مع اقتراب المعارك ضد تنظيم داعش على الانتهاء في سوريا، يخشى الأكراد، حلفاء واشنطن الأبرز ضد التنظيم، أن تدير الولايات المتحدة ظهرها عنهم، وتتركهم وحيدين أمام تهديدات عدة على رأسها تركيا.
وبعد سياسة تهميش اتبعتها الحكومات السورية ضدهم طوال عقود، تصاعد نفوذ الأكراد في سوريا بدءا من عام 2012، وعملوا على تمكين «إدارتهم الذاتية» في مناطق سيطرتهم في شمال وشمال شرقي البلاد، فأعلنوا «النظام الفيدرالي» وبنوا المؤسسات على أنواعها وأجروا انتخابات لمجالسهم المحلية.
وشكلت وحدات حماية الشعب الكردية رأس حربة المعارك ضد تنظيم داعش لسنوات، ورأت فيها الولايات المتحدة القوى الأكثر فعالية لمواجهة الإرهاب. وقد تمكنت من طردهم من مناطق واسعة، أبرزها مدينة الرقة، معقلهم في سوريا سابقاً.
في مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية (شمال شرق)، يقول رافع إسماعيل (37 عاماً): «نتخوف من أن تستخدمنا أميركا كورقة في يدها، وحين تنتهي من عملها تنسانا»، مشيراً إلى تجربة كردستان العراق الذي طالما دعمته واشنطن لكنها عارضت استفتاء على الاستقلال أجراه الإقليم أخيرا وكانت له تداعيات سلبية جدا على أكراد العراق.
وتقول نوال فرزند (45 عاماً)، مدرسة اللغة الكردية: «على جميع الدول أن تدعمنا لأننا نحارب الإرهاب وحررنا الرقة، وعلى أميركا عدم التخلي عنا والتحالف مع تركيا».
وبالإضافة إلى الدعم الجوي والسلاح، تنشر الولايات المتحدة حالياً قرابة ألفي جندي يدعمون الأكراد في سوريا. ولم يعد تنظيم داعش يسيطر راهناً سوى على خمسة في المائة كحد أقصى من مساحة البلاد.
وأدى ذلك إلى إعلان واشنطن إجراء تعديلات فيما يتعلق بدعمها للأكراد، عدا عن عودة 500 من قوات مشاة البحرية إلى بلادهم، في موازاة تأكيدها أنها ستحتفظ بوجود عسكري «طالما كان ذلك ضرورياً».
وشددت المتحدثة باسم وحدات حماية المرأة الكردية نسرين عبد الله على أهمية بقاء قوات التحالف الدولي «لضمان الأمن والاستقرار»، مشيرة إلى تهديدات عدة يواجهها الأكراد، بينها من تبقى من المتطرفين والموقف التركي.
وقالت عبد الله لوكالة الصحافة الفرنسية: «تهديد داعش لا يزال موجودا، قد يكون تلاشى كجسم ولكن هناك خلايا نائمة وهجمات بين الحين والآخر». واعتبرت عبد الله أن «تركيا تهدد الشعب الكردي حتى بالفناء»، مضيفة: «قوات التحالف أو القوات الروسية، كلهم مسؤولون تجاه أي عمل تقوم به تركيا».
وشكل الدور المتصاعد للأكراد قلقاً لكل من أنقرة التي تخشى من حكم ذاتي على حدودها يثير مشاعر الأكراد لديها، كما لدمشق التي طالما أكدت نيتها استعادة السيطرة على كامل أراضي البلاد. وتصنف أنقرة الوحدات الكردية مجموعة «إرهابية»، وشنت في صيف 2016 هجوماً برياً في شمال سوريا ضد تنظيم داعش والمقاتلين الأكراد على حد سواء. في القامشلي التي تنتشر فيها من كل حدب وصوب رايات الوحدات الكردية، تخشى مدرسة اللغة الإنجليزية ندى عباس (30 عاماً) «تخلي أميركا عن الأكراد بعد انتهاء المعارك ضد داعش»، معتبرة أن ذلك «سيكون هدية لتركيا لأنها لا تقبل أن يحظى الأكراد بقوة وستهاجمنا، كما فعلت سابقاً (...) الخطر التركي لن ينتهي».
في مدن «روج آفا» (الاسم الذي يطلقه الأكراد على مناطق سيطرتهم في شمال وشمال شرقي سوريا)، عُلقت صور لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في الشوارع والمقرات الإدارية. ومع اقتراب انتهاء المعركة ضد التنظيم، برز تقارب بين الأكراد وروسيا، حليفة دمشق.
وأعلنت الوحدات الكردية قبل أيام أنها بالإضافة إلى التحالف الدولي، تلقت دعماً عسكرياً من القوات الروسية في معاركها ضد «الجهاديين» في محافظة دير الزور في شرق البلاد. كما يتلقى الأكراد في عفرين في محافظة حلب (شمال)، أحد الأقاليم الكردية الثلاث، وحيث لا وجود لتنظيم داعش، دعماً من روسيا التي دربت مقاتلين منهم. وأنشئت منطقة فض اشتباك بينهم وبين فصائل معارضة مدعومة من أنقرة في هذا الإقليم.
ويقول الباحث في المعهد الأميركي للأمن نيك: «العلاقة بين وحدات حماية الشعب الكردية والجيش الروسي تصبح أكثر خصوصية»، مشيراً إلى عفرين التي «تعتمد فقط على الجيش الروسي وليس الأميركيين للحماية ضد هجوم تركي». ورغم التوتر بينهما فيما يتعلق بدعم الأكراد، تعد تركيا أحد أبرز حلفاء واشنطن في المنطقة.
ويرى هاريس في تقرب الأكراد من روسيا «سياسة لتأمين أنفسهم في حال تخلت الولايات المتحدة عنهم لصالح تركيا».
بين وقت وآخر قرب مدينة القامشلي، يُمكن رؤية مدرعات أميركية أو سيارات محملة بالجنود الأميركيين. وقد ازداد مؤخراً، وفق مراسل وكالة الصحافة الفرنسية، وجود العسكريين الأميركيين في المدن الكردية بعدما كان يقتصر سابقاً على جبهات القتال.
أكراد سوريا يخشون تخلي واشنطن عنهم بعد انتهاء «داعش»
أكراد سوريا يخشون تخلي واشنطن عنهم بعد انتهاء «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة