تركيا: توقيف عشرات الأجانب في حملات على «داعش»

إردوغان يفوض سلطات التحقيق بكسر شفرة قاتل السفير الروسي

قوات مكافحة الإرهاب التركية خلال مداهمة لأحد مواقع «داعش» («الشرق الأوسط»)
قوات مكافحة الإرهاب التركية خلال مداهمة لأحد مواقع «داعش» («الشرق الأوسط»)
TT

تركيا: توقيف عشرات الأجانب في حملات على «داعش»

قوات مكافحة الإرهاب التركية خلال مداهمة لأحد مواقع «داعش» («الشرق الأوسط»)
قوات مكافحة الإرهاب التركية خلال مداهمة لأحد مواقع «داعش» («الشرق الأوسط»)

ألقت قوات مكافحة الإرهاب التركية القبض على 55 أجنبيا من المرتبطين بتنظيم داعش الإرهابي في مدينتي إسطنبول وإزمير غرب البلاد أمس الخميس بعد تلقي معلومات عن تخطيطهم لتنفيذ عمليات إرهابية.
وقالت مصادر أمنية إن فرق مكافحة الإرهاب التابعة لمديرية أمن إسطنبول شنت حملات مداهمة في 12 موقعاً في 7 أحياء بعد تلقي معلومات استخبارية عن عزم الموقوفين على القيام بعمليات إرهابية في المدينة.
وتمكنت فرق مكافحة الإرهاب من القبض على 44 من هذه العناصر في حملات متزامنة، وعثرت على وثائق تنظيمية تعود للتنظيم الإرهابي في منازلهم.
كما ألقت قوات مكافحة الإرهاب القبض على 10 أجانب بموجب قرار من النيابة العامة في إطار في ملاحقة عناصر «داعش» في إزمير.
وكانت نيابة إزمير أصدرت في وقت سابق أمرا بتوقيف 11 مشتبها، تمكنت فرق مكافحة الإرهاب من توقيف 10 منهم، ولا يزال البحث جاريا عن الأخير.
في سياق مواز، كشف تحقيق استقصائي عن أن آلافا من مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي الذين فروا من ساحات القتال في سوريا والعراق عبروا الحدود إلى الأراضي التركية، حيث وجدوا تسهيلات وحاضنة شعبية.
وقال موقع «بازفيد» الأميركي إن مقاتلين من جنسيات مختلفة عبروا في الآونة الأخيرة إلى تركيا التي وصفها الموقع بأنها «البلد الذي يعد بوابة الجماعة الإرهابية إلى بقية العالم».
وأضاف الموقع أنه في الوقت الذي يصرح فيه مسؤولون أميركيون بأن الغالبية العظمى من مقاتلي التنظيم الإرهابي قتلوا في ساحات المعارك بالعراق وسوريا، فإن المهربين الذين يعملون في شبكات الاتجار بالبشر في المنطقة يقولون عكس ذلك.
ونقل الموقع الأميركي، عبر شبكة مراسلين في أكثر من مكان، عن بعض المهربين قولهم إنه في العام الماضي تمكنت مجموعات من عناصر «داعش» وأفراد أسرهم من التسلل إلى تركيا، ومن هناك تمكنوا من الوصول إلى طرق المهاجرين التي تمتد إلى أوروبا وآسيا وما وراءهما، وهي الطرق التي سلكوها لدى قدومهم من جميع أنحاء العالم إلى ما كان يطلق عليه «أرض الخلافة».
ونقل الموقع عن رجل يقع منزله بالقرب من الحدود التركية السورية أن البلدة كانت بمثابة محطة للقادمين الجدد، وأنه استضاف أكثر من 12 مقاتلا ومسؤولا من «داعش» على مدى أشهر عدة. وأضاف أن معظم مقاتلي «داعش» اختاروا البقاء في تركيا، لكنه شاهد أيضا كثيرا يتخذون طريق البحر إلى اليونان بمساعدة مهربي البشر. وقال رجل آخر إنه استقبل أعضاء «داعش» وأسرهم كانوا قد قدموا من نقاط تهريب على طول الحدود التركية، وكانوا يتحدثون لغات لم يفهمها. وذكر أحد المهربين، وهو سوري في الثلاثينات من عمره أنه هرب العراقيين والسوريين والأشخاص الذين لا يتكلمون العربية، ولفت إلى أن الأشخاص الذين أرادوا الاستمرار على نهج «داعش» سيكون لديهم فرصة كبيرة للقيام بذلك، لدى تمكنهم من الذهاب إلى بقاع أخرى، ولا يمكن لأحد سوى الإرهابيين أنفسهم أن يعرف ما ينوي هؤلاء بعد مغادرتهم الأراضي التي كان التنظيم يسيطر عليها. ونقل الموقع عن مسؤولين في المخابرات الأميركية قولهم إن هذا النوع من المقاتلين الذين وصفهم المهربون، سيشاركون على الأرجح في معركة «داعش» للبقاء في المرحلة المقبلة، وهم من سيحددون شكل نشاط التنظيم بعدما خسر الأراضي وأصبح في الشتات.
من ناحية أخرى، صادرت الشرطة التركية أكثر من 26 ألف قطعة أثرية قديمة تنتمي لعدد من حضارات الشرق الأوسط في عمليات مداهمة واسعة النطاق أسفرت أيضا عن القبض على 13 مشتبها بهم. ومن بين القطع الأثرية عملات وحلي وقطع فنية حجرية وتماثيل صغيرة تنتمي للحضارات الرومانية والبيزنطية والعثمانية وثقافات أخرى، بحسب ما عرضت القنوات التلفزيونية التركية أمس الخميس.
وشملت المداهمات، خلال العملية التي تعد الأكبر في تاريخ تركيا، 5 مواقع منفصلة.
وحققت جماعات مسلحة في سوريا والعراق، ولا سيما تنظيم داعش الإرهابي، أرباحا من وراء تهريب مثل هذه القطع الأثرية من مناطق الحرب عبر تركيا التي عززت في الفترة الأخيرة من جهودها لمنع التهريب.
في سياق آخر، يبذل المحققون الروس والأتراك جهودا مكثفة لاختراق القرص الصلب للهاتف المحمول للشرطي مولود مارت ألتن طاش قاتل السفير الروسي السابق في أنقرة أندريه كارلوف.
وذكرت صحيفة «حرييت» التركية، نقلا عن مصدر في مكتب الادعاء العام، أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عقد اجتماعا يوم الثلاثاء الماضي مع المدعي العام لأنقرة فوض خلاله السلطات المعنية بالتحقيق بفعل كل ما يلزم من أجل كسر شفرة هاتف قاتل السفير.
وأضافت الصحيفة أن المحققين الأتراك بعد عجزهم، على مدى عام عن اختراق هاتف الشرطي الذي قتل في موقع حادث الاغتيال في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2016، كانوا يعتزمون اللجوء إلى شركة إسرائيلية خاصة، غير أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود لأن الشركة قيمت خدماتها بـ20 ألف يورو دون تقديم أي ضمانات.
وكان فريق من المحققين الروس وصل إلى أنقرة الاثنين الماضي لمتابعة سير التحقيقات في اغتيال السفير، وأجرى مشاورات مع المسؤولين والمحققين الأتراك بشأن سبل اختراق الهاتف.
وأشارت الصحيفة إلى أن السلطات التركية اقترحت التوجه بغية اختراق الهاتف إلى شركة مختصة تتخذ من الهند مقرا لها، مؤكدة أن الشركة ستعمل على الهاتف دون نقله إلى خارج البلاد، فيما اقترحت روسيا مساعدة الخبراء الروس في مجال الحواسيب في فك شفرة الهاتف. وسبق أن طلبت السلطات التركية من شركة «آبل» بشكل رسمي الكشف عن كلمة السر الخاصة بهاتف قاتل السفير الروسي إلا أن طلبها قوبل بالرفض. وذكرت الصحيفة أن الخبراء الروس تمكنوا من استعادة نحو 700 ملف محذوفة في حاسوب ألتن طاش ورسائله عبر «جي ميل» و«فيسبوك»، بعد نقل الحاسوب إلى موسكو.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».