القضاء الإيراني يتمسك بملاحقة أحمدي نجاد

رفض دعوة خطيب جمعة طهران إلى {لجنة تحكيم} في الاتهامات الموجهة إلى الرئيس السابق

محمود أحمدي نجاد
محمود أحمدي نجاد
TT

القضاء الإيراني يتمسك بملاحقة أحمدي نجاد

محمود أحمدي نجاد
محمود أحمدي نجاد

تمسك القضاء الإيراني بمتابعة الملف القضائي ضد الرئيس السابق أحمدي نجاد الذي يواجه تهماً بالفساد، وأعلن المتحدث باسم القضاء غلام حسين محسني أجئي رفض مقترح خطيب جمعة طهران للتحكيم بين الجهاز القضائي وأحمدي نجاد، وذلك بعد أيام من مشادة حادة بين الجانبين، عبر وسائل الإعلام الإيرانية. وأطلق أحمدي نجاد، الأسبوع الماضي، انتقادات غير مسبوقة للجهاز القضائي الإيراني، وتحديداً رئيس القضاء صادق لاريجاني، ووصفه بـ«الغاصب»، وطالبه بتقديم استقالته مشدداً على أنه «يفتقر للمشروعية بسبب عدم امتلاكه الشروط المطلوبة لرئاسة القضاء». وهذه هي الهجمة الثانية التي يتعرض لها رئيس القضاء والجهاز القضائي بشكل عام خلال عام 2017. وكان القضاء بين أجهزة وجه إليها الرئيس الإيراني حسن روحاني سهام انتقاداته الحادة، واتهمها بعرقلة جهود حكومته في مكافحة الفساد، قبل أن تدخل العلاقات بينهما فترة هدوء، عقب فوزه بفترة رئاسية ثانية.
وبلغت المشادة بين القضاء وأحمدي نجاد ذروتها، بعدما استدعى القضاء خلال الأشهر الثلاثة الماضية عدداً من مساعدي ومستشاري أحمدي نجاد ووجه لهم تهماً مختلفة تتراوح بين الفساد ونشر الأكاذيب والدعاية ضد النظام. لكن جماعة أحمدي نجاد نفت التهم الموجهة إليها، واتهمت القضاء في المقابل بتسييس الملفات وتصفية الحسابات الشخصية وخلافات سابقة بين رئيسي البرلمان علي لاريجاني، والقضاء صادق لاريجاني من جهة، وأحمدي نجاد من جهة أخرى.
وتُعدّ مواجهة طيف أحمدي نجاد والقضاء واحداً من أبرز ملفات المشكلات السياسية الداخلية التي شهدتها البلاد خلال الأشهر التي أعقبت الانتخابات الرئاسية، في مايو (أيار) الماضي.
وكانت لجنة صيانة الدستور التي يشكل خبراء القضاء نصف أعضائها رفضت طلب أحمدي نجاد ومساعده حميد بقايي للانتخابات الرئاسية.
لكن أمس قال أجئي إن «القضاء عازم على مواجهة الإجراءات الإجرامية»، وفي إشارة إلى انتقادات أحمدي نجاد أوضح أن «الضجيج» لن يحول دون متابعة المسار القانوني بحقه، مبرراً تأخير مواجهة سلوك أحمدي نجاد بوجود «حكمة»، من دون تقديم تفاصيل.
وقال في هذا الخصوص إن «الضجيج أياً كانت نيته لا يمنعنا. إذا رأيتم أننا لم نقم بشيء، فاقبلوا مني أن هناك حكمة»، وتابع أن «البعض يقول يجب أن نحيل هؤلاء إلى الطب العدلي للتأكد ما إذا كانت تصرفاتهم مصدرها العقل؟ إذا كان من المقرر أن نحيل يومياً أحدهم للطب العدلي فسنفعل ذلك».
كما علق أجئي على مقترح خطيب جمعة طهران، إمامي كاشاني، الذي دعا في خطبة الجمعة الماضية إلى تشكيل لجنة تحكيم لبحث القضايا المطروحة من أحمدي نجاد ضد القضاء. وقال أجئي إنه «لم يكن هناك أي حديث عن هذا الموضوع». ووصف موقف الرئيس السابق بـ«افتعال أجواء للتأثير على مسار الملفات القضائية». وحول ما إذا كانت القضاء يوافق على إقامة محاكمة علنية لأحمدي نجاد قال أجئي إن «القانون يميز بين شروط المحاكمة العلنية وغير العلنية؛ قبل إقرار القوانين الإجرائية للمحاكم يمنع القانون نشر تفاصيل المحكمة العلنية. لم تتشكل محكمة بعد، وهذا موضوع ثانوي».
وأرسل أحمدي نجاد، الشهر الماضي، خطاباً مفتوحاً إلى المرشد الإيراني علي خامنئي يطالب فيه بإحالة ملفه القضائي إلى الرئيس السابق للقضاء الإيراني محمود هاشمي شاهرودي.
ونشر أحمدي نجاد، على مدى الأسبوعين الماضيين، تسجيلين عبر موقعه الإلكتروني ينتقد فيهما القضاء الإيراني، بدلاً من نشر بيانات مكتوبة.
واعتبر قضاة سبب تصرف أحمدي نجاد هو محاولته التهرب من المساءلة القانونية وتوجيه «تهمة نشر الأكاذيب»، إلا أن أجئي نفى أمس أن يكون لجوء أحمدي نجاد للتسجيلات المصورة يمنع الملاحقة القانونية بتهمة نشر الأكاذيب. في سياق متصل، قال موقع «بهار نيوز» الناطق باسم جماعة أحمدي نجاد أمس إن السلطات الأمنية والقضائية الإيرانية استدعت العشرات من أنصار أحمدي نجاد إلى مكتب الادعاء العام. وأشار الموقع إلى أن القضاء الإيراني أصدر أوامر باعتقال العشرات من أنصار أحمدي نجاد في غضون الأسابيع القليلة الماضية، مضيفاً أنهم «محتجزون في الزنازين الانفرداية». وزعم الموقع أن عدداً من المعتقلين اطلعوا على قائمة تضم 188 من أنصار أحمدي نجاد في شبكات التواصل الاجتماعي. وقال الموقع إن السلطات أمرت بإيقاف اتصالات الهاتف الجوال أو إغلاق حساباتهم البنكية.
من جانب آخر، نقل أجئي عن المدعي العام الإيراني حسين علي منتظري أن القضاء يتابع ملف تورط بعض المسؤولين الحكوميين في تهريب السلع، معرباً عن أمله في ألا يتأخر الإعلان عن نتائج التحقيق. وكان المدعي العام الإيراني حسين علي منتظري كشف، الأربعاء الماضي، عن تورّط بعض المسؤولين الإيرانيين وأفراد من أسرهم في تهريب السلع. وانتقد ضعف إجراءات الحكومة في المنافذ الرسمية والموانئ والجمارك. ویُقدَّر حجم تهريب السلع إلى إيران سنوياً بين 15 إلى 25 مليار دولار، وفق ما ذكرت وسائل إعلام إيرانية في يناير (كانون الثاني) 2017. وبينما يقول مسؤولون إن حجم التهريب 25 مليار دولار، فإن مركز مكافحة تهريب السلع والعملة في إيران يقول إن النسبة وصلت إلى 12.5 مليار دولار في زمن روحاني.
بدوره، قال رئيس البرلمان علي لاريجاني في أغسطس (آب) الماضي إن حجم التهريب تراجع من 25 مليار دولار إلى 12 مليار دولار. ويقول نواب البرلمان إن 70 إلى 80 في المائة من التهريب يتم عبر نقاط الجمارك. وذكر تقرير برلماني أن 60 في المائة من المرافئ غير قانونية.
بدوره احتجّ البرلماني عن مدينة تبريز شهاب الدين بي مقدار في خطابه أمام البرلمان، أمس، على تصريحات المدعي العام حول تورط المسؤولين في تهريب السلع. ونقل «موقع افتاب نيوز» قوله: «كيف تحققون مع الصحافيين بينما لا تستجوبون المسؤولين المتورطين بالتهريب؟!».
وغداة تصريحات منتظري، خرج المتحدث باسم الحكومة محمد رضا نوبخت إلى وسائل الإعلام واستهجن تصريحاته بشدة، مطالباً المدعي العام باتخاذ خطوات عملية بدلاً من إطلاق الكلام. ويتهم خبراء الاقتصاد، مشكلة التهريب بالوقوف وراء عجز المصانع المحلية وتراجع الإنتاج. وكان رئيس البرلمان أشار، الأسبوع الماضي، إلى 38 تحدياً تواجه الاقتصاد الإيراني. واستبعد لاريجاني نمو الاقتصاد في العام الجديد، مشدداً على أن الميزانية «لا تكفي لإدارة البلد». وقال إن «كل دخل البلد من مبيعات النفط والضرائب والأساليب الأخرى يبلغ 300 ألف مليار تومان بصعوبة (70 مليار دولار). وكان روحاني قدم قبل نحو عشرة أيام ميزانية العام الجديد وبلغت 104 مليارات دولار».



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»