وعلق الصحافي المستقل والمحلل الاستراتيجي رجايف شارما: «بالنسبة للهند، فإن هذا الوضع يمثل تدهوراً سياسياً واستراتيجياً حاداً، حيث يعكس تنامي النفوذ الصيني في المالديف التي تمثل الفناء الخلفي للهند».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».