جاء رد فعل لاعب مانشستر سيتي الصلب في مواجهة الهجوم العنصري الذي تعرض له بمثابة دليل دامغ على كونه شاباً جديراً بكل التقدير والإعجاب، لكن لا ينبغي لذلك أن يصرف الأنظار بعيداً عن بشاعة ما حدث.
وقع كثير من ردود الأفعال المتطرفة تجاه خروج إنجلترا من بطولة «يورو 2016» على يد آيسلندا جراء هزيمة مروعة كانت مذلة لإنجلترا، لدرجة جعلت وجوه اللاعبين أنفسهم تبدو كأنها تتلاشى تحت وطأة الألم والخزي خلال اللحظات الأخيرة من المباراة وبدوا أشبه بشخصيات أفلام الموتى الأحياء أو «الزومبي».
كانت الاستجابة الأكثر شيوعاً لهذا الأمر كيل الاتهامات للاعبين بالضعف والتراخي والاستهانة والافتقار إلى الجدية وعمق التفكير، بدلاً من اتهامهم بالافتقار إلى المهارات والتكتيكات المناسبة والقيادة. من جانبه، أشار نجم مانشستر يونايتد السابق ريان غيغز خلال تعليقه في التلفزيون إلى أن «ثقافة حقيبة التجميل» تسيطر على الجيل الحالي من اللاعبين، في إشارة إلى ثقافة الخمول والتكاسل.
بالتأكيد، حمل هذا الانتقاد من جانب غيغز بعض الحقيقة وراءه، لكن اللافت كان أسلوب تعامل وسائل الإعلام معه، خصوصاً إقدام واحدة من الصحف على تسليط الضوء على «ثقافة حقيبة التجميل» مع إبراز صورة ضخمة لرحيم ستيرلينغ رمزاً للاعب المتخاذل - رغم أن غيغز لم يشر إليه من قريب أو بعيد ومن غير المعروف عنه اهتمامه بحمل حقيبة أدوات تجميل وعناية شخصية معه.
ومع هذا، كان هذا ببساطة الأسلوب الذي دأبت وسائل الإعلام، سواء وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام الأخرى التي تشكل التيار الرئيسي، على التعامل من خلاله مع ستيرلينغ على وجه التحديد. عبر صفحات الصحف اليومية والبرامج الحوارية الإذاعية وشبكة الإنترنت، تحول ستيرلينغ إلى رمز سهل المنال لكل ما هو رديء وضعيف على مستوى كرة القدم الإنجليزية.
وليس من الصعب التعرف على الأسباب وراء ذلك، وأولها اسم اللاعب نفسه، فهو يدعى رحيم، وليس ديف أو فريد أو نايجل. ومع هذا، تظل الحقيقة أن ستيرلينغ رجل إنجليزي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأحد أبناء لندن من أصول تعود إلى جامايكا.
علاوة على ذلك، فإن ستيرلينغ شخص ثري وناجح، وقد أبدى قدراً كبيراً من الطموح بقراره الانتقال من ليفربول لحساب نادٍ يملك حالياً قوة أكبر وطموحاً في الألقاب.
الواضح أن كرة القدم تتغذى على الأهداف السهلة لصب جام الغضب الخفي عليها. وعلى مدار عامين، تعرض ستيرلينغ للهجوم والانتقادات القاسية والازدراء على نحو يتجاوز بكثير المألوف بمجال كرة القدم. وفيما مضى، كثيراً ما تعرض اللاعبون أصحاب البشرة السمراء باعتبارهم يفتقدون الشجاعة والإقدام والخشونة اللازمة. وقد تكررت هذه الانتقادات على وجه التحديد كثيراً بخصوص ستيرلينغ.
ومع أن مستوى ستيرلينغ بدا مهتزاً بعض الشيء خلال المواجهة الأخيرة أمام توتنهام هوتسبير على استاد «الاتحاد». ومع هذا، تظل الحقيقة أنه لاعب مثابر للغاية وتمكن نهاية الأمر من المشاركة طيلة الدقائق الـ90، وسجل هدفين وحرص على إمتاع جماهير مانشستر سيتي وتحيتها نهاية المباراة مع رفاقه.
ويعكس هذا التصرف من قبل ستيرلينغ قدراً مبهراً من المثابرة والجلد بالنظر إلى ما تعرض له قبل المباراة بـ4 ساعات فقط، حيث تعرض لهجوم عنيف من جانب شخص يبلغ 29 عاماً يدعى كارل أندرسون. كان أندرسون قد توقف خارج مرآب حافلة اللاعبين. وفجأة، قفز خارج سيارته وكال شتائم عنصرية شديدة العنف بوجه ستيرلينغ، ولم يكتفِ بذلك، وإنما أقدم على مهاجمته جسدياً نهاية المطاف.
في أعقاب الهجوم، فر أندرسون بسيارته، وتعقبته الشرطة حتى ألقت القبض عليه. وصدر ضده حكم بالسجن 16 أسبوعاً. أما ضحيته، فترك سيارته في المكان المخصص لها وبدل ملابسه وشارك في الملعب طوال 90 دقيقة تحت وطأة ضغوط شديدة دون أن تصدر عنه شكوى ودون أن يسمح للموقف المروع الذي تعرض له من لحظات بالتأثير على تركيزه. ويأتي كل هذا رغم أن ستيرلينغ كثيراً ما تعرض لانتقادات بأنه يفتقد الشجاعة والروح القتالية والخشونة.
الحقيقة أن هذا الحادث يبدو شديد البشاعة من جميع الزوايا. ومن المحتمل ألا يكون حظي بالاهتمام العام المستحق، الأمر الذي يعود لأسباب منها رد الفعل الصلب الذي أبداه ستيرلينغ والقوة التي أظهرها اللاعب البالغ 23 عاماً داخل الملعب في أعقاب الحادث، رغم أنه كان سيبدو متفهماً ومقبولاً تماماً أن يطلب إعفاءه من المشاركة بعد ما تعرض له. إننا نعلم بالفعل أن ستيرلينغ لاعب جيد ومستواه يتطور سريعاً - الحقيقة أنه لاعب مبهر بمعنى الكلمة.
بيد أن ذلك بطبيعة الحال لا ينبغي أن يصرف الأنظار بعيداً عن بشاعة ما تعرض له. كما أنه ليس ثمة ما يجبر ستيرلينغ على التصرف بلباقة حيال كل ذلك. في الواقع، ثمة دلالة مهمة تكمن وراء هذه القوة التي أبداها ستيرلينغ، والتي ولدت من رحم الضرورة. ومن الإنصاف القول إنه ما من لاعب في مثل عمره تحمل مثل هذا القدر الهائل من الإساءة الشخصية، التي حمل كثير منها طابعاً عنصرياً واضحاً، على امتداد الأعوام الـ25 الماضية.
من ناحية أخرى، فإن تعرض ستيرلينغ لهجوم على هذا النحو لا يعتبر أمراً مثيراً للدهشة. ومن المهم كذلك لفت الانتباه إلى أن العنف والغضب لا يظهران في إطار من الفراغ. على سبيل المثال، لو أنك توقعت في صيف 2016 أنه في غضون 18 شهراً سيتعرض ستيرلينغ لهجوم عنصري خلال مباراة لكرة القدم، ربما لم يكن هذا التوقع ليبدو مثيراً للصدمة. الحقيقة أن المسار القائم منذ صيف 2016 إلى تلك اللحظة المشئومة يبدو واضحاً.
حتى داخل الملعب، ثمة طابع عام غريب غلف أسلوب تقديم ستيرلينغ، ذلك أنه أكثر عن أي لاعب صغير آخر، تعرض ستيرلينغ لاتهامات بالجشع واستغلال نجاحه المبكر وبكونه مجرد جسد قوي يفتقر إلى المهارة والشجاعة. وهنا، يأتي تألقه تحت قيادة المدرب جوسيب غوارديولا ليدحض كل هذه الاتهامات الباطلة، وذلك بإحرازه 15 هدفاً. في ستيرلينغ، عثر غوارديولا على لاعب يملك الإرادة والذكاء الضروريين للمشاركة الفاعلة في كل فترات المباراة. كما يبدو ستيرلينغ ظاهرة نادرة بكونه لاعباً إنجليزياً قادراً على تحسين وتطوير أدائه على نحو لافت، رغم أنه لا يزال في مطلع العشرينات من عمره.
أما خارج الملعب، فكان الوضع أسوأ بالنسبة لستيرلينغ، الأمر الذي تجلى في ردود أفعال وسائل الإعلام تجاه الخروج من بطولة «يورو 2016» وبلغت السخافة أوجها بحملة الهجوم القاسي التي شنتها الصحف ضد ستيرلينغ لشرائه منزلاً لوالدته.
وبالنظر إلى الحملة الإعلامية المسعورة ضد اللاعب واتهامه بالثراء الفاحش والحديث السخيف عن امتلاكه مطبخاً ضخماً في منزله فقط لطهي الدجاج، والتلميحات العنصرية إلى أن الرجال من أبناء جامايكا يتورطون معظمهم في العنف الأسري، بجانب الإشارات المستمرة لفترة طفولته القصيرة في جامايكا وأسطول السيارات الفاخرة الذي يملكه، علاوة على الحديث المتكرر عن غضب جماهير النادي إزاءه، عند النظر لكل ما سبق لا يبدو من المثير للدهشة أن يتمخض ذلك عن موجة من الغضب العنيف ضد اللاعب.
كيف تحول رحيم ستيرلينغ إلى هدف لنيران الغضب؟
رد فعل مهاجم سيتي في مواجهة الهجوم العنصري الذي تعرض له يستحق التقدير والإعجاب
كيف تحول رحيم ستيرلينغ إلى هدف لنيران الغضب؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة