لبنان: دراسات فكرية ولغوية ونقدية وروايات... وغياب الشعر

لبنان: دراسات فكرية ولغوية ونقدية وروايات... وغياب الشعر
TT

لبنان: دراسات فكرية ولغوية ونقدية وروايات... وغياب الشعر

لبنان: دراسات فكرية ولغوية ونقدية وروايات... وغياب الشعر

«السياسة اللغوية في البلاد العربية»
أحمد فرحات
عديدة هي الكتب المؤلّفة والمترجمة التي قرأتها على مدى العام 2017. طبعاً أغلبها الأعمّ كان أدبياً، نقدياً، فكرياً، شعرياً ولغوياً.... إلخ. وليس شرطاً أن تكون هذه الكتب صادرة في العام المذكور عينه، بل بعضها صدر في عامنا الحالي، وغيرها صدر في أعوام متفرّقة شتى. وما علق في ذهني من تلكم الكتب التي قرأت، كتاب «السياسة اللغوية في البلاد العربية» للعالم اللغوي المغربي د. عبد القادر الفاسي الفهري، وهو في المناسبة خبير لساني دولي، ولا سيما باللغتين الفرنسية والإنجليزية، عدا لغته العربية الأم طبعاً. كما يحاضر الرجل في شؤون لغة الضاد وغيرها من لغات في كبرى المنابر الجامعية الدولية، منها مثالاً لا حصراً، جامعات «هارفرد» و«ستانفرد» و«باريس الثالثة والسابعة» و«ليدن» و«شتوتغارت»... إلخ.
يتطرّق المؤلف في كتابه المذكور إلى أوضاع اللغة العربية وتحدياتها، بخاصة مسألة الربط بين قوة اللغة أو ضعفها، وقوة الأمة، أو الجماعة التي يوحّدها اللسان. كما يبحث في العولمة اللغوية، وسائطها، وموقع اللغة العربية منها. كما يبحث في النظام اللغوي العالمي و«موقع الكوكبة اللغوية العربية الجيو - استراتيجي»... كما يتطرق إلى عولمة اللغة وعولمة السوق وأمور مهمة أخرى لا يتسع المجال لذكرها في هذا الحيز من الكلام.
واللغة في رأي د. الفاسي الفهري ثقافة، لا لأن الهوية لغة، أو «أنا لغتي» كما يقول الشاعر محمود درويش، أو لأنّ الثقافة خصوصية إثنية، بل لأن الثقافة أساساً سيمياء، في المأكل والمشرب، والرقص والموسيقى... إلخ، سواء كانت محلية أم جهوية أم كونية، ولأن المعتقدات والسلوكيات والقيم والمعارف ثقافية أيضاً، ولأن هناك تفاعل ثقافات ومعارف وتداخلها عبر اللغات.
أما الكتاب الثاني الأبرز الذي قرأت، فيحمل عنوان: «العجائبي والسرد العربي... النظرية بين التلقي والنصّ» للمؤلف د. لؤي علي خليل. والكتاب عبارة عن دراسة نظرية - تطبيقية، انطلقت من الجهود التي بذلها نقاد غربيون في سبيل التقعيد لمفهوم تجنيسي هو «العجائبي»، ذلك أن مساحة هذا المفهوم، وكما يرى المؤلف جعلته يعتقد، وبما بشبه اليقين بحضوره في بنية الفكر العربي - الإسلامي، وفي نصوصه السردية التي أنتجها. وكلما أوغل المؤلف في قراءة حدود «العجائبي»، ازداد يقيناً بالحاجة إلى دراسة تنقّل ذلك الحضور من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل. وعزّز لديه هذا الاعتقاد، أن معظم النصوص التي اعتمدها النقاد تمثيلاً للمفهوم، هي نصوص مشرقية، مثل «ألف ليلة وليلة» أو ذات طابع مشرقي مثل «المخطوط» الحكائي الذي عثر عليه في سرقسطة، وقد كتبه، أو بالأحرى، سرده بالفرنسية الكاتب والرحالة والدبلوماسي يان بوتوسكي، وتدور أحداثه، التي هي على غرار «ألف ليلة وليلة»، في إسبانيا في القرن الثامن عشر. وجعل محور عمله الساحر العجيب، الشقيقتين المسلمتين أمينة وزبيدة، حيث يلتقي بهما بطله منذ الرحلة الأولى ويغرم بهما، ويظل يعاود سيرة اللقاء بهما والحكي معهما حتى آخر الرحلة الفانتازية الشيّقة.
الكتاب الثالث الذي لفتني، ويجدر التنويه به، فهو من تأليف الباحث الفرنسي المعروف ميشال فراجونار، ويحمل عنوان «التيارات الثقافية الكبرى في القرن العشرين»؛ والكتاب الذي نقله إلى العربيّة عن الفرنسيّة د. محمد كامل ضاهر، عبارة عن مجلّد يتألف من 672 صفحة، يحوي 170 موضوعاً تغطّي الأحداث العلمية والأدبية والفنية لأخصب القرون التي عرفها البشر حتى الآن.
ولمزيد من تيسير الأمور وتسهيلها على القارئ، يستعرض المؤلف في «مجلده» المذكور، المعالم الثقافية الرئيسية للقرن العشرين، أحداثاً وتيارات وأشخاصاً، على شكل مقالات ميسرة، تحوي الأفكار الرئيسية دونما إطناب، وبأسلوب سلس يجذب مختلف الشرائح القرائية، ولا سيما غير المختصة منها.
والكتاب الرابع الذي قرأته هو للمؤلفة المصرية الشابة دعاء الشريف، ويحمل عنوان «التوراة تثبت أن فلسطين أرض عربية». والكتاب عبارة عن دراسة بحثية قامت المؤلفة بالعمل عليها على مدار سنوات طويلة. والمنهج الذي اتبعته فيه ليس سرداً تاريخياً للأحداث، بل أخذت جانب التحقيق والتحليل ومناقشة المرتكزات التي ساقتها الحركة الصهيونية لنفسها، وبنت عليها، وكلها مرتكزات ملفقة ومزورة، هدفها حرف الحقائق التاريخية عن جادتها، بحيث يصبح الكذب أو التدليس مثلاً هو الحقيقة، وما خلا ذلك، فهو الباطل والمزوّر.
ولما كانت المؤلفة كاتبة ومختصة في الدراسات الإسرائيلية ومترجمة عن اللغة العبرية، المتضلعة منها أيّما تضلع، ولها العديد من الدراسات والأبحاث العلمية في قضايا تتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي، فقد ساعدها ذلك كله على الغوص في المصادر العبرية، التاريخية منها والفكرو - سياسية، وتوصلت إلى ما توصلت إليه في خلاصة مضمون كتابها المثير للجدل والجدير بالقراءة والتقييم، بخاصة أنه كتاب علمي بعيد عن الخطاب السياسي والغنائيات السياسية إياها، يقارب الأمور من منطق المغتصب للأرض نفسه، داحضة مزاعمه من قلب هذي المزاعم نفسها، وما يتصل بها، ويعود إليها. وعبر النقاط الثلاث الرئيسية: الأرض، الشعب، الوعد.
أما الكتاب الخامس الذي قرأته بشغف كبير، فهو كتاب «قوة الشعر» للشاعر والناقد البريطاني جايمس فنتن. والكتاب يمثل خلاصة المنطلقات الشعرية والنقدية لهذا الشاعر، الذي انتخب انتخاباً حراً وتلقائياً كي يتبوّأ منصب أستاذ الشعر في جامعة أوكسفورد في مايو (أيار) من العام 1994. يلخص شاعرنا منطلقاته الشعرية والنقدية بالإجابة عن أبرز الأسئلة التي طرحها على نفسه كشاعر وناقد في آن واحد، وهي: لماذا ينبغي للشاعر أن يكون شاعراً أصيلاً؟ ما العلاقة بين العبقرية الشعرية والتدرّب على صنعة الشعر؟ لماذا يتعيّن على الشاعر أن يشعر بضرورة أن يكون موضع إعجاب، وأن يوجِد حوله وهماً مفاده أنه شاعر متميّز وفريد، لا يضاهيه شاعر آخر؟ لماذا يتحتم على صفة التفرّد أن تكون وثيقة الصلة بمفهومنا عن العمل الأدبي، بحيث يتوقع أن يكون كل صوت شعري صوتاً مميزاً؟
أما الكتاب السادس الراسخ في ذاكرتي، وعلى نحو غائر جداً، فهو كتاب: «وحوش جنة عدن... خواطر حول تطور الذكاء البشري» لكارل ساغان، الذي أقدم على ترجمته المفكر الفلسفي اللبناني والمترجم الفذ الراحل د. حسن قبيسي. وعندما نتكلم على فذاذة المترجم هنا، فلأنه يكتب العمل بلغة أخرى، يمكن أن تكون أبلغ تعبيراً وأقوى إيحاء من لغة الأصل نفسها أو اللغة الوسيطة بين لغتين التي ينقل عنها، بحسب المستعرب الفرنسي جان بيار ديدييه، الذي قرأ الكتاب نفسه باللغتين العربية والفرنسية، وقارنهما بالنص الأصلي الإنجليزي المكتوب به الكتاب. وانحاز إلى النسخة العربية كأفضل تخريج لغوي للمعاني المطروحة كما أرادها المؤلف ساغان. وفي كل الأحوال هذا ليس موضوعنا الآن، بل الموضوع هو الإشارة إلى أهمية هذا الكتاب الذي يبحث، من ضمن ما يبحث، فيما نملكه كبشر من شكلين من التفكير، أحدهما تحليلي ومنطقي، والثاني غريزي ومركّب، وهل بإمكاننا أن نُحسّن من وضعية الدماغ البشري؟ وهل تعتبر الحواسيب ذكية أم أنها في طريقها لتصبح كذلك؟ وهل هناك كائنات ذكية في الكون الخارجي؟ وهل يمكننا التواصل معها؟
طبعاً يجيب كارل ساغان الفيلسوف والعالم الفلكي الأميركي عن كل هذه الأسئلة في كتابه، مستعيناً بمختلف العلوم الحديثة، ومحاولاً التوفيق بين المعلومات التي يوفرها العلم الحديث والأساطير الموروثة.
ونعرف من الكتاب المذكور، أنه على الرغم من قِدم العالم ووجودنا كبشر بامتداد زمني لا قبل لإدراكنا باستيعابه، فنحن قادرون بذكائنا العلمي على تعيين أحداث ذلك الماضي البعيد، إذ إن علم الطبقات الأرضية وتعيين التاريخ بواسطة الأشعة، يمكننا من الحصول على معلومات حول الأحداث الأثرية والإحاثية والإراضيّة.
أما النظرية الفلكية الفيزيائية، فتزودنا بمعطيات حول عمر سطوح الكواكب والنجوم ومجرة باب التبانة، فضلاً عن تقدير معين للمدة الزمنية التي انقضت على حصول ذلك الحدث الخارق الذي يسمى الانفجار الكبير (بيغ بانغ).
- شاعر وإعلامي

«الفلسفة في زمن الإرهاب»
رفيف صيداوي
قراءاتي التي انتهيتُ منها مؤخّراً مُتقاربة ومُتباعدة في آن معاً، إنْ لجهة موضوعاتها أو لجهة قِدمها أو جِدّتها. حيث أعدتُ قراءة «تخليص الإبريز في تلخيص باريز أو الديوان النفيس بإيوان باريس» (1834) لرفاعة رافع الطهطاوي، و«رحلة إلى أوروبا 1912» لجرجي زيدان؛ إذ تَجمعُ بين الكتابَيْن رؤية مؤلّفَيهما للغرب في مَراحل زمنيّة شكّل فيها هذا الغرب مصدر إعجابٍ يصل أحياناً إلى حدود الانبهار به، على الرغم من الانتقادات التي وجِّهت إلى بعض مَعالمه أو مظاهره، إنْ بالنسبة إلى بعض العادات والتقاليد، أو إلى غيرها من القضايا التي فاخرَ الكاتبان أو اعتدّا بها لكونها تُميِز التراث العربي الإسلامي أو الشرقي عموماً. وهو الأمر الذي يشير إلى استمرارية جدلية «الأنا والآخر»، و«التراث والحداثة»، و«الشرق والغرب»....إلخ، وغيرها من الجدليّات التي لم ننتهِ منها بعد.
أمّا كِتاب فردريك معتوق «صدام العصبيّات العربيّة» الصادر حديثاً، فيستند إلى التراث، وإلى مُعالجة ابن خلدون لمفهوم العصبية، بهدف التأسيس لتحليل سوسيولوجي يكشف أبعاد العصبيّة في الثقافة العربية الماضية والحاضرة، فضلاً عن أسباب ديمومتها في الواقع الاجتماعي اللّبناني والعربي العام.
وبعيداً عن الواقع العربي، إلى حدٍّ ما، فإنّ كِتاب «الفلسفة في زمن الإرهاب: حوارات مع يورغن هابرماس وجاك دريدا» (2013) للباحثة الأميركيّة من أصل إيطالي جيوفانا بورادوري، يُعيد تصويب الفكرة الخاطئة أو الأصحّ القراءة الخاطئة لكلا الفيلسوفَين، وذلك من خلال حوارها معهما وتقصّي رأيهما بعد عمليّة الحادي عشر من أيلول. إذ يتبين من خلال التحليل الشيق للمؤلفة اتفاق الفيلسوفَيْن على أنّ للإرهاب المحلّي أو الدولي وجهاً سياسياً واحداً، وهو ما ربطته بالتصنيف الميكانيكي الذي يجري من خلاله اعتبار هابرماس وجاك دريدا على طرفَي نقيض من مسألة الحداثة.
يبقى أنّ الخيط الجامِع في هذه الكُتب بالنسبة إلّي، هو أنّني أقوم بقراءتها في ضوء ظروف الواقع الحالي وإشكاليّاته، وأنّني مثل كثيرين غيري، تدفعني إليها فضلاً عن الحاجات الفكريّة، ضرورات اجتماعية وسياسية راهنة. وبالتالي ليست هذه الكُتب إلّا مرايا نتأمّل فيها ذواتنا باستمرار.
- كاتبة وباحثة

«الدبلوماسية في العصر الرقمي»
يقظان التقي
من الكتب الجميلة التي قرأتها «الدبلوماسية العالية» لتوم فليتشر، السفير البريطاني السابق في لبنان، صادر عام 2016 أي بعد سنة من إنهاء مهامه في لبنان. وهو عرض لما تعنيه السلطة الدبلوماسية في العصر الرقمي الحديث، المرئية منها وغير المرئية. الكتاب رائع، إن في أسلوبه أو مضمونه، وهو يتحدث عن تجربة فليتشر في لبنان، وتجربته الدبلوماسية التي كانت مختلفة عن التجارب التقليدية التي نعرفها حيث كتب عن التنصت والنوايا التي لم تعد تخفيها الدول.
الكتاب الثاني هو للراحل سمير فرنجية، وصدر في إطار تكريمه مؤخراً أثناء معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت، وهو بالفرنسية ويحمل عنواناً يمكن ترجمته باسم «الثورة الهادئة»، من خلاله نستعيد شخصية سمير الحوارية، إذ لم يكن بريئاً وإنما عنيفاً بالمعنى المعنوي طبعاً، وذا طبيعة ثائرة.
ومن الكتب الجميلة أيضاً مؤلف الزميل هاشم قاسم حول «الظاهرة الرحبانية مسيرة ونهضة» وهو صادر عن «دار بيسان للنشر»، وفيه تحليل للظاهرة الرحبانية وفيروز وعناصر السلطة.
كتاب آخر هو لرئيس قسم علوم الآداب في الجامعة الأميركية في بيروت، عبد الرحيم حسين، المؤرخ المعني بالقديم والفترة الحديثة. وهو موضوعي يدقق فيما سبق له وأن نشره، ويرى أن ما نشر عن فخر الدين أسطورة صنعها الموارنة، وينقض ما قال به في هذا الموضوع كمال صليبي. الكتاب بالإنجليزية وعنوانه بالعربية «بيت للفهم». شارك عبد الرحيم حسين في تحرير الكتاب مع مجموعة من خريجي قسم التاريخ. وهو يتحدث عن التاريخ اللبناني بشكل أساسي، ويتوسع في ملاحظات مهمة.
وثمة رواية جميلة لطالبة شابة وواعدة هي ناهد فران. روايتها «زوايا النسيان» الصادرة عن «الدار العربية للعلوم»، هي الثانية بعد «حنة». وبالإمكان القول: إن فران تتناول الجيل الذي تلا جيل الروائية علوية صبح، وتروي كيف دخل الإسرائيليون إلى صور وما التغيرات التي طرأت بعد هذا الحدث، لا سيما بين الطبقات رقيقة الحال. وحتى وإن تلبدت الرواية بازدحام الأفكار، فهي تبقى تبشّر بمستقبل واعد لصاحبتها. ولا بد أن أذكر أيضاً كتاب خالد زيادة «المسلمون والحداثة الأوروبية»، وهو إعادة توثيق لمجموعة أفكار حول العرب والمسلمين ونهضة أوروبا، وحوار ضفتي المتوسط.
- كاتب وباحث

«الجاسوسة» و«منتجع الساحرات»
أسماء وهبة
توقفت هذا العام عند ثلاثة كتب أعتبرها هي الأفضل والأكثر إمتاعاً بالنسبة لي، أولاً رواية «الجاسوسة» للكاتب البرازيلي باولو كويلو التي يمكن اعتبار أنها تغرد خارج السياق العام للخط الروائي الذي يعتمد عليه كويلو في معظم أعماله الأدبية. «الجاسوسة» كتبها كويلو بنبض بوليسي ممتع للغاية حيث اعتمد على الإثارة ومبدأ تصاعد الأحداث والتخمين، والأهم عنصر المفاجأة الحاضر في كل الفصول منذ الصفحة الأولى حتى النهاية. «الجاسوسة» هي سيرة حياة امرأة بدأها كويلو بأنها ماتت وتم إعدامها بسبب الخيانة وعملها كجاسوسة. يعد هذا الأمر مجازفة كبيرة من الكاتب، حيث يصطدم القارئ بنهاية العمل قبل الشروع في قراءته، إلا أن هذا الأسلوب الذي اعتمده كويلو في «الجاسوسة» الأكثر جاذبية وتحفيزاً على قراءة سيرة امرأة مغرية جميلة قررت العمل جاسوسة من أجل المال.
أثارت إعجابي رواية «منتجع الساحرات» للروائي السوداني أمير تاج السر. توقفت عند هوية الكاتب السودانية فقلما قرأنا نتاجاً أدبياً من السودان أو الصومال أو موريتانيا. فنحن لا نعرف شيئاً عن العوالم الاجتماعية لهذه الدول القريبة منا. بطلة الرواية هي لاجئة من إريتريا قدمت إلى السودان هرباً من نيران الحرب. هي ابنة العائلة متوسطة الحال تعمل بائعة شاي في موقف للباصات ويعجب بها «عبد القيوم» صاحب السوابق العتيق. إنها قصة حب نابضة بالاهتمام والتحول في شخصية ذلك الرجل العتيق في الإجرام ليتحول في أسابيع قليلة إلى «جدع» و«شهم» يذود عن لاجئة وحيدة يطمع فيها الرجال دون أن نعرف إلى ما قبل نهاية الرواية هل وقعت اللاجئة «ببا» في حبه أم لا.
من الكتب المتميزة رواية «جودت بيك وأولاده» للكاتب التركي أورهان باموق. هذه الرواية الملحمية التي ترصد التغيرات السياسية والاجتماعية في تركيا في القرن العشرين من خلال عائلة التاجر جودت بيك وتوالي حياة أبنائه وأحفاده بدءاً من انهيار السلطنة العثمانية، مروراً بوفاة كمال أتاتورك، وصولاً إلى الانقلاب العسكري في السبعينات.
- كاتبة وروائية


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.