قالت دراسة نشرها مركز «كارنيغي» للأبحاث، إن سياسات التهدئة التي اعتمدتها السلطات الجزائرية، منذ عام 1995، سمحت بعودة 15 ألف «تائب» عن الإرهاب، إلى الحياة العامة. وكان هؤلاء أعضاء في ثلاث مجموعات متطرفة، وهي: «الجماعة الإسلامية المسلحة» و«الجماعة السلفية للدعوة والقتال» و«الجيش الإسلامي للإنقاذ». وذكرت الدراسة، وهي حديثة أعدتها الباحثة الجزائرية المتخصصة في التطرف الديني، داليا غانم يزبك، أن ما بين عامي 1995 و1996 «جُرِّد نحو ألفي مقاتل من السلاح وتم تسريحهم. وفُتِحت قنوات اتّصال سرّية بين الجيش الجزائري والجيش الإسلامي للإنقاذ، الجناح العسكري للجبهة الإسلامية للإنقاذ. وكان زعيم الجيش الإسلامي للإنقاذ، مدني مرزاق، يتمتع بنفوذ كافٍ أتاح له إقناع نحو 7 آلاف من مقاتليه ومن مجموعات صغيرة أخرى بتسليم سلاحهم».
وسنت السلطات «قانون الرحمة» عام 1995 (عهد الرئيس الجنرال اليمين زروال)، ولم تعلن في تلك الفترة عن عدد «التائبين» الذين شملهم القانون، فيما تتحدث دراسة «كارنيغي» عن ألفين، وهي معلومة تنشر لأول مرة. وفي 1999 أصدر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة «قانون الوئام المدني» الذي استفاد منه 6 آلاف مسلح، مقابل التخلي عن العنف. وكان هؤلاء ينتمون إلى «جيش الإنقاذ».
وتقدم الدراسة معطيات جديدة بخصوص تعاون قيادات الجماعات المتطرفة، مع المخابرات بعد «التوبة». فقد أشارت إلى أن «البعض منهم، على غرار زعيم الجماعة (السلفية للدعوة والقتال)، حسان حطاب، لم يكتف بالحديث علنا ضد العنف، بل تعاون متشددون سابقون من أمثاله أيضا مع القوى الأمنية في جمع المعلومات الاستخبارية، وساعدوا في إحباط هجمات. كما قُدِّم للمقاتلين السابقين دعمٌ طبي ونفسي لتخطّي صدماتهم، وأسلحة لحماية أنفسهم وأقاربهم من الثأر على أيدي عائلات الضحايا أو المجموعات المتطرفة». ولأول مرة يعرف بأن الحكومة سلَحت تائبين عن الإرهاب، للدفاع عن أنفسهم من أعمال انتقام مفترضة على أيدي ضحايا الإرهاب، الذين اتهموا السلطات بـ«مهادنة الإرهابيين» وطالبوا بمتابعتهم قضائيا.
وتعرض حطاب، الشهير بـ«أبي حمزة»، إلى التهديد بالقتل من طرف رفاقه السابقين بعد أن سلم نفسه للسلطات في سبتمبر (أيلول) 2005، للاستفادة من تدابير «ميثاق المصالحة»، الذي اقترح عفوا عن المتطرفين نظير طلاقهم مع العمل المسلح. وأضافت الدراسة: «لقد قام الميثاق على فكرة أن جميع الجزائريين هم ضحايا الحرب بالتساوي، وأنه لن تكون هناك محاكمة لا لعناصر القوى الأمنية ولا للمقاتلين الإسلاميين الذين أعلنوا توبتهم. كان الهدف التشجيع على تسريح العناصر الذين لم يكونوا قد اقتنعوا بعد بتسليم سلاحهم، والإبقاء على هذا التسريح بصورة دائمة».
وجرت محاولات من طرف أهالي ضحايا اختفاءات قسرية، لمتابعة عناصر أمنية بالمحاكم. غير أن القضاء رفض تسلم دعاوى بهذا الخصوص، لأن «قانون المصالحة» (2006) يمنع ذلك. كما منع القانون على كل النشطاء من «جبهة الإنقاذ»، سواء كانوا مسلحين أو سياسيين، من ممارسة العمل السياسي من جديد، بذريعة أنهم متورطون في الدماء التي سالت، خلال تسعينيات القرن الماضي.
وبحسب الدراسة، «كان القمع الشديد الذي مارسته القوى الأمنية أحد الأسباب الرئيسية خلف جنوح الآلاف، ولا سيما الشباب منهم، نحو التطرّف. بيد أن السلطات بدّلت استراتيجيتها عندما أدركت أن المقاربة العسكرية ليست كافية وحدها، لمعالجة مسألة الجهادية، فاعتمدت أساليب أكثر توفيقية منذ ذلك الحين، من ضمنها الهدنة». وتعتبر الجزائر نفسها رائدة في مجال محاربة التطرف العنيف، وتقول إنها صدَرت تجربتها إلى دول مجاورة تعاني من التطرف مثل مالي. وتابعت الدراسة بأنه «إذا كان هناك من درس يجب استخلاصه من التجربة الجزائرية (في مجال التعامل مع التطرف)، فهو أن الحل العسكري ليس كافيا لوحده. فالجهادية هي قبل كل شيء ظاهرة اجتماعية، ولذلك فإن الفشل في التعاطي معها على مستوى اجتماعي قد يؤدّي إلى عودتها في شكل من الأشكال».
عودة 15 ألف «تائب» عن الإرهاب إلى الحياة العامة في الجزائر
عودة 15 ألف «تائب» عن الإرهاب إلى الحياة العامة في الجزائر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة