روسيا تلمح إلى خفض وجودها وتركز على مؤتمر سوتشي

TT

روسيا تلمح إلى خفض وجودها وتركز على مؤتمر سوتشي

قال دميتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الكرملين، في حديث للصحافيين أمس: إن البيان الختامي الصادر عن القمة الثلاثية الروسية - التركية - الإيرانية في سوتشي «ليس بروتوكول إعلان نوايا، وإنما موقف واضح بشكل مطلق»، وأكد «يوجد إجماع راسخ بأنه ستتم الدعوة لمؤتمر الحوار السوري في سوتشي في وقت قريب».
وأوضح بيسكوف أن عملاً معقداً على مستوى الخبراء لتحديد قائمة المدعوين سيسبق الدعوة للمؤتمر، وأشار إلى أنه «من الواضح أن القائمة يجب أن تكون شاملة بأقصى درجة ممكنة»، وشدد على أن «أهلية مؤتمر الحوار الوطني لا يمكن ضمانها إلا على حساب أقصى مستويات المشاركة الواسعة لممثلي كل المجموعات الممثلة في سوريا». في غضون ذلك، ما زال الموقف غامضاً بشأن مشاركة الأكراد في مؤتمر الحوار في سوتشي، وقال بيسكوف: «إن الكرملين على علم ببعض الاعتراضات من الجانب التركي بخصوص مشاركة تلك القوى التي ترى فيها أنقرة مصدر تهديد لأمنها القومي»، إلا أن هذا، حسب بيسكوف «لا يعني أن العمل لن يجري»، وأكد أنه أمام الخبراء حالياً عمل معقد لوضع قائمة المدعوين، ومن ثم سيتم تحديدها بصورة نهائية، و«نتوقع الدعوة للمؤتمر هنا في سوتشي، وهو ما أكد عليه البيان» الختامي عن القمة الثلاثية الروسية - التركية - الإيرانية. وأشار إلى أنه من المبكر الحديث الآن عن موعد انعقاد المؤتمر، وأن «الموعد لا يمكن أن يظهر خلال ليلة واحدة». من جانبها، أعلنت هيئة الأركان الروسية عن احتمال تقليص القوات في سوريا، وذلك بعد أن قامت بتنفيذ مهمتها الرئيسية في القضاء على المجموعات الإرهابية هناك. ونقلت وكالة «ريا نوفوستي» عن الجنرال فاليري غيراسيموف، قائد أركان القوات الروسية قوله أمس إنه «على الأرجح يمكن توقع تقليص مجموعة القوات الروسية العاملة في سوريا» على خلفية البيان الصادر الثلاثاء عن القمة الثلاثية الروسية - التركية - الإيرانية في سوتشي. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن في مؤتمر صحافي مشترك عقب القمة عن اتفاق مع الرئيسي التركي رجب طيب إردوغان والإيراني حسن روحاني على إطلاق مؤتمر الحوار السوري في سوتشي؛ الأمر الذي أصبحت الظروف مناسبة له بعد انتهاء المرحلة النشطة من العمليات القتالية ضد «داعش». وتحدث مسؤولون روس في وقت سابق عن هذا الأمر، وأشاروا إلى أن التقليص قد يشمل عدد المقاتلات في قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا، وربما الأفراد في تلك القاعدة، لكنه لن يشمل منظومات الدفاع الجوية الروسية.
ويرى كثيرون في روسيا، أن القمة الثلاثية في سوتشي تؤكد على «الدور المهيمن للترويكا» روسيا وتركيا وإيران في الشأن السوري. وقال السيناتور قسطنطين كوساتشوف، رئيس لجنة مجلس الاتحاد للشؤون الدولية: إن «اتفاق روسيا وتركيا وإيران (خلال قمة سوتشي)، يؤكد دون شك حقيقة أن الترويكا أمسكت بزمام المبادرة ولا تنوي إفلاتها»، وعبّر عن قناعته بأن «الفضل في ذلك يعود بالطبع إلى التدخل الروسي الحاسم في النزاع، الذي أحدث تغيرات جذرية في الوضع». وأضاف أن «روسيا لا تتصرف مثل (مغتصب)؛ ولهذا تحديداً ولدت الصيغة الثلاثية التي تجمع بين قوى مختلفة، أصبحت ضامنة للاتفاقيات (في سوريا) وللعملية السلمية المرتقبة». وأشار إلى أن «الانتصار في تحقيق السلام» سيكون أصعب بكثير من الانتصار في الحرب، ورأى أن «مساعي بعض القوى للمساهمة بصورة بنّاءة (في التسوية السورية) وحالة الإنهاك العام في سوريا جراء الحرب، والكارت الأخضر (الاضطراري غير المعلن) الذي قدمه الغرب لروسيا، عناصر لصالح الدور القيادي لروسيا والترويكا» في الشأن السوري. ولفت إلى القلق الأميركي من تعزيز إيران لوجودها في سوريا، واعتبر أن «الأميركيين ليسوا الآن في موقف يسمح لهم بإملاء أي شروط».
في شأن متصل، يتوقع أن يبحث المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا مؤتمر الحوار السوري مع المسؤولين الروس في موسكو اليوم. وقال غينادي غاتيلوف، نائب وزير الخارجية الروسي: إن دي ميستورا سيصل إلى موسكو غداً (اليوم)، حيث «يتوقع أن يجري محادثات مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف» تركز بصورة خاصة على عملية التسوية السورية والتحضيرات لمؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي. وقالت وكالة «تاس» نقلاً عن مصدر مطلع في جنيف: «إن جدول زيارة دي ميستورا إلى موسكو يشمل كذلك محادثات سيجريها في وزارة الدفاع الروسية».
إلى ذلك، ما زالت روسيا مصرّة على موقفها الرافض لتمديد ولاية آلية التحقيق الدولية المشتركة الخاصة بالهجمات بالسلاح الكيماوي في سوريا، وقالت ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية، في تصريحات أمس: إن «الحديث في المرحلة الحالية يمكن أن يدور فقط حول تأسيس بنية جديدة نوعياً، تنطلق في عملها من الالتزام بالقواعد والآليات التي حددتها اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية». وتنتقد روسيا الأسلوب الذي اعتمدته آلية التحقيق التي انتهى تفويضها في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، في عملها، إلا أن تلك الانتقادات كانت بصورة خاصة حول استنتاجات الآلية بأن النظام السوري مسؤول عن الهجوم على خان شيخون، بينما لم توجه أي انتقاد لتحميل الآلية تنظيم داعش المسؤولية عن الهجوم على أم حوش. واستخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار أميركي لتمديد ولاية الآلية، ومن ثم استخدمت الفيتو ضد مشروع قرار للتمديد التقني. وقال فاسيلي نيبيزيا، مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة: إن الآلية «ماتت»، وقال: «إن روسيا مستعدة لبحث تشكيل آلية جديدة، بعد أن فقدت الآلية السابقة مصداقيتها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.