مايكل لاودروب... قصة أيقونة أخفق الخبراء في تقدير مهاراتها

الدنماركي صاحب الموهبة الفذة احتل المرتبة الأولى على مستوى القارة الأوروبية بين عامي 1989 و1996 ولم يفز بالكرة الذهبية

لاودروب بقميص منتخب الدنمارك يخترق دفاع منتخب البرازيل
لاودروب بقميص منتخب الدنمارك يخترق دفاع منتخب البرازيل
TT

مايكل لاودروب... قصة أيقونة أخفق الخبراء في تقدير مهاراتها

لاودروب بقميص منتخب الدنمارك يخترق دفاع منتخب البرازيل
لاودروب بقميص منتخب الدنمارك يخترق دفاع منتخب البرازيل

تعد نظرية الذكاء الجمعي واحدة من النظريات المعتبرة التي رسخت وجودها بقوة، وينص مبدأ «حكمة الجماهير» على أن الإجابة التي تطرحها مجموعة من الأفراد تفوق في حكمتها تلك التي يطرحها خبير واحد، وذلك فيما يخص قضايا تحديد الكمية والمعرفة العامة. صيغت هذه النظرية للمرة الأولى على يد أرسطو، ثم مرت بمراحل تطور عدة على أيدي عدد من الفلاسفة وعلماء الإحصاء والاقتصاد منذ ذلك الحين. وتعد هذه النظرية الأساس الذي تقوم عليه فكرة الاستعانة بهيئات محلفين.
ومع هذا، فإنه دون أي تعمد للحط من قدر أرسطو، فإن افتقار أمثال عالمي الرياضيات مركيز دي كوندروسيه وفرنسيس غالتون ولاعب كرة القدم مايكل لاودروب إلى الشهرة على الصعيد العالمي تحد من الثقة في هذا المبدأ. بين عامي 1989 و1996 احتل أعظم لاعب كرة قدم أنجبته الدنمارك على امتداد تاريخها المرتبة الأولى على مستوى القارة الأوروبية كلها. ومع هذا، لم يخفق الصحافيون الأوروبيون في منح لاودروب جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب فحسب، وإنما لم يكن اسمه من بين الثلاثة المرشحين من الأساس. في الواقع، كان هذا ظلما بينا، ويتفق جوسيب غوارديولا مع ذلك وقال: «يتعذر علي تصديق أنه لم يفز بلقب أفضل لاعب في العالم».
لم يكن لاودروب لاعب خط وسط مهاجم قادرا على اللعب في أي رقعة داخل الملعب فحسب، وإنما كان لاعبا شاملا بمعنى الكلمة بلغ ذروة تألقه تحت قيادة يوهان كرويف والرؤية التي صاغها من أجل برشلونة. وربما يكون لاودروب اللاعب الأكثر براعة في تاريخ أوروبا على مر العصور ـ بعد كرويف، بالطبع.
كان لاودروب قد اقتنص لقب أفضل لاعب في الدنمارك للمرة الأولى في عمر الـ18. وعام 1983 انتقل من نادي «بروندبي» إلى «يوفنتوس»، لكنه كان قاب قوسين أو أدنى من الانضمام لـ«برشلونة». وعن هذا، قال النجم الدنماركي: «أعتقد في ذلك الوقت كان (ليفربول) واحداً من أبرز ثلاثة أندية في أوروبا. لذا ظن مسؤولوه أن هذا اللاعب الدنماركي سيفرح كثيراً بطلب انضمامه إليهم وسيسارع إلى تلبية الدعوة، لكنني لم أفعل ذلك ـ وبعد أسبوعين، وقعت عقد انضمامي إلى يوفنتوس».
إلا أن الفترة التي قضاها لاودروب في إيطاليا لم تكن ناجحة تماماً، ذلك أن القواعد التي فرضها الدوري الإيطالي الممتاز على اللاعبين الأجانب اضطرته إلى المشاركة على سبيل الإعارة في صفوف «لاتسيو» على مدار موسمين (دون معرفته المسبقة بذلك)، بجانب تعرض اللاعب لإصابات متكررة خلال المواسم الثلاثة الأخيرة له هناك. عام 1989 انضم إلى «فريق الأحلام» تحت قيادة كرويف وأصبح واحداً من أعمدة سلسلة النجاحات غير المسبوقة التي حققها «برشلونة». وعلى مدار خمس سنوات قضاها داخل «كامب نو»، شارك لاودروب في الفوز ببطولة الدوري الممتاز أربع مرات وبطولة كأس ملك إسبانيا مرة واحدة وبطولة كأس السوبر الإسباني مرتين وكأس السوبر الأوروبية مرة، وكأس أمم أوروبا مرة.
وعندما أعلن لاودروب رحيله عن «برشلونة» بعدما ساءت علاقته بكرويف، الذي لم يتح له فرصة المشاركة في نهائي بطولة الكأس الأوروبية عام 1994 انتاب غوارديولا مشاعر الحزن العميق لدرجة أنه بكى وناشد لاودروب أن يغير رأيه، مؤكداً له أنه تعلم كل شيء يخص كرة القدم منه.
ومع هذا، رحل لاودروب بالفعل وانضم إلى «ريال مدريد» المنافس وسرعان ما لعب دوراً محورياً في استعادة بطولة الدوري الإسباني من المنافس الكتالوني. ورغم أنه شارك في 62 مباراة فقط بالدوري الممتاز مع «ريال مدريد»، فإنه جرى اختياره عام 2002 عبر التصويت باعتباره اللاعب صاحب المركز الـ12 بين أفضل اللاعبين في تاريخ النادي. عام 1999 فاز لاودروب بلقب أفضل لاعب أجنبي على صعيد كرة القدم الإسبانية على امتداد الأعوام الـ25 الأخيرة، متفوقاً بذلك على كرويف وهوغو سانشيز ورونالدو وبيرند شوستر وريفالدو ولويس فيغو. كما ينفرد لاودروب بكونه اللاعب الوحيد المحبوب من جانب قطبي «الكلاسيكو»، رغم الهزائم الفادحة التي أسهم في إنزالها بكل منهما.
وثمة قصص شائعة داخل إسبانيا عن الفترة التي قضاها لاودروب في مدريد، منها واحدة تدور حول أنه ذات يوم كان يجلس في مطعم برفقة صديق يتناولان العشاء ويناقشان فكرة اعتزاله كرة القدم والرحيل عن إسبانيا. على بعد طاولتين، كان يجلس الملك خوان كارلوس الأول. وبعد أن نمت إلى مسامعه المحادثة، همس الملك في أذن لاودروب قائلاً: «هذه أنباء سارة، فأنا بذلك سأستعيد مكانتي باعتباري الملك الوحيد داخل مدريد».
داخل الملعب، أبدى لاودروب براعة خاصة في التصويبات الجريئة للكرة وتمريرها ومهارة التحكم بها. والمؤكد أنه كان اللاعب الأفضل على مستوى جيله. ويوجد على موقع «يوتيوب» فيديو يجمع أفضل التمريرات التي أطلقها لاودروب وتبلغ مدته 83 دقيقة، ومع هذا لا يمل المرء منه. في الواقع، لدى مشاهدتك الفيديو لا تملك سوى الشعور بالانبهار إزاء الصور المتنوعة التي تجلت خلالها عبقرية لاودروب داخل الملعب.
وهنا، ثمة تساؤل يفرض نفسه: لماذا لم ينل لاودروب اعترافاً وتقديرا دولياً لمهاراته؟ المؤكد أن هذا لم يكن بسبب افتقاره إلى تقدير أقرانه، بالنظر إلى قائمة اللاعبين الذين يعتبرونه واحداً من لاعبي النخبة. من جهته، قال ميسي: «أتفهم تماماً السبب وراء النظر إلى لاودروب باعتباره واحدا من أفضل اللاعبين في تاريخ برشلونة، بل والعالم». أما إنييستا، فقد قال: «إذا سألتني من أفضل لاعب في التاريخ، أجيبك أنه لاودروب». أما كرويف، فقال: «عندما يلعب مايكل، يصبح الأمر أشبه بالحلم، خيال ساحر ولا يمكن لأحد في العالم مجرد الاقتراب من مستواه».
كما وصف كل من روماريو وراؤول اللاعب الدنماركي بأنه أفضل من لعب كرة القدم على الإطلاق. وتضم قائمة النجوم التي لا حصر لها من الذين شهدوا بتفوق لاودروب أسماء كبرى أخرى مثل بيبيتو ورونالدو ورونالد كويمان ورونالدينيو وريفالدو وزين الدين زيدان وكريستيانو رونالدو وزافي ولويس إنريك وغوارديولا.
في الواقع، ربما عانى لاودروب من إيثاره وافتقاره إلى الأنانية وسمعته كلاعب كرة قدم مهذب ولطيف ورضاه بالاضطلاع بدور داعم لبعض أعظم المهاجمين بتاريخ كرة القدم. ومثلما قال ميشال بلاتيني من قبل، فإن: « مايكل امتلك كل شيء إلا أمراً واحداً: أنه لم يكن أنانياً بما يكفي».
أو ربما مثلما رأى كرويف، فإن لاودروب كان متصالحاً تماماً مع فكرة كرة القدم كنوع من الفن والمتعة الجمالية. ومن السهل أن ينظر إلى لاعب يتعامل مع المواقف الصعبة بقدر هائل من السهولة والسلاسة، باعتباره كسولاً ـ رغم أن هذا الاعتقاد ربما يحمل ظلماً بيناً بحقه.
وعن هذا، قال كرويف: «لو كان مايكل ولد في حي فقير في البرازيل والأرجنتين ورأى في كرة القدم سبيله الوحيد للفكاك من براثن الفقر، ربما كان سيجري الاعتراف بها اليوم كأكبر عبقرية في تاريخ كرة القدم. لقد امتلك كل المهارات اللازمة ما عدا تلك الغريزة الكامنة داخل أبناء الأزقة الفقيرة، والتي كان بمقدورها حمله إلى هذه المكانة الكبرى».


مقالات ذات صلة

السيسي يهنئ السعودية باستضافة «مونديال 2034»

رياضة عربية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (إ.ب.أ)

السيسي يهنئ السعودية باستضافة «مونديال 2034»

وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التهنئة إلى المملكة العربية السعودية، بعد الفوز بتنظيم «كأس العالم 2034».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية إنزو ماريسكا مدرب تشيلسي (رويترز)

ماريسكا: تشيلسي لا ينافس على «البريميرليغ»

قال ماريسكا إنه ولاعبي تشيلسي لا يشعرون بأنهم دخلوا في إطار المنافسة على لقب «البريميرليغ» بعد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية روبن أموريم مدرب مانشستر يونايتد (إ.ب.أ)

أموريم: يونايتد بكامل جاهزيته لمواجهة سيتي

ربما يستعين روبن أموريم مدرب مانشستر يونايتد بالمدافع المخضرم جوني إيفانز، عندما يسافر الفريق عبر المدينة لمواجهة مانشستر سيتي.

«الشرق الأوسط» (مانشستر)
رياضة عالمية أنجي بوستيكوغلو مدرب توتنهام هوتسبير (إ.ب.أ)

بوستيكوغلو: توتنهام بحاجة للاعبين ملتزمين

قال أنجي بوستيكوغلو مدرب توتنهام هوتسبير إنه لا يخشى انتقاد لاعبيه قبل مواجهة ساوثهامبتون.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية أنطونيو كونتي مدرب نابولي (أ.ب)

كونتي: علينا مواصلة العمل

قال أنطونيو كونتي مدرب نابولي إنه يريد من الفريق رد الفعل نفسه الذي يقدمه عند الفوز.

«الشرق الأوسط» (نابولي)

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».