انتحار فتاة في شمال لبنان يعيد طرح ملف «زواج القاصرات»

TT

انتحار فتاة في شمال لبنان يعيد طرح ملف «زواج القاصرات»

صُدمت محافظة عكار شمال لبنان وتحديداً منطقة وادي الجاموس بانتحار فتاة قبل ساعات من إكمال الـ15 عاماً من عمرها، ما دفع مسؤولين إلى إعادة فتح ملف «زواج القاصرات» بالتصريحات، ولو أنه لم يحسم أنه الدافع الأساسي وراء عملية الانتحار.
في التفاصيل، أقدمت الفتاة نظيرة طرطوسي (مواليد عام 2003) على قتل نفسها ببندقية صيد بينما كانت عائدة من زيارة لأهلها في منطقة البداوي مع زوجها عبد الحي علي السيور إلى منزلهما الكائن في منطقة وادي الجاموس. وروى أحد أعيان البلدة لـ«الشرق الأوسط» أن الزوجين عادا إلى منزلهما وبدأت نظيرة تحضّر النرجيلة لزوجها ولجمع من الأشخاص الذين جاءوا لزيارتهم وبينهم شقيق الزوج وكانت تضحك ولا تعاني من أي مشكلة، «لكنها فجأة دخلت إلى غرفة واستلت بندقية صيد تعود ملكيتها للزوج وأطلقت النار على نفسها... هرع الموجودون إلى الغرفة ليشاهدوا الدم منتشراً على الحائط».
ونفى سكان في البلدة أي نوع من الخلافات بين الزوجة وزوجها بل قالوا إنهما «كانا متفقين إلى أبعد حد». وعندما يُسألون هل تزوجت رغماً عنها، يجيبون: «أبداً. هي من قررت ترك المدرسة وبناء عائلة، ويجب أن تنظر إلى تاريخ عائلتها وعائلة زوجها كي تعلم أنهم من خيرة الناس إذا جاز التعبير». أما وضعهما الاقتصادي فهو «جيد جداً ويعتبران من أثرى العائلات عندنا»، كما يقول سكان.
نظيرة، التي نُقلت إلى مستشفى اليوسف وكشف عليها الطبيب الشرعي، تحاط قضيتها بسرية تامة، إذ تم توقيف زوجها من قبل عناصر لدى شعبة المعلومات في حلبا وتم تسليمه إلى مخفر العبدة قبل أن يخضع للتحقيقات.
الزوج، كما روى مصدر في البلدة لـ«الشرق الأوسط»، كشف أن لا مشاكل على الإطلاق مع زوجته التي تزوجها قبل خمسة أشهر وأنها لم تكن أبدا على غير عادتها.
بقي الغموض يلف القضية إلى أن استمع الأمنيون إلى إفادة والدتها التي كشفت أثناء التحقيق «أنها قالت لها أكثر من مرة: سأقتل نفسي. ولم تكن تذكر الأسباب، وكانت والدتها دائماً ما تردعها وتذكر لها الأسباب الدينية التي تحرّم قتل النفس وأن مثل هذه الفعلة حرام». ولدى سؤال «الشرق الأوسط» أحد المقربين من العائلة لماذا كانت ستقتل نفسها كانت تجيب بأن «رأسها يؤلمها ولم تكن تقول أكثر من ذلك».
الزوج بقي لساعات طويلة في التحقيق الذي أحيط بسرية تامة ورفض أكثر من مصدر التحدث عن القضية. وقال مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط»: «لسنا على علم بما يحكى عن أنه تم تزويج الفتاة غصباً عنها ولا بالأمور الكثيرة التي تحاط بهذه القضية»، في إشارة إلى ما تناقلته وسائل إعلام محلية. ونقل الزوج بعدها إلى قسم «التحري» في عكار.
وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسبيان دخل على خط القضية وغرّد عبر حسابه الرسمي على موقع «تويتر» بأنه «بغض النظر عن ظروف مقتل الفتاة ابنة الخامسة عشرة والمتزوجة من خمسة أشهر في عكار، فالكلمة النهائية لحكم القضاء وما تظهره التحقيقات.. إلا أنه من المؤكد أنه كان لهذه الفتاة الحق الطبيعي في أن تنعم بحنان أهلها وتتابع علومها»، معرباً عن رفضه «لزواج القاصرات». وما لبث أن تحول كلام الوزير إلى حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دعت مواطنات ومواطنون إلى إنهاء حالة المماطلة في هذا الملف وتشريع قانون يمنع تزويج القاصرات.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.