تساؤلات حول تراجع «القاعدة»... من الظواهري إلى «الوريث» حمزة بن لادن

صورة أرشيفية تجمع بن لادن والظواهري («الشرق الأوسط»)
صورة أرشيفية تجمع بن لادن والظواهري («الشرق الأوسط»)
TT

تساؤلات حول تراجع «القاعدة»... من الظواهري إلى «الوريث» حمزة بن لادن

صورة أرشيفية تجمع بن لادن والظواهري («الشرق الأوسط»)
صورة أرشيفية تجمع بن لادن والظواهري («الشرق الأوسط»)

تراجعت القاعدة وتتراجع منذ العام 2013. كانت البداية في المفاصلة التي فصل بها تنظيم القاعدة في العراق - داعش فيما بعد - مع التنظيم وقيادته أيمن الظواهري في مايو (أيار) من هذا العام، ثم كان الشرخ الأكبر في انشقاق «هيئة تحرير الشام» بقيادة أبي محمد الجولاني عن التنظيم الأم، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، واتهام الظواهري له بنكث البيعة وعدم الوفاء بها وخيانته لها في شريط له تم بثه في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
لم يقف الأمر في الحالتين عند تبادل الاتهامات والتشكيك في الشرعية والجدارة أو خيانة العهد دائما بل تمتد من البغدادي إلى الجولاني إلى اعتقال وقتل لكل من يرفض قيادته.
لم يعد التأثير ولا الحضور السابق متوفرا لزعيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري أو قيادتها المركزية ككل، بل لم تعد للشرعية التاريخية ولا العلمية سابق تأثيرها على الأجيال الجديدة من قادة التطرف العنيف، فالظاهرة تتشظى خلافا واختلافا وانشقاقا كما تتشظى ثقة وترميزا لرموز جديدة وموات رموز قديمة.
لم تزلزل كتابات المنظرين التقليديين للسلفية الجهادية، أمثال أبي قتادة والمقدسي شيئا في داعش، وهي المعركة التي استمرت طويلا بينهم وفريقهم وبين منظري داعش شأن البنعلي الذي تم الانقلاب عليه فيما بعد وتنحيته قبل مقتله، كما لم تثمر دعوة الإصلاح والمصالحة بين الجهاديين التي أطلقها أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني في 25 أكتوبر الماضي شيئا يدفع لإفراج الجولاني وهيئة تحرير الشام عن منظر وشرعي النصرة السابق سامي العريدي أو أبو جلبيب الأردني.
الظواهري في محاولة لاستعادة الحضور
من آن لآخر يحاول أيمن الظواهري زعيم القاعدة، الذي وصفه أحد نشطاء داعش على الإنترنت في وقت سابق، بأنه الرجل الذي فقد ظله، تصوير توسع القاعدة وحياتها وإمكانية استعادتها لقيادة الجهاد العالمي بعد تراجع واندحار داعش وانشقاقاته على نفسه، وخسرانه دولته التي تميز بها عن القاعدة، ولكنها محاولات تبقى أسيرة النسيان وقليلة الأثر، من قبيل إعلان الظواهري في 3 سبتمبر (أيلول) سنة 2014 عن فرع «للقاعدة في الهند»، وبجواره عاصم عمر زعيمها الذي قتل فيما بعد، وهي لا تتجاوز الـ600 عنصر تتوزع على بلدان شبه القارة من بقايا جيش لشكر طيبة ومجاهدي كشمير وغيرهم...
وقد نشطت محاولة الإيحاء بالحضور في استهداف داعش نفسه عبر بعض الفروع، مثل إعدام مجلس شورى درنة لأحد قياديي داعش بليبيا، أو ما أعلنته جماعات مصرية كـ«جند الإسلام» في أكتوبر الماضي عن توجهها لاستهداف داعش ومعاقبته والتضييق عليه.
هل ينجح الوريث في إحياء القاعدة؟
وتروج القاعدة صورا وتسجيلات لنجل أسامة بن لادن حمزة المولود عام 1991 والذي حاولت القاعدة أثناء احتفالها بالذكرى السادسة عشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر تصويره كرمز لحياتها واستمرار نسلها وزعامتها، ظهر في الصورة المركبة التي نشرها تنظيم «القاعدة» في الذكرى الـ16 لاعتداءات 11 سبتمبر 2001 وجه أسامة بن لادن بين نيران برجي مركز التجارة العالمي وإلى جانبه ابنه حمزة «وريث» التنظيم الإرهابي بعد أبيه.
وفي أغسطس (آب) 2015، أعلن زعيم «القاعدة» الظواهري في رسالة مسجلة «ولادة أسد من عرين القاعدة». في إشارة إليه، وطرح اسمه كوريث يمكن أن يوحد شتات المتطرفين ويعيد اللحمة التي كانت بيد أبيه الراحل في مايو سنة 2011 ورمزيته لصفوف الجهاديين، ربما هذا ما تحاوله القاعدة وقيادتها الحالية ولكن نراه أمرا مستبعدا على عكس ما يراه بعض المراقبين.
وفي تقرير نشره «مركز محاربة الإرهاب» في وست بوينت، ذكر علي صوفان مدير مجموعة «سوفان» جروب والمختص في شؤون «القاعدة» علي صوفان: «يجري إعداد حمزة لتولي دور قيادي في المنظمة التي أسسها والده».
وأضاف أنه «بصفته سليل بن لادن، من المرجح أن يتقبله متشددو القاعدة بالترحيب. وفي حين تبدو خلافة داعش على وشك الانهيار، بات حمزة الخيار الأمثل لتوحيد الحركة العالمية».
ونرى أن مشهد الإرهاب الحالي قد تجاوز فكرة التنظيم المركزي الحاكم، بل يكاد يتجاوز فكرة الشبكة التي بدأتها القاعدة كتنظيمات فرعية، تأسس أولها في عدو بن لادن الأول «العدو القريب» وكان التالي في العراق سنة 2005 ثم في المغرب العربي سنة 2007 وغيرها وهو ما استمر مع داعش وولاياته التي بلغت 26 ولاية حتى بدايات العام الحالي، تمتد من سيناء إلى الفلبين، وإن كان إعلانها لا يخلو من مبالغة أحيانا فبعضها كان قلة قليلة لم تقم بأي عمليات.
إن الماثل الآن والأرض التي تعمل عليها جميع التنظيمات الجهادية هي صراع الزعامة والتعصب للرأي، وطموح الدولة والإمارة الذي رمزت له وأكدته داعش، ولم يعد للحلم الأممي والحركة الجهادية الواحدة سابق ألقهما، ووفق هذا المنطلق يمكننا أن نفهم حالة المشهد السوري الراهنة التي توزع فيها الجهاديون إلى مئات المجموعات الصغيرة المتقاتلة دون مشترك، أو المشهد الليبي الذي يكون التنسيق ومجلس شورى واحد أقصى ما يطمح إليه دون ذوبان المجموعات الصغيرة وقياداتها فيه.
كما أن المرجعية نفسها تشظت وصار المقدم فيها مؤخرا ويبرز كل يوم منظرون جدد أكثر جرأة على تسفيه وأحيانا تكفير مخالفيهم، وليس عجبا أن يكون منظر سلفي جهادي كان كبار شرعيي النصرة مثل سامي العريدي يعتقل الآن من الجولاني مؤسسها، أو أن يقتل بعد أن يكفر أمثال تركي البنعلي أو أبو عمر الكويتي على يد أتباعهم السابقين من الدواعش، وهؤلاء من سبق أن هاجموا شيوخهم كالمقدسي وأبي قتادة والطرسوسي وقتلوا أبو خالد السوري ولم يكونوا يسمعون لغيرهم، فخرج عليهم من لا يسمعون لهم.
إن أقصى ما يمكن أن يصل له حمزة بن لادن بالقاعدة هو إحياء رمزيتها، خاصة أن وجوده لحياتها ضرورة بعد توسع الخلاف حول الظواهري منذ توليه، وانشطار التنظيم الكبير واختلاف متبوعيه عليه ونزعهم لشرعيته واتهامه بالمحبوس وحبيس المغارات كما فعل المصري أسامة قاسم المقرب من أبي محمد الجولاني في شريط له الشهر الماضي، مكررين ما اتهم به الظواهري سواه من أصحاب المراجعات عبد القادر بن عبد العزيز «الشيخ فضل» سنة 2008.
ولكن لن يقبل أي من القيادات الجديدة تسليم الدفة لحمزة بن لادن النجل المقرب لوالده الراحل والشبيه به، وبعضهم قريب منه في السن، وكذلك لم يلتق أباه يوما، وصارت كل المجموعات الجهادية من داعش لأصغر مجموعة جهادية ترى واقعا جهاديا مختلفا... وخاصا بها.
وليس ما تعلنه بعض الجماعات من معارضتها لـ«داعش» أو استهدافها له في سيناء أو أفغانستان أو ليبيا وارتباطها بالقاعدة إلا حنينا لمشهد التوحد القديم فقط، وبحثا عن سند غير داعش المنبوذ من سائر الجهاديين، ولأن القاعدة هي البديل الأقرب للصعود مكانه، ولكن لا يعني ذلك أنه بقاء ائتمار وسمع وطاعة، فالمتوقع مزيد من البراغماتية في صفوف الجهادية تنفر وتبتعد بها عن المركز والقيادة المركزية ليس غير. والسؤال المطروح الآن في أروقة المتطرفين, ماذا سيصنع حمزة بن لادن الذي لا يتمتع بتاريخ جهادي مع أجيال جديدة من المنظرين والقادة الجهاديين الذين لم يتورع بعضهم عن تسفيه بل وتكفير والده الراحل حتى بعد رحيله.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».