أنهى رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري مرحلة التريث بالعودة عن استقالته مستنداً في ذلك إلى بيان مقتضب يرتكز على الالتزام بسياسة «النأي بالنفس» من قبل جميع مكونات مجلس الوزراء التي وافقت على صيغته النهائية، وأن عدم التنفيذ سيستدعي موقفاً آخر من رئيس الحكومة، حسب مصادر «تيار المستقبل». ورغم نجاح هذا البيان في إنقاذ التسوية اللبنانية وإعادة إحيائها، فإن «حزب الله» لا يرى فيه أي جديد انطلاقاً من أنه لا يعدو كونه تكراراً للبيان الوزاري الذي أخذت الحكومة بموجبه الثقة وخطاب قسم رئيس الجمهورية ميشال عون مع تأكيده الالتزام به، بينما يعتبره «تيار المستقبل» خطوة كبيرة نجحت في انتزاع موقف من الحزب لم يكن ليحصل لو لم يقْدم الحريري على إعلان استقالته، وأن عدم تنفيذه سيستدعي موقفاً آخر من رئيس الحكومة.
وبعد انتهاء جلسة الحكومة الاستثنائية والأولى بعد إعلان رئيسها استقالته في الرابع من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ومن ثم تريثه في تقديمها في 22 من الشهر نفسه، تلا الحريري البيان، أمس، معلناً «التزام الحكومة اللبنانية بكل مكوناتها السياسية النأي بنفسها عن أي نزاعات أو صراعات أو حروب أو الشؤون الداخلية للدول العربية، وأن مجلس الوزراء أكد الالتزام به قولاً وفعلاً»، مؤكداً أن «الحكومة تلتزم بما جاء في خطاب القسم لرئيس الجمهورية، وبميثاق جامعة الدول العربية، واحترام القانون الدولي حفاظاً على الوطن». وأضاف: «سنواصل تأكيد الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتؤكد الحكومة التزام القرار 1701، والدعم لقوى الأمم المتحدة العاملة في لبنان».
وفي حين كان لافتاً عدم تضمّن البيان بنداً متعلقاً بالتهدئة الإعلامية التي كانت مصادر عدّة قد أشارت إليها، حرص الحريري خلال الكلمة التي ألقاها في بداية جلسة الحكومة، على التطرق إليها، مشدداً على أن «مصلحة لبنان في حماية علاقتنا التاريخية مع السعودية والخليج، وأن التهجّم عليها في الإعلام والسياسة يهدد مصالح البلاد، خصوصاً مصالح اللبنانيين العاملين في الخليج». بينما أكدت مصادر قريبة من «حزب الله» أن الحزب «يلتزم بما جاء في البيان حصراً، ولا شيء يمنعه من إعلان موقفنا ورأينا السياسي». وقالت المصادر: «الهدف من البيان هو المحافظة على التسوية اللبنانية عبر إعادة إحيائها، خصوصاً أن ما جاء فيه لا يختلف عما نص عليه البيان الوزاري وخطاب القسم الرئاسي». وفي الوقت الذي أكدت فيه المصادر الالتزام بعدم التدخل بشؤون الدول العربية، أوضحت: «بالنسبة إلى اليمن سبق وأكد الحزب عدم تدخله في حربها، وانسحبنا من العراق، أما في سوريا فالأمر مرتبط بالحل السياسي الذي يتم العمل عليه مع تأكيد أن الأزمة السورية هي أكبر من (حزب الله) بعدما باتت إقليمية، كما أن قضيتها لم تكن أساساً مدرجة في سياق البحث». وأضافت المصادر: «هذا الأمر متفق عليه مع جميع الأطراف وعبّر عنه صراحة الرئيس عون بتأكيد أن مشاركتنا في الحرب السورية هي حرب استباقية دفاعاً عن لبنان».
في المقابل، يرى «تيار المستقبل» على لسان النائب في الكتلة عقاب صقر، أن العبرة في الأداء وعدم التنفيذ سيستدعي موقفاً آخر من رئيس الحكومة. وعن الضمانات التي حصل عليها الحريري للعودة عن الاستقالة ومن شأنها إلزام الحزب في التنفيذ، يقول صقر لـ«الشرق الأوسط»: «القرار جاء بالإجماع وبموافقة الحزب والتزامه بتعهداته بضمانة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وكل المكونات، وبالتالي عند الخروج عنها أو عدم الالتزام بها، سيكون للحريري موقف آخر». ويصف صقر الاتفاق الذي حصل بـ«الخطوة الكبيرة التي جعلت الحزب في وضعية قانونية ووطنية جديدة تم خلالها انتزاع موقف منه ما كان أحد يتخيل حصوله قبل الاستقالة»، من دون أن ينفي «أن العبرة تبقى في قادم الأيام، بحيث سنراقب وننتظر وسنسمي كل الأمور بأسمائها عند حصول أي إشكال أو تجاوزات».
وعن الخطوات العملية التي من المتوقع أن يقوم بها الحزب، خصوصاً لجهة التدخل في الصراعات العربية، يقول صقر: «ما حصل في اليمن والعراق هو خطوة أولى في هذا الاتجاه، وسوريا تحتاج إلى ترتيبات مسبقة لكن يمكن القول: إن السياق قد بدأ».
وقبل انطلاق الجلسة، أمس، عبّر الوزراء على اختلاف انتماءاتهم السياسية عن ترحيبهم بالصيغة التي انتهى إليها البيان، بينما عرض رئيس الجمهورية ميشال عون بالتفصيل المراحل التي قطعتها الأزمة التي نشأت بعد إعلان الحريري استقالته، شارحاً المواقف التي اتخذها والاتصالات التي قام بها داخلياً وخارجياً.
كما كانت هناك مداخلة للحريري شكر خلالها عون والجهود التي شاركت فيها مكونات الحكومة لحماية الاستقرار، آملاً أن تشكل هذه الجلسة فرصة جديدة للتضامن على حماية البلد، وعدّ «ما قمنا به حتى اليوم كان قمة في المسؤولية... وأهم ما فيه أننا رفضنا الانجرار خلف شعارات ودعوات ليست لها وظيفة إلا استدراج الفوضى للبنان»، مضيفاً: «أنا رئيس مجلس وزراء لبنان، واليوم هناك حكم إعدام بحقي في سوريا، و(حزب الله) مصنّف إرهابياً في دول الخليج. كل ما أقوله هو أن نجنّب البلد الدخول في صراعات المنطقة ونحافظ على استقرارنا، لكنّ هذا لا يعفينا من أن نرى المشكلة القائمة وملاحظات عدد من الدول الشقيقة، خصوصا دول الخليج، التي وجّهت إلينا رسائل واضحة حول التدخل بشؤونها الداخلية. هذا يعني أن هناك مشكلة لا يمكننا أن نقفز فوقها. وهذه المشكلة لا يجوز أن تستمر».
الحريري يعود عن الاستقالة ببيان... و«موقف بديل» في حال عدم التنفيذ
«حزب الله»: ملتزمون به... وعودتنا من سوريا مرتبطة بالحل
الحريري يعود عن الاستقالة ببيان... و«موقف بديل» في حال عدم التنفيذ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة