مصر وروسيا توقعان اتفاق بدء العمل في «الضبعة» النووية... واستئناف قريب لحركة الطيران

تفاهم حول سوريا... وبوتين يحذر من أي خطوات تستبق اتفاقاً محتملاً بين إسرائيل والفلسطينيين

الرئيس المصري لدى استقباله بوتين في القاهرة أمس («الشرق الأوسط»)
الرئيس المصري لدى استقباله بوتين في القاهرة أمس («الشرق الأوسط»)
TT

مصر وروسيا توقعان اتفاق بدء العمل في «الضبعة» النووية... واستئناف قريب لحركة الطيران

الرئيس المصري لدى استقباله بوتين في القاهرة أمس («الشرق الأوسط»)
الرئيس المصري لدى استقباله بوتين في القاهرة أمس («الشرق الأوسط»)

وقعت روسيا ومصر في القاهرة، أمس، اتفاق بدء العمل في مشروع محطة كهرباء الضبعة النووية بمصر وتزويدها بالوقود النووي، بحضور الرئيسين، المصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين. وتوفر هذه الوثائق أساس الشروع بالعمل الفعلي لبناء المحطة الكهروذرية.
وحل بوتين ضيفاً على مصر، أمس، في زيارة استغرقت عدة ساعات، أجرى خلالها مباحثات شملت دفع أطر التعاون الثنائي في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، فضلاً عن التشاور بشأن عدد من القضايا الإقليمية. وأكد بوتين أن بلاده «جاهزة لاستئناف الرحلات الجوية مع مصر»، مشيرا إلى إمكانية التوقيع على بروتوكول بخصوص ذلك في القريب العاجل.
وبدا واضحا توافق مصري روسي بشأن الوضع في سوريا، كما انتقد بوتين قرار الإدارة الأميركية بنقل سفارتها في إسرائيل للقدس، قائلا إن «أي خطوات تستبق اتفاقا محتملا بين إسرائيل والفلسطينيين ستأتي بنتائج تزعزع الاستقرار».
وتعد زيارة بوتين الثانية لمصر منذ تولي السيسي الحكم منتصف 2014، واللقاء الثامن بين الرئيسين. وتشير إلى تنامي العلاقات بين روسيا ومصر، الشريك الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

المحطة النووية
خلال الزيارة، أمس، وقع البلدان اتفاق بدء العمل في مشروع محطة كهرباء الضبعة النووية وتزويدها بالوقود النووي. ووقع عن الجانب الروسي، المدير العام لمجموعة الشركات الحكومية «روس آتوم»، أليكسي ليخاتشوف، وعن مصر، وزير الكهرباء محمد شاكر.
وشمل الاتفاق قيام روسيا بتوفير نحو 80 في المائة من المكون الأجنبي، فيما توفر مصر 20 في المائة، وتستوعب الضبعة 8 محطات نووية، تستهدف الأولى إنشاء 4 مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء.
وعقب التوقيع قال بوتين: «أولينا اهتماما خاصا لخطواتنا المشتركة في مجال الطاقة وخاصة التعاون في مجال المحروقات، وأيضا مشروع إنشاء محطة الضبعة النووية الأولى من نوعها في مصر»، مشيراً إلى أن «عقب تنفيذ هذا المشروع ستحصل مصر ليس فقط على المحطة النووية وإنما على أحدث التكنولوجيات وأكثرها أمانا».
ووافق البرلمان المصري في جلسة طارئة في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على ثلاثة قوانين تقدمت بها الحكومة بشأن إنشاء المحطات النووية. وخلال الجلسة قال رئيس المجلس، علي عبد العال، إن «هناك حاجة إلى سرعة إصدار هذه القوانين».
وتقع المحطة النووية في منطقة «الضبعة» بمحافظة مرسى مطروح (330 كيلومترا شمال غربي القاهرة)، والتي تم تخصيصها منذ أكثر من 30 عاماً لذات الغرض. ويتوقع أن تنتج المحطة بشكل إجمالي 4800 ميغاواط من الكهرباء، وذلك بانتهاء بنائها في عام 2022.
وخلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده الرئيسان في قصر «الاتحادية»، أعلن السيسي أنه بحث مع نظيره الروسي تطوير العلاقات التي تتصل بالتصنيع المشترك، أو الأمن الغذائي، أو جذب الاستثمارات الروسية إلى مصر، من خلال إقامة منطقة صناعية روسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وقال: «اتفقنا على تكليف الوزراء المعنيين بمتابعة تلك الملفات، وتسوية أي عقبات تواجه الانتهاء من المشروعات التي نعتزم تنفيذها في المستقبل القريب، أسوة بروح التنسيق التي سادت المفاوضات على عقود إنشاء محطة الضبعة النووية».
من جانبه، أكد بوتين أن مصر شريك قديم وموثوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشيرا إلى أنه خلال الأشهر التسعة الماضية لهذا العام تم تعزيز وزيادة حجم التبادل التجاري بنسبة النصف ليصل إلى أكثر من 4 مليارات دولار.
وقال بوتين: «المنطقة الصناعية الروسية ستكون أكبر مركز للصناعة والإمداد والتصدير للمنتجات الروسية إلى أسواق دول الشرق الأوسط وأفريقيا»، لافتا إلى أن الشركات الروسية الكبرى أبدت اهتماما للاندماج والمشاركة في هذا المشروع الهام. وأضاف: «إجمالي استثمارات هذا المشروع قد تصل إلى 7 مليارات دولار».
وتابع: «شددنا على أهمية مواصلة المفاوضات حول إنشاء منطقة التجارة الحرة بين مصر واللجنة الاقتصادية الأورآسيوية»، كما أكد أن «مصر من أهم عملاء روسيا في شراء القمح»، مؤكداً على مواصلة روسيا تلبية كل احتياجات الأسواق المصرية من الحبوب الروسية.

رفع حظر الطيران
وحول تعليق روسيا رحلاتها الجوية لمصر، منذ حادث تفجير طائرة الركاب الروسية عام 2015 بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ ومقتل جميع ركابها، قال بوتين: «ناقشنا كذلك الروابط الإنسانية بين البلدين وفي مقدمتها السياحة».
وأكد أن «الجانب المصري بذل جهودا جبارة من أجل رفع مستوى الأمن في المطارات المصرية»، مشيرا إلى «أنه تمت مناقشة تسلسل الخطوات المشتركة من أجل استئناف الطيران المباشر بين البلدين».
وقال إن «وكالة الأمن الفيدرالي قدمت تقريرا بأن الجانب الروسي مستعد لفتح الطيران بين موسكو والقاهرة»، مشيرا إلى أنه «لا بد من توقيع البروتوكول الحكومي بهذا الشأن وهو ما سنسعى إليه في أقرب وقت».

نقل السفارة الأميركية للقدس
وحول قرار الولايات المتحدة نقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس، قال السيسي: «أكدت لبوتين أهمية الحفاظ على الوضعية القانونية للقدس، في إطار المرجعيات الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة، وضرورة العمل على عدم تعقيد الوضع بالمنطقة، من خلال اتخاذ إجراءات من شأنها تقويض فرص السلام في منطقة الشرق الأوسط». وأثنى على الدور الروسي في إطار جهود التسوية الفلسطينية طوال العقود الماضية، سواء بشكل منفرد، أو في إطار الآلية الرباعية الدولية. من جهته، قال بوتين: «مصر وروسيا تؤكدان ضرورة الاستعداد الفوري للحوار الفلسطيني الإسرائيلي المباشر حول كل القضايا المتنازع عليها، بما في ذلك وضع القدس... لا بد من تحقيق الاتفاقات العادلة وطويلة الأمد التي تتماشي مع مصالح الطرفين، وأن تنسجم هذه القرارات مع القرارات التي سبق وأن اتخذها المجتمع الدولي في هذا الشأن». وأكد أن «روسيا تدعم كل الدعم جميع القرارات التي اتخذها سابقا مجلس الأمن الدولي»، لافتا إلى أن بلاده ترى أن كل الخطوات التي من شأنها أن تستبق نتائج المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين تعتبر «عديمة الجدوى». وأن مثل هذه الخطوات تزعزع الاستقرار ولا تساعد على تحقيق الحل وهي تستفز وتدفع باتجاه مزيد من التدهور.

توافق حول سوريا
وقال السيسي إنه تم الاتفاق على عدد من المواقف الأساسية بشأن الوضع في سوريا، على رأسها «استمرار العمل المشترك في خفض التوتر لتهيئة الظروف المناسبة للمفاوضات السياسية»، وأضاف: «تناولنا الجهود الناجحة التي أفضت لإنشاء وفد تفاوضي موحد من منصات المعارضة السورية المختلفة».
وأكد الرئيس المصري «دعم مسار المفاوضات التي يقودها المبعوث الأممي إلى سوريا للتوصل إلى حل سياسي شامل يحقق الطموحات المشروعة للشعب السوري الشقيق، ويحافظ على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية، وتماسك مؤسسات دولتها».
من جهته، قال بوتين: «أطلعت الرئيس المصري على الجهود التي تبذلها روسيا من أجل إعادة الأمور إلى مجاريها في سوريا، كما كشفت نتائج زيارتي التي قمت بها إلى سوريا»، لافتا إلى أنه «بدعم السلاح الجوي الروسي اقتربنا من التحرير الكامل لكل الأراضي السورية من الإرهابيين». وتابع: «اتفقنا على تعزيز التنسيق من أجل تقديم الدعم لتحقيق الحل السياسي طويل الأمد في سوريا»، معربا عن امتنانه للجانب المصري على دعمه للمبادرة الروسية حول مؤتمر الحوار الوطني السوري، مضيفا: «نخطط لتحقيق المشاركة في أعماله لكل أطياف المعارضة، بما في ذلك ممثلون لمنصتي موسكو والقاهرة».
وأكد السيسي أن «مصر ترى أهمية تكاتف المجتمع الدولي لتجنب أي فراغ أمني أو سياسي (في ليبيا)، وستواصل مصر دعم جهود المسار السياسي الذي يرعاه المبعوث الأممي بغرض تهيئة الأجواء لإنهاء المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وستواصل جهودها من أجل توحيد المؤسسة العسكرية الليبية».
وأضاف السيسي: «اتفقت مع بوتين على أهمية تعزيز تبادل المعلومات بين الأجهزة المختصة اتصالا بجهود التصدي للإرهاب، خاصة فيما يتعلق بانتقال الإرهابيين من مناطق عدم الاستقرار إلى دول أخرى وارتكابهم أعمالا إرهابية في تلك الدول»، وأكدنا ضرورة «منع الدول لمرور هؤلاء الإرهابيين عبر أراضيها، وتبادل المعلومات بشأنهم مع جميع الدول الأخرى والمنظمات الدولية المعنية».
فيما قال بوتين إن روسيا ومصر معنيتان بتحقيق الاستقرار والأمن في ليبيا، واستعادة سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها، ونثمن الموقف المصري البناء من التسوية الشرق الأوسطية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».