تركيا: تحقيق قضائي في معلومات حول إرسال «قتلة لاغتيال معارضين»

تركيا: تحقيق قضائي في معلومات حول إرسال «قتلة لاغتيال معارضين»
TT

تركيا: تحقيق قضائي في معلومات حول إرسال «قتلة لاغتيال معارضين»

تركيا: تحقيق قضائي في معلومات حول إرسال «قتلة لاغتيال معارضين»

وسط مؤشرات على مساعٍ لتحسين العلاقات بين تركيا وكل من ألمانيا وهولندا التي توترت بشدة خلال الأشهر الأخيرة، فتحت النيابة العامة في أنقرة تحقيقاً حول معلومات أدلى بها أحد نواب المعارضة بشأن إرسال قتلة إلى الخارج لتعقب معارضين أتراك يعيشون في أوروبا لقتلهم.
وأشارت وكالة «دوغان» التركية الخاصة إلى طلب المدعي العام في أنقرة الاستماع إلى النائب في حزب الشعوب الديمقراطي المعارض جارو بايلان بصفته شاهداً للإدلاء بما لديه من معلومات، وذلك بعدما أعلن في مؤتمر صحافي، الأربعاء الماضي، أنه تلقى معلومات عن خطط لاغتيال معارضين في الخارج لا سيما في ألمانيا. وذكر النائب أن بعض الجهات في تركيا أرسلت قتلة لتنفيذ اغتيالات تستهدف أشخاصاً من بين آلاف الجامعيين والصحافيين والسياسيين وقادة الرأي المنفيين في أوروبا والذين تعتبرهم الحكومة «خونة»، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.
وتزامنت تصريحات النائب المعارض مع دعوة أطلقها الصحافي المقرب من الحكومة جم كوتشوك لقتل صحافيين أتراك موجودين في أوروبا بزعم صلتهم بالداعية فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد في 15 يوليو (تموز) 2016، وينفي غولن صلته بالمحاولة. واعتقلت السلطات التركية أكثر من 60 ألف شخص في حملة أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة، وفصلت أو أقالت أكثر من 160 ألفاً آخرين من مختلف مؤسسات الدولة بزعم صلتهم بغولن.
وتوسعت حملة الاعتقالات لتطول المعارضين المؤيدين للأكراد في الأوساط السياسية والإعلامية والجامعية، وفر الآلاف إلى خارج تركيا هرباً من احتمال اعتقالهم بزعم صلتهم بمحاولة الانقلاب.
واتهم الرئيس رجب طيب إردوغان ألمانيا، مراراً، بأنها أصبحت «ملاذا للإرهابيين»، في إشارة إلى أنصار حليفه السابق المقيم في أميركا منذ 1999 فتح الله غولن ومناصري «حزب العمال الكردستاني» (المحظور).
وقُتلت في يناير (كانون الثاني) 2013 ثلاث ناشطات كرديات بالرصاص في باريس، وأشار المحققون وقتها إلى إمكان ضلوع عناصر في المخابرات التركية في العملية وهو ما تنفيه تركيا، وتوفي المتهم بتلك الجريمة عمر غوني العام الماضي قبل أن تبدأ محاكمته، وقبل أن تتوصل التحقيقات الفرنسية لمعرفة مصدري الأوامر له.
وأعلنت الحكومة الألمانية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عزمها تعزيز تعاونها مع منظمة الشرطة الجنائية الدولية (إنتربول) لحماية معارضين أتراك من الملاحقة الأمنية من قبل أنقرة، وذلك بعدما نجحت الحكومة التركية أكثر من مرة في وضع معارضين سياسيين على قائمة المطلوبين للإنتربول.
وجاء ذلك على خلفية اعتقال الكاتب التركي - الألماني دوغان أخانلي في إسبانيا في أغسطس (آب) الماضي بناء على طلب من تركيا.
وتعتزم السلطات الألمانية إبلاغ الإنتربول مستقبلاً بوضع اللجوء الخاص بالأفراد الذين تجرى ملاحقتهم من قبل تركيا. وقد يكون هناك عدد كبير من هؤلاء الأفراد مقيمين في ألمانيا وتلاحقهم أنقرة عبر الإنتربول. وأشارت تقارير إلى أن الكاتب الكردي سليم جوروكايا، الذي يعيش في مدينة هامبورغ الألمانية منذ عشرين عاماً، علم أن اسمه موضوع على قائمة المطلوبين للإنتربول.
في غضون ذلك، أبدت ألمانيا توجهاً نحو تخفيف التوتر مع تركيا، وقال وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل إن قرار تركيا الإفراج عن سجين ألماني سادس يعطي أملاً في إمكانية تحسين العلاقات بين البلدين. وقال غابرييل في بيان: «إن مثل هذه القرارات يعطي أملاً في أننا سنقدر على إعادة بناء الثقة خطوة بخطوة».
وجاء قرار السماح لديفيد بريتش بالعودة إلى ألمانيا يوم الخميس الماضي بعد الإفراج في وقت سابق من الأسبوع عن الصحافية الألمانية ميشالي تولو بشرط عدم مغادرة تركيا بعد أن أمضت نحو 8 أشهر في السجن. وتتهم السلطات التركية 6 أشخاص من بينهم تولو، التي اعتقلت في أواخر أبريل (نيسان) الماضي، بتهمة الانتماء إلى «الحزب الشيوعي الماركسي اللينيي» المصنف في تركيا ضمن التنظيمات الإرهابية.
وأشار غابرييل إلى أنه اتفق نظيره التركي مولود جاويش أوغلو على مواصلة الحوار، نظراً إلى القضايا الصعبة التي لا يزال يتعين حلها، قائلاً إنه «فيما يخص قضية الصحافي المسجون دينيز يوجال فقد خففت السلطة القضائية التركية على الأقل ظروف حبسه، والخطوة العاجلة التالية هي توجيه اتهام له».
بدورها، أكدت المتحدثة باسم الحكومة الألمانية، ماريا أديبهر، في مؤتمر صحافي أول من أمس أن بلادها على استعداد لتخفيف حالة التوتر المخيّمة على العلاقات مع تركيا. وأشارت أديبهر إلى أن ألمانيا على استعداد للبدء باستئناف اللقاءات مع الحكومة التركية، موضحة أن هناك تطوراً إيجابياً في العلاقات بين البلدين «غير أن هذا لا يعني إغفال وجود قضايا صعبة بيننا وبين تركيا».
ولفتت إلى أن الجانبين التركي والألماني قرارا المضي قدماً في طريق اللقاءات الثنائية، التي بدأت في الأسابيع الأخيرة وفقاً لما أكده وزيرا الخارجية التركي والألماني، منوهة إلى أن هناك مؤشرات إيجابية من جانب الحكومة التركية وبخاصة في ظل آخر القرارات الصادرة عن الجانب التركي (الإفراج عن المعتقلين الألمان)، التي اعتبرت أنها ستساهم في جهود بناء الثقة بين الجانبين «خطوة بخطوة».
في سياق متصل، قال رئيس الوزراء الهولندي مارك روته إن علاقات بلاده مع تركيا لا تزال تتسم بـ«الفتور»، وأن تحسينها سيكون «جيداً». وقال في مقابلة مع صحيفة «دي تلغراف» الهولندية أمس السبت: «أعتقد أن تحسين العلاقات سيكون أمراً جيداً، لأن تركيا شريكة في حلف الناتو». وأشار إلى عدم وجود سفراء للبلدين في الوقت الراهن، مضيفاً أن ما شهدته العلاقات من توتر «لم يكن مسرحية».
وقال إنه جلس على الطاولة نفسها مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، خلال قمة مجموعة العشرين التي انعقدت مؤخراً في هامبورغ، ولم يحصل أي تواصل بينهما.
وفي مارس (آذار) الماضي، منعت الحكومة الهولندية وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ووزيرة الأسرة والسياسات الاجتماعية فاطمة بتول صايان كايا، من عقد اجتماعات مع الجالية التركية في البلاد في إطار الدعاية للتعديلات الدستورية قبل الاستفتاء الذي أجري عليها في تركيا في 16 أبريل الماضي.
واعتقلت السلطات الهولندية عناصر من حماية الوزيرة قبل أن تمنعها من الذهاب إلى القنصلية العامة التركية في مدينة روتردام. وقمعت الشرطة الهولندية متظاهرين كانوا يحتجون ضد ممارسات تعرضت لها الوزيرة التركية. وعلى خلفية ذلك، طلبت وزارة الخارجية التركية من السفير الهولندي الذي كان في إجازة، عدم العودة إلى مهامه في تركيا حتى إشعار آخر. وهاجم الرئيس التركي هولندا وألمانيا بشدة، واصفاً إياهما بأنهما من «بقايا النازية والفاشية»، ما أدى إلى توتر شديد في العلاقات معهما.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».