لا تريد باريس السعي لإطلاق مبادرة دبلوماسية فيما يخص النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، عقب التصعيد الذي أفضى إليه قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها. لكن ذلك لا يعني أن فرنسا تنفض يديها من الملف الذي وصفه الرئيس إيمانويل ماكرون، عقب لقائه ملك الأردن عبد الله الثاني بعد ظهر أمس، بـ«المتفجر».
ولذلك، فإن الدبلوماسية الفرنسية وعلى رأسها ماكرون تنشط في كل الاتجاهات. واستقبل ماكرون في 10 ديسمبر (كانون الأول)، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأمس الملك عبد الله الثاني، كما أنه يستقبل بعد غد الجمعة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عملا بالمبدأ الذي يصر عليه وهو «الحاجة للتحدث إلى جميع الأطراف»، والمقرون بمبدأ آخر هو أنه «من الخطأ الحلول محل الأطراف (المعنية) بالسير بمسار السلام».
ماكرون قال أمس، عقب اجتماع الإليزيه الذي ضم أيضا وزيري خارجية البلدين والمستشارين، إن الزمن الراهن «ليس زمن إطلاق مبادرة فرنسية». ويبدو أن هناك توافقا تبلور بين ماكرون والملك عبد الله، قوامه الحاجة إلى انتظار مضمون المبادرة الأميركية المفترض أن تظهر في الأشهر المقبلة. وقال الملك عبد الله، من جانبه: «سوف ننتظر أن يقدم الأميركيون خطتهم في الشهرين أو الثلاثة المقبلين كما أنه علينا تلافي الاستعجال»، فيما اعتبر ماكرون أن قرار الرئيس ترمب «لا يمكن فصله» عن الخطة الموعودة، وبالتالي يتعين إمهال الإدارة الأميركية الوقت ليصبح مشروعها جاهزا.
بيد أن هذه الرغبة في إعطاء الإدارة الأميركية فترة سماح لا تخفف بشيء الانتقادات الحادة الفرنسية والأردنية لقرار ترمب. وشدد ماكرون على أمرين: الأول، أن ضرورة التمسك بالوضع القائم للقدس كما هو ومن غير تغيير، والثاني اعتبار أن وضع القدس لا يمكن فصله عن المواضيع الأخرى التي يتعين التفاوض حولها بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وأن الطريق المفضية إلى السلام تمر عبر المفاوضات بين الطرفين. ووعد ماكرون بالعمل مع الأردن الذي «يتحمل مسؤولية خاصة في موضوع القدس». وذكر الملك عبد الله الثاني بالموقف الأردني المندد بالقرار الأميركي، «لأنه يذهب بعكس القانون الدولي»، وأن الحل لا يمكن أن يكون إلا من خلال قيام دولتين «فلسطين وإسرائيل» وتمكين الفلسطينيين من أن تكون القدس عاصمة دولتهم. وفي جانب آخر، شدد الملك الأردني على ضرورة المحافظة على حقوق المسيحيين والمسلمين في القدس التي هي أيضا عاصمتهم، رافضا أن تكون صيغة الحل التي ستقترحها أميركا «مسيئة» لهذه الحقوق. وبنظر العاهل الأردني، فإن السؤال الرئيسي اليوم هو كيفية التمكن من جلب الطرفين إلى طاولة المفاوضات والمحافظة على مسار السلام. وبينت تصريحات ماكرون وعبد الله الثاني عن «تطابق» في الرؤية لجهة الموقف من قرار ترمب أو الحاجة إلى مفاوضات ومحدداتها و«ترك فرصة للسلام»، وفق ما أكده ملك الأردن.
وقالت مصادر دبلوماسية عربية لـ«الشرق الأوسط»، إنه «من الواضح» أن باريس رغم انتقاداتها الحادة للخطوة الأميركية ووعيها لما أحدثته من زعزعة للاستقرار وتأليب المجتمعات العربية والإسلامية «لا ترغب في الوقت الحاضر في إزعاج واشنطن بناء على طلب أميركي»، وبحسب هذه المصادر، فإن ذلك «تكتيك سياسي أميركي معروف»، إذ إنها «تطلب مهلة» وفي حال لم تنجح حلولها، فإن أوروبا ستكون بعدها «طليقة اليدين». وسبق لوزير الخارجية السابق جون كيري أن فعل الشيء نفسه مع فرنسوا هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس. وفي أي حال، يبدو الملف الفسلطيني - الإسرائيلي لا يحظى باهتمام العهد الماكروني ربما لتيقنه بأنه بالغ الصعوبة ولا أمل بتحقيق اختراق فيه من غير مساهمة وانخراط واشنطن. وقد بدا ذلك بوضوح لدى استقبال نتنياهو في باريس، إذ جل ما «أقدم» عليه ماكرون هو الطلب من رئيس الحكومة الإسرائيلية القيام بـ«خطوات شجاعة» إزاء الفلسطينيين. لكن حوار الطرفين كان أقرب إلى حوار الطرشان.
ماكرون وعبد الله الثاني مع منح واشنطن «مهلة» لتقديم خطتها للسلام
ماكرون وعبد الله الثاني مع منح واشنطن «مهلة» لتقديم خطتها للسلام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة