رئيس برلمان كردستان: تبعات الاستفتاء قضت على مكتسبات ربع قرن

قال لـ«الشرق الأوسط» إنه مستعد للتفاوض مع بغداد... ودعا العبادي إلى «عدم الاغترار»

يوسف محمد صادق خلال الحوار مع «الشرق الأوسط»
يوسف محمد صادق خلال الحوار مع «الشرق الأوسط»
TT

رئيس برلمان كردستان: تبعات الاستفتاء قضت على مكتسبات ربع قرن

يوسف محمد صادق خلال الحوار مع «الشرق الأوسط»
يوسف محمد صادق خلال الحوار مع «الشرق الأوسط»

بعد تمديد الولاية المنتهية لبرلمان إقليم كردستان العراق، كان الاعتقاد السائد هو عودة رئيسه يوسف محمد صادق إلى أربيل لمزاولة مهامه، خصوصاً في مثل هذه الظروف الحرجة التي تتطلب وحدة الموقف بين القوى المختلفة للرد على التحديات التي تواجه مصير العملية السياسية في الإقليم، لا سيما بعد فشل استفتاء الاستقلال وتداعياته الخطيرة على الوضع الداخلي.
لكن لا الرئيس عاد إلى البرلمان، ولا الوضع السياسي عاد إلى مرحلة الاستقرار، وهو ما حمّل رئيس البرلمان مسؤوليته لنهج حكومة الإقليم في إجراء استفتاء الاستقلال، الذي اعتبر أن تبعاته «قضت على مكتسبات ربع قرن».
وقال صادق في حوار مع «الشرق الأوسط» إنه مستعد للحوار مع بغداد، لكنه دعا رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى ألا «يغتر بنفسه». وفيما يلي نص الحوار:
> كان مقرراً أن تعود لممارسة مهامك بعد تفعيل البرلمان وتمديد ولايته، فما الذي يمنع عودتك؟
- الأسلوب الذي جرى بموجبه تفعيل البرلمان لم يكن ملبياً لطموحاتنا. كنا نريد تفعيله بعيداً عن التدخلات الحزبية، لكن في الحقيقة كان الهدف من تفعيله بالأساس هو شرعنة عملية الاستفتاء فحسب. هذا في وقت أقر الاستفتاء بقرار حزبي خارج إرادة البرلمان، فلم يصدر قانون خاص لتنظيمه. وكان هناك قرار اتخذ من دون توفير أرضية سياسية أو اقتصادية أو قانونية له. وهذا أمر يتعارض مع توجهاتنا السياسية، فحين كنا في أربيل حاولنا أن نجعل البرلمان المرجع الأول والأخير لمثل هذه القرارات المصيرية، وليس استخدام البرلمان لشرعنة القرارات الحزبية كما حصل في مسألة الاستفتاء.
> لكن بعد تمديد ولاية البرلمان لثمانية أشهر عاد نواب «حركة التغيير» و«الجماعة الإسلامية» إلى الجلسات؛ فما الذي منعك من العودة؟
- كنتُ منذ البداية ضد تمديد الولاية بهذا الشكل، خصوصاً أن قرار الأحزاب نص على تنظيم الاستفتاء قبل الانتخابات البرلمانية. وكان هذا هاجسي الشخصي، لأنني كنت أعلم يقيناً أنه سيكون من الصعب جداً تنظيم الانتخابات مباشرة بعد الاستفتاء لقصر الفترة الفاصلة بينهما. وبصفتي رئيساً للبرلمان، وجهت رسالة إلى مفوضية الانتخابات لأطلب منها أن تتهيأ لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل انتهاء ولاية البرلمان في 11 يونيو (حزيران) الماضي، لأنني كنت أخشى أن تؤدي عملية الاستفتاء إلى تأجيل الانتخابات، وللأسف حصل ما كنت أخشاه.
> هل يعني هذا أن رفض عودتك إلى البرلمان قرارك، وليس قرار قيادة حركتك؟
- أعتقد أن «حركة التغيير» تشاطرني الرأي بأن تكون عودتي مرهونة بتمكين البرلمان من أداء واجباته القانونية، بمعنى ألا يكون تحت وصاية أو توجيه أحد. أظن أننا بحاجة إلى اتفاق جديد يضمن تغيير نظام الحكم الحالي وإبعاد أيادي الحزب (الديمقراطي الكردستاني) عن التدخل في المؤسسات الأمنية والعسكرية، وضمان إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ديمقراطية وشفافة خالية من التزوير والتلاعب، وكذلك من أجل التفاوض مع بغداد وإجراء الإصلاحات لتحقيق الشفافية في الموارد المالية.
إذا تحقَّقَت هذه الأهداف واستطاع البرلمان أن يقوم بدوره، فالأمر حسن. أما في حال استمرار التدخلات الحزبية واستخدام البرلمان فقط لشرعنة القرارات الحزبية، فهذا أمر لا يتطابق مع تطلعاتنا وأهدافنا. أعتقد أنه حان الوقت للمراجعة والتخلي عن السياسات غير المقبولة في التعامل بين الأحزاب؛ فهي سياسات شوهت صورة الإقليم أمام الرأي العام العالمي، وأعتقد أن نظام الحكم المتبع في الإقليم منذ ربع قرن أثبت فشله وحان الوقت لتغييره، لأن هذا النظام فشل من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية، بل إنه عرّض الشعب لمستقبل مظلم ومجهول، ولذلك أتمنى أن تتخلى القيادات السياسية عن هذه العقلية المريضة في شطب الآخرين وإنكارهم.
> هناك تصريحات من رئيس الوزراء حيدر العبادي يؤكد فيها دعم برلمان كردستان كمؤسسة شرعية وتفعيل دوره كي يتمكن من أداء دوره التشريعي من دون تدخلات من أطراف معينة... هل تعتقد أن هذا الدعم مطلوب لتحويل البرلمان الكردي إلى مؤسسة فاعلة؟
- نعم. أعتقد أنه كلما كانت علاقتنا متينة وراسخة مع السلطات الاتحادية، كان ذلك أفضل؛ فيجب إخراج تلك العلاقات من نطاق شخصي أو من تحكم قيادات معينة بها. يجب تدعيم العلاقات بين المؤسسات الشرعية كي تتحول إلى جهات رقابية على مؤسسات الحكم. ولذلك أرى ضرورة قصوى لأن يكون لبرلمان كردستان دور مهم وفاعل في أي مفاوضات تجري بين أربيل وبغداد، ففي حال عجزت حكومة الإقليم عن فتح أبواب الحوار مع بغداد، فمن الممكن أن يقوم البرلمان بهذا الدور من خلال تشكيل وفد من الكتل البرلمانية تحت إشراف الهيئة الرئاسية للذهاب إلى بغداد للتفاوض، باعتباره ممثلاً شرعياً للشعب الكردستاني.
> ولماذا لا تبادر إلى ذلك، خصوصاً أنك رئيس البرلمان الشرعي وبإمكانك أن تشكل وفداً برلمانياً يرافقك إلى بغداد للتفاوض؟
- إذا تأكدتُ أن باستطاعتي القيام بهذا الدور، فلن أتردد. أنا مقتنع تماماً بأنه لا يجب على الشعب أن يدفع ضريبة أخطاء بعض قياداته السياسية، ونحن كحركة سياسية ليست لدينا مصالح مالية مع بغداد، ولا نسيطر على موارد الإقليم، ولذلك أعتقد بأننا سنكون طرفاً نافعاً إذا سُمح لنا بأن نتفاوض مع بغداد لضمان مصلحة الشعب وليس مصلحة الأحزاب أو أشخاص محددين.
> يدعو رئيس الوزراء دائماً إلى الحوار وفق الدستور العراقي...
- هذا صحيح. لكن للأسف السيد العبادي يتصرف وكأنه المنتصر في الحرب، وهو يغترّ بنفسه، لكني أعتقد أن الانتصار في السلام أفضل من النصر في الحرب؛ فكل حرب يتبعها سلام، والانتصار الأكبر لأي زعيم سياسي هو قدرته على صنع السلام، وليس قرع طبول الحرب.
ما حصل بعد الاستفتاء كان سببه عدم حساب تداعيات العملية، وحصل ذلك أيضاً في كاتالونيا حيث وجدنا قيادات فرّت أو زُجّ بها في السجون أو أُعفِيَت من مناصبها. لم تجر الجهات التي قررت الاستفتاء أي تقييم أكاديمي سياسي ودبلوماسي وعسكري وأمني واقتصادي سليم لعملية الاستفتاء وتداعياتها. فلا نعرف كيف يمكن لإقليم أن يجري الاستفتاء في حين أن حكومته لا تستطيع دفع نصف رواتب موظفيها؟ وكيف ينجح استفتاء في منطقة محاطة بكثير من الدول المعادية للتطلعات القومية لشعب ليست لديه قوة عسكرية منتظمة ومسلحة تستطيع أن تدافع عن حدوده حين يعلن دولته المستقلة؟
أجري الاستفتاء في وقت خسرت فيه القيادة الكردية كل أشكال الدعم الدولي وعاندت ولم تبالِ بدعوات العالم وما عرضته القوى العظمى من ضمانات بديلة للاستفتاء. وكل هذا كان قصر نظر سياسياً، وخطأ فادحاً للقيادة السياسية، ولو جرى الاستفتاء عبر البرلمان وهو المؤسسة الشرعية الممثلة للشعب، وليس عبر قيادة حزبية، لكان الأمر مختلفاً، ولم نكن لنخسر كل تلك المكتسبات بسبب تقدم القوات الاتحادية.
> حدود الإقليم لم تبقَ كما كانت في السابق، فهل تعتقد أن الأكراد سيتمكنون من القيام بدور سياسي فاعل في مستقبل العراق؟
- عندما قيل إن الحدود ستُرسَم بالدم، قلتُ حينها إن الحدود لا ترسم بالدماء بل بالحوار، لأن الحدود التي تُرسَم بالدم ستعود للآخر بالدم أيضاً. وهذا ما حصل بالضبط. قلت، وكررت، إن مشكلة المناطق المتنازَع عليها تُحلّ بالقانون والدستور، ولكن للأسف لم يستمع إلينا أحد. واليوم أكرر أيضاً أن المشكلة ستُحلّ وفقاً للمادة 140 من الدستور، وأود أن أؤكد هنا أن الحكومة الاتحادية بدورها تخطئ إذا ظنت بأنها ستحسم مشكلات هذه المناطق بالقوة العسكرية أو عبر «الحشد الشعبي»، فمشكلة الأكراد منذ السبعينات وحتى اليوم هي مشكلة كركوك. وكل الحكومات المتعاقِبة على حكم العراق فشلت في حسم هذه المشكلة عسكرياً، وكذلك فشلت القيادات الكردستانية في فرض الأمر الواقع على الآخرين. وعليه، يجب العودة إلى القانون والاستفادة من أخطاء التاريخ. المهم أن الشعب الكردي لم يعد قادراً على التحكم بالوضع السياسي في العراق. نعم، نحن مكون مهم، ولكن إذا لم نرتب بيتنا الداخلي ونقوِّ أنفسنا عبر تدعيم مؤسساتنا الديمقراطية والشرعية فلا نستطيع أن نستعيد دورنا الفاعل.
> بعد كل ما حدث في الآونة الأخيرة، هل تتوقع أن يمضي الإقليم نحو الحكم الرشيد والشفافية؟
- على القوى التي تسببت بهذه المآسي والكوارث السياسية أن تعي أنه لا يمكن لهذه الأمور أن تستمر إلى ما لا نهاية. فما حصل أعادنا إلى بداية التسعينات وقضى على كل المنجزات والمكتسبات التي حققناها خلال ربع قرن في معاركنا العسكرية أو السياسية.
لذلك يجب على الجميع أن يتحمل مسؤولياته ويعترف بفشله، وبذلك يمكننا أن نغير نظام الحكم السائد إلى الحكم الرشيد. أما إذا لم يتحقق ذلك فمن المفترض على كل من يؤمن بالديمقراطية وبحقوق الشعب أن يمارس دوره ويلجأ إلى كل السبل المتاحة أمامه من الخيارات المدنية للضغط على السلطة لإرغامها على التنازل، بما في ذلك الخروج إلى الشوارع والتظاهر بهدف التغيير، لأنه في ظل استمرار الوضع الحالي فسيأتي يوم وينهدم فيه البناء على رؤوس جميع من تسببوا بهذه الكوارث.
> هناك فعلاً تحركات من بعض الأطراف السياسية لإجراء التغيير عبر تشكيل حكومة إنقاذ وطني، فهل أنت مع هذا الخيار؟
- أعتقد أننا بحاجة فعلاً إلى مرحلة انتقالية، وقد أشرتُ في بياني الصادر في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى حاجتنا لتشكيل حكومة انتقالية لتجاوز هذه المرحلة. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن الحكومة الحالية تتحمل جزءاً كبيراً من الفشل والانتكاسة التي حصلت. وعليها أن ترحل. أما إذا استدعت الحاجة بقاءها، فعليها أن تغيّر سلوكها وتخضع لرقابة صارمة من البرلمان وتحقق الشفافية في التعامل مع الموارد وتحترم سيادة القانون، وأن تعمل لمصلحة الشعب ومعالجة أزماته المستفحلة وتتحول إلى حكومة المواطن بدل حكومة الحزب.



بلينكن في الأردن مستهِلاً جولته لبحث الأزمة في سوريا

أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
TT

بلينكن في الأردن مستهِلاً جولته لبحث الأزمة في سوريا

أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (الخميس) إلى الأردن، مستهِلاً جولة لبحث الأزمة في سوريا بعد إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، وفق ما أفاد صحافي من «وكالة الصحافة الفرنسية» كان ضمن فريق الصحافيين المرافق له في الطائرة.

وقال مسؤولون أميركيون، للصحافيين المرافقين، إن بلينكن المنتهية ولايته سيلتقي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ووزيرَ خارجيته في مدينة العقبة (نحو 325 كيلومتراً جنوب عمان) على البحر الأحمر، في إطار سعيه إلى عملية «شاملة» لاختيار أعضاء الحكومة السورية المقبلة. وفور وصوله، توجَّه بلينكن إلى الاجتماع، ومن المقرر أن يسافر في وقت لاحق من اليوم إلى تركيا.

ودعا بلينكن إلى عملية «شاملة» لتشكيل الحكومة السورية المقبلة تتضمَّن حماية الأقليات، بعدما أنهت فصائل معارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» حكم بشار الأسد المنتمي إلى الطائفة العلوية التي تُشكِّل أقلية في سوريا.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية، لدى إعلانها عن جولة بلينكن، إنه سيدعو إلى «قيام سلطة في سوريا لا توفر قاعدة للإرهاب أو تُشكِّل تهديداً لجيرانها»، في إشارة إلى المخاوف التي تُعبِّر عنها كل من تركيا، وإسرائيل التي نفَّذت مئات الغارات في البلد المجاور خلال الأيام الماضية. وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر إلى أنه خلال المناقشات في العقبة على البحر الأحمر «سيكرر بلينكن دعم الولايات المتحدة لانتقال جامع (...) نحو حكومة مسؤولة وتمثيلية». وسيناقش أيضاً «ضرورة (...) احترام حقوق الأقليات، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، ومنع تحول سوريا إلى قاعدة للإرهاب أو أن تُشكِّل تهديداً لجيرانها، وضمان تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية وتدميرها بشكل آمن». وهذه الزيارة الثانية عشرة التي يقوم بها بلينكن إلى الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وهجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل، التي ردَّت بحملة عنيفة ومُدمِّرة ما زالت مستمرة على قطاع غزة.

وانتهت رحلة بلينكن السابقة بخيبة أمل بعد فشله في تأمين صفقة تنهي فيها إسرائيل و«حماس» الحرب في مقابل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة. وسيغادر بلينكن منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل مع إدارة الرئيس جو بايدن.

ووصف الرئيس المنتخب دونالد ترمب الوضع في سوريا بـ«الفوضى». وقال إن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تتدخل، رغم أنه لم يوضح السياسة الأميركية منذ سقوط الأسد.