انتعشت البورصات الأميركية خلال الفترة الماضية على أثر أنباء تمرير قانون جديد للضرائب، وقّع عليه الرئيس أمس، ويعكس هذا الارتفاع رؤية القطاع الخاص المتفائلة باستفادته من الحوافز الضريبية التي يحملها القانون، في الوقت الذي تحاول فيه الإدارة الأميركية جذب الأموال التي لجأت إلى أسواق منافسة بحثاً عن أعباء ضريبية أقل.
وأكد خبراء في أسواق المال الأميركية أن قانون خفض الضرائب كان خبراً «جيداً جداً» بالنسبة إلى «وول ستريت». فمنذ انتخاب الرئيس دونالد ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، والأسواق في نيويورك تتفاعل إيجاباً ومسبقاً مع وعد خفض الضرائب. وفي أقل من 14 شهراً ارتفعت «وول ستريت» 35%.
ويقترب مؤشر «داو جونز» الآن من مستوى 25 ألف نقطة، أما مؤشر «إس آند بي» للأسهم التكنولوجية، فهو قريب من مستوى 7 آلاف نقطة. «إنها قمم تاريخية لم تعهدها الأسواق الأميركية سابقاً» كما قال أحد وسطاء التداول.
وتتحمس الأسواق لقانون ترمب لما سيسهم به من خفض معدل ضرائب أرباح الشركات من 35% إلى 21%، علماً بأن المتوسط المعمول به في الدول الصناعية والمتقدمة يقترب من 23%، أي أن الضرائب الأميركية الآن بين الأدنى في منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم 34 بلداً متقدماً.
وهناك توقعات بأن يسهم تخفيض الضرائب في زيادة أرباح أسهم الشركات الأميركية 10% خلال 2018، وأن تستمر في الزيادة في السنوات اللاحقة.
والربح الأكثر وضوحاً سيكون من نصيب شركات مؤشر «إس آند بي 500»، وهذا سيجذب المزيد من المستثمرين إلى البورصات الأميركية، لكن لن تستفيد كل الشركات من قانون ترمب بنفس الدرجة. فالشركات العقارية تتمتع تاريخياً بمعدلات ضريبة منخفضة ولن تستفيد أكثر من القانون الجديد.
- الشركات الصغيرة والكبيرة تستفيد
في المقابل يؤكد المحللون أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ستكون بين أكبر الرابحين نظراً إلى ما يحمله لها القانون الجديد من حوافز ضريبية لتشجيع أنشطتها المرتبطة بالسوق المحلية.
ويذكر أن أسهم هذا النوع من الشركات لم تستفد من صعود الأسواق ومؤشراتها في الفترة القليلة الماضية على غرار الإفادة التي تمتعت بها الشركات الكبيرة، وأمامها الآن فرصة للصعود. فمؤشر «روسل 2000» الذي يقيس أداء أسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة صعد 17% منذ انتخاب ترمب رئيساً، أي أقل من نصف صعود مؤشرات الشركات الكبيرة، لكن اللافت للنظر أنه صعد نحو 4% خلال الأيام القليلة الماضية، قبيل وبعد إقرار القانون، رغم أن فترة آخر العام يُفترض أن تكون هادئة عموماً.
في المقابل، فإن الشركات الكبيرة مستفيدة من بنود أخرى في القانون، لا سيما تلك التي وُضعت لتشجيع عودة الأرباح من الخارج، إذ انخفضت نسبة الضريبة على عودة «الكاش» من 35 إلى 15.5% وإلى 8% فقط بالنسبة إلى الأرباح العائدة والموظفة في أصول غير سائلة.
وتقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أرباح الشركات الأميركية المودَعة في الخارج بنحو 2600 مليار دولار، وتأتي شركة «آبل» في المقدمة لأنها تملك وحدها 260 مليار دولار من الأرباح الموطَّنة خارج الولايات المتحدة الأميركية والتي معظمها هارب من الضرائب الأميركية. أما بعد خفض المعدلات فإن شركات كثيرة تدرس إعادة كل أو جزء من أرباحها إلى الولايات المتحدة، وهذا بدوره سيفيد المستثمرين سواء بصورة توزيعات للأرباح أو فرص شراء أصول، وبالتالي تنتظر «وول ستريت» ذلك بفارغ الصبر لتحقيق الفائدة القصوى من عودة المليارات من الخارج.
لكن محللين يقللون من احتمالات استمرار الصعود القوي لـ«وول ستريت» بعد تمرير القانون، بالنظر إلى أنه ارتفع بقوة على أثر أخبار صدور القانون حتى وصلت الأسهم إلى مستويات سعرية مرتفعة.
وأكد مستثمرون أجانب أن السوق الأميركية غالية الآن مقارنة بأسواق أخرى، فمعدل السعر إلى الربحية يبلغ 18 مرة، وهذا يعني بالنسبة إلى المحللين أن السوق تعاني من حماوة زائدة لم تشهدها منذ فقاعة الدوت كوم في عام 2000.
على صعيد متصل، هناك حدود أخرى لهذا التفاؤل مثل ضعف الدولار مقابل اليورو على سبيل المثال. وبالتالي فإن المستثمر الأجنبي عموماً والأوروبي خصوصاً سيقبل على الأسهم الأميركية بمقدار ما يصعد الدولار ليحقق في التحويل أرباحاً في الصرف.
- حرب الحمائية الضريبية
ويعد الإصلاح الضريبي الذي دفع الرئيس ترمب إلى إقراره هو المشروع الأكثر طموحاً منذ عهد الرئيس الراحل جون كيندي، عندما أراد في ستينات القرن الماضي تشجيع الصادرات ودفع الشركات الأميركية إلى الاستثمار في الخارج فيما سمي آنذاك بـ«الغزو الناعم للعالم».
في المقابل فإن قانون ترمب يدفع باتجاه حمائية من الجيل الثاني هدفها جذب الاستثمارات إلى الداخل بحوافز ضريبية مع فرض ضريبة 10% على فروع الشركات الأجنبية سُميت الضريبة الخاصة «المانعة للاستغلال».
وتم فرض ضريبة الفروع الأجنبية لمنع تسرب أرباح تتحقق على الأرض الأميركية إلى الخارج وعدم خضوعها للضرائب، لكن الشركات الأجنبية الكبيرة وبفعل التدفقات بين فروعها العالمية لا تُفصح عن أرباحها المحلية، وتقول إنها تدفع ضرائبها في بلدان مقر الشركة الأم أو في مكان آخر لها فيه عنوان ضريبي، والبنوك أفضل مثال على ذلك. علماً بأن أوروبيين ينددون بقانون ترمب معتبرين أنه قد يكون ازدواجاً ضريبياً. وهذا ما دفع وزراء اقتصاد فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا إلى مخاطبة الخزانة الأميركية، مع إشارتهم إلى ضرورة الاحتكام إلى القواعد الضريبية المتفق عليها في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
كما أن الأوروبيين يرون في القانون الجديد بعض البنود المتحايلة أو الملتفّة على قواعد منظمة التجارة العالمية. تلك البنود، صيغت في رأيهم بذكاء بالغ وقد يكون عبئها ثقيلاً على الشركات الأجنبية. ومن الأمثلة على ذلك أن القانون يمنح إعفاءات لبراءات الاختراع الأميركية مقابل ضريبة تُفرض على البراءات الأجنبية. الطرف الأميركي يرد بأن للقانون فلسفة لا يمكن للأوروبيين معارضتها، لأنه يهجر الضريبة المفروضة على الشركات والأفراد بشأن مداخيلهم العالمية لمصلحة التحول إلى نظام ضريبي محلي، مثل ضريبة تطبق على أين يستهلك المنتج وليس أين يُصنع. وهذا ما يحاول الأوروبيون تطبيقه على شركات أميركية مثل «غوغل» و«فيسبوك» و«أمازون» و«آبل».
وإذا قامت حرب ضريبية بين الطرفين، فمن المتوقع أن يكون الأميركيون أكثر ربحاً إذا تحولت استثمارات إلى الولايات المتحدة للاستفادة من انخفاض الضرائب فيها.
وتقدر تخفيضات ضرائب الشركات بنحو 150 مليار دولار سنوياً، لكن الاستفادة القصوى ستكون من نصيب الشركات الفردية التي انخفضت ضرائبها 20%، وهذا يخص المهن الحرة بالدرجة الأولى وصغار المقاولين، وعدد هؤلاء 40 مليوناً، وهم في الغالبية العظمى من الطبقة الوسطى، حيث تُقدَّر مداخيل الواحد من هؤلاء بما بين 20 ألفاً و100 ألف دولار، كما أن الأكثر ربحاً من التخفيضات هم من يزيد دخل الواحد منهم على 500 ألف دولار سنوياً.
تبقى الإشارة إلى رأي مفاده أن ما قام به ترمب يعتبر «ضربة معلم». فبدلاً من قضاء سنوات في البحث عن الجنات الضريبية، وتحديد خطرها، وكيف تهرب الأموال لتختبئ فيها، قام الرئيس ترمب باختيار طريق أسهل وأسرع للتخلص من التهرب الضريبي بخفض الضرائب إلى معدلات مشجعة على الإفصاح على الأرض الأميركية، وبالتالي ترك للآخرين متاهة البحث عن الأموال الهاربة من الضرائب، ويرجح أن تتحول أميركا إلى ملاذ لتلك الأموال، ولا عزاء لكل الآخرين.
- ماذا عن الطبقة الوسطى؟
لكنّ هناك جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة سبق صدور القانون حول الطبقات المستفيدة من القانون الجديد.
وقال موقع «إيه بي سي نيوز» في تقرير، إنه بينما يعد الجمهوريون صدور القانون مكسباً للأسر الأميركية فإن بعض الخبراء لديهم مشكلة مع هذا التصور، فهم يرون أن «الأغنياء سيأخذون البرغر ومعظم الباقين سيُترك لهم السلاطة والبطاطس» كما علّق التقرير.
وأوضح التقرير أنه في الوقت الذي يخفض فيه القانون ضرائب الشركات، فإن التخفيضات الأكثر محدودية للطبقة الوسطى ستنتهي في 2025.
وينقل التقرير عن خبير ضريبي أن مالكي أسهم الشركات الأميركية الذين يقع غالبهم في الفئات مرتفعة الدخل سيستفيدون بشكل مباشر من التخفيضات السخية لضرائب شركاتهم.
ويدافع الجمهوريون عن تلك التخفيضات بزعم أنها ستنعكس على الطبقة الوسطى في النهاية، فعندما ينتعش الاقتصاد بفضل الامتيازات التي تحظى بها الشركات ستتحسن أوضاع الوظائف والأجور.
لكن التقرير ينقل نقد الخبراء لهذا التصور المبنيّ على نظرية تساقط ثمار النمو، حيث إن الخبرة الأميركية على مدار الأعوام الثلاثين الأخيرة تعكس عدم تساقط هذه الثمار بالشكل الذي يروّج له الجمهوريون، فكثيراً ما كانت أوضاع الشركات تتحسن ولا ينعكس ذلك بنفس الدرجة على الأجور.
نهاية سعيدة لقانون «ضرائب ترمب» الذي أنعش البورصات
انتقادات لانحيازه إلى الأثرياء وميوله الحمائية
نهاية سعيدة لقانون «ضرائب ترمب» الذي أنعش البورصات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة