يرى ليبيون وهم يحتفلون بالذكرى السادسة والستين لاستقلال بلادهم، اليوم (الأحد) أنهم لم يبرحوا بعد ما أسموه بـ«أطماع المستعمر القديم» المتمثل في الدول الثلاث فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، وأبدوا مخاوفهم في حديثهم إلى «الشرق الأوسط» من أن حالة الفوضى التي تضرب البلاد، فضلاً عن غياب الدولة بشكلها الرسمي «حولها إلى حلبة صراع لتحقيق مزيد من المصالح، وتكريس لنفوذها على الأرض».
وأعلن كل من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، الذي يمارس أعماله من العاصمة طرابلس، والحكومة المؤقتة في (شرق البلاد)، أن اليوم عطلة رسمية في المؤسسات والهيئات والإدارات العامة كلها احتفالا بذكرى الاستقلال، «والذي جاء بنضال وكفاح وجهاد الآباء والأجداد». في مقابل تلك المخاوف، قال عضو مجلس النواب عن مدينة بنغازي عصام الجهاني، إن ليبيا الآن «تشهد عملية تقسيم مصالح بين فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، في مناطق عدة من الشرق حتى الجنوب»، وذهب إلى أن «غياب الدولة وتفكُكها سمح بتنفيذ أجندات خارجية من تلك الدول الثلاث، تستهدف بقوة الحصول على دور سياسي ليتم استغلاله وبلورته مستقبلاً».
وأضاف الجهاني لـ«الشرق الأوسط»: «بلادنا الآن ساحة مفتوحة لهم ولغيرهم، وأصبح واضحاً للعيان أن كل جهة تدعم طرفاً ليبيا وتقويه ضد الآخر، وكلما اقتربت جهود المصالحة الوطنية من الحل عبثوا فيها، فازدادت تعقيداً». وأعلن «استقلال ليبيا» في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) عام 1951 تحت حكم محمد إدريس السنوسي، أحد زعماء المقاومة للاحتلال الإيطالي، وذلك تتويجا لنضال الليبيين ضد المستعمر الإيطالي الذي بدأ في أكتوبر (تشرين الأول) 1911، بعدما خاض الشعب الليبي ملحمة من الكفاح في سبيل حريته واستقلاله قدم فيها قرابة نصف تعداد سكانه، وعلى رأسهم «سيد الشهداء» عمر المختار.
ويرى مراقبون أن فرنسا مأخوذة في ليبيا بمطامع تاريخية في الجنوب الذي كان ضمن مستعمراتها في شمال أفريقيا، كما أنها تنظر إلى تمدد الجماعات المسلحة على أنه أحد أكبر التهديدات لأمنها الاقتصادي في منطقة الصحراء الكبرى، التي تنشط فيها كبريات شركاتها بحثا عن «النفط والذهب». في المقابل، تريد إيطاليا الحفاظ على دورها الرئيسي في ليبيا لحماية مصالحها، وتشير صحيفة «بوليتيكو» الأميركية إلى أن الهدف الحقيقي وراء اهتمام إيطاليا بليبيا هو حماية شركة «إيني» النفطية، والحفاظ على بقائها للسيطرة على تجارة النفط داخل ليبيا بعيدا عن فرنسا وبريطانيا.
وسبق أن عقدت جامعة طبرق ندوة عن «الطريق إلى الاستقلال بين الخلافات الداخلية ومشاريع الوصايا الدولية» بمناسبة ذكرى الاستقلال، وانتهي الدكتور وليد شعيب آدم أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، إلى تسليط الضوء على «مؤامرات ومشاريع الدول الاستعمارية». وذكَّر آدم بما أسماه بـ«الوصايا السابقة التي وضعت على الأقاليم، حيث كان إقليم طرابلس تحت الوصاية الإيطالية، و(فزان) تحت وصاية فرنسا، و(برقة) تحت الوصاية البريطانية، قبل أن تحصل ليبيا على كامل استقلالها في 24 ديسمبر عام 1951.
وذهب الشيخ إيراهيم وردكو رئيس مجلس مشايخ قبائل التبو، إلى أن «مشكلات ليبيا ترجع إلى تنافس القوى الدولية، وفي مقدمتها فرنسا وإيطاليا وبريطانيا على الأرض»، مستدركاً: «ليبيا ليست مستعمرة بالمفهوم القديم، وإنما فاقدة لقرارها السياسي». ورأى وردكو أن «تلك الأطماع لن يحدّها إلا قيام دولة حقيقية على كامل التراب الليبي». وسبق لفرنسا الإعلان عن إنشاء قاعدة في شمال النيجر في إطار عملية تهدف إلى منع متشددين مرتبطين بتنظيم القاعدة من عبور منطقة الساحل والصحراء بين جنوب ليبيا وموريتانيا. ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي فرنسي أن إنشاء القاعدة في شمال النيجر جاء على خلفية «وضع الصداع المزعج في ليبيا في الاعتبار».
وفي الثاني من أغسطس (آب) الماضي، ومع إقرار البرلمان الإيطالي خطة التدخل العسكري في المياه الليبية لكبح جماح المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط، وصلت إلى ليبيا قطعتان بحريتان إيطاليتان في مستهل مهمة لمساندة البحرية الليبية في التصدي للمهاجرين. وأقر البرلمان الإيطالي بمجلسيه أمس، خطة التدخل التي تأتي بناء على طلب رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج. وصوت 328 نائباً إيطالياً على الخطة، فيما عارضها 113 وتغيب 22 عن الحضور.
ووصف البرلمان الإيطالي في حينها خطة التدخل بـ«المحدودة»، فيما أكدت بينوتي أن روما لا تعتزم فرض «حصار بحري»، الأمر الذي سيشكل «عملاً عدائياً»، مشددة على تلقي «طلب دعم ومساعدة من خفر السواحل الليبيين». ولفتت إلى أن منطقة التحرك ستحدد بالتعاون مع السلطات الليبية، وأن التدخل لن يخرج عن إطاره إلا إذا اقتضت الضرورة إرسال تعزيزات إلى المياه الليبية. واعتبرت الحكومة المؤقتة في (شرق البلاد)، أن وجود القوات الإيطالية في ليبيا يعتبر «احتلالاً صريحاً» و ذلك تدخلاً سافراً في الشأن الليبي الداخلي.
66 عاماً على استقلال ليبيا و«المحتل السابق» يبحث عن دور
66 عاماً على استقلال ليبيا و«المحتل السابق» يبحث عن دور
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة